صحافيون عراقيون يتحركون لتشريع قانون حق الحصول على المعلومات

تعتبر التشريعات القانونية الموجودة الآن في العراق من أبرز معيقات العمل الصحافي، وتتمثل في القوانين الموجودة في بعض الأحيان، وأحيانا أخرى في انعدام القوانين الضرورية لإتاحة حرية الوصول إلى المعلومة، لذلك يسعى الصحافيون لحض البرلمان على إقرار قانون يسهل مهامهم.
بغداد - يطالب صحافيون عراقيون بتشريع قانون حق الحصول على المعلومات، ووضع البرلمان العراقي أمام مسؤولياته التشريعية لإقرار هذا القانون للحد من معيقات العمل الصحافي وتعطيل مبدأ الشفافية.
ويتعرض الصحافيون والعاملون في الإعلام للمساءلة في حال نشر معلومة تخصّ مؤسسة حكومية أو العكس، ويضطرون أحيانا إلى تجنب مواضيع مهمة أو طرح معلومات حساسة بسبب عدم دعمها بأدلة ليس من المستحيل الحصول عليها، بل لامتناع الجهات ذات العلاقة عن تسهيل مهمتهم في الحصول عليها.
وقالت ذكرى سرسم التي تساهم في إعداد مشروع القانون في حديثها لشبكة الصحافيين الدوليين “تكمن أهمية المعلومة في دعمها للشفافية والتقليل من الفساد وتشديد الرقابة الشعبية من خلال مكاشفة الجمهور بالحقائق والمعلومات الموثقة ومعالجة مكامن الخلل في عمل المؤسسات الحكومية، لذلك هناك ورش تدريبية لصحافيين ومناصرين وبشراكة مع مؤسسة الإعلام الدولي”.
وأضافت سرسم وهي مديرة مركز برج بابل للتنمية الإعلامية “إنّ هذا الحق يمثل مصداقية الدول في احترام حقوق مواطنيها كونه من الحقوق المدنية والسياسية، فإذا تمكن الفرد في ممارسة هذا الحق، سيتمكن بالتالي من الوصول إلى كل المعلومات والبيانات والملفات المتعلقة برسم سياسات البلد وأداء الإدارات الحكومية بجميع مؤسساتها وهيئاتها ووزاراتها”.

ذكرى سرسم: أهمية المعلومة تكمن في دعمها للشفافية والتقليل من الفساد
ويعد العراق من البلدان المتأخرة جدًا في مجال الحريات الإعلامية نظرًا لما يشهده من صعوبات في العمل الصحافي والأوضاع الأمنية والسياسية التي تعيق عمل الصحافيين منذ سنوات، حيث تتمثل تلك العقبات في القوانين الموجودة في بعض الأحيان، وأحيانا أخرى في عدم تشريع قانون يتيح حرية الوصول إلى المعلومة، فضلًا عما يشهده من أعمال طالت الكثير من الصحافيين وصلت حد التصفية الجسدية.
ويقول صحافيون إن حرية الحصول على المعلومة في العراق مغيبة وبعيدة عن فهم العاملين في الشأن العام، ولا يمكن لجهات قانونية الحصول على معلومة من الجهات الرقابية، فكيف بالصحافيين!
ونتيجة لذلك ينظر الموظف إلى مسألة طلب الصحافي للمعلومة بنوع من الريبة والشك، كما أن عقلية الوظيفة العامة ما تزال تسيطر عليها فكرة الدولة البوليسية، وقد طوقت القرارات والأنظمة الداخلية المعلومات بجدران لا يمكن لأحد الوصول إليها بسبب ما يسمى بتقديم طلبات والحصول على موافقات. ورأى حيدر حمزوز رئيس شبكة المدونين العراقيين أنّ “حق الوصول إلى المعلومة يعتبر حقًا أصيلًا للإنسان وليس للصحافي فقط”.
وبين أنّ “عمل الصحافي والمدون يعتمد على البحث عن هذه المعلومة وعلى الدولة توفير كافة السبل والأدوات اللازمة عبر قوانينها لتكون شفافة في توفير كل البيانات اللازمة لعمل الصحافي من أجل إتمام عمله لتحليل هذه البيانات وفي النهاية تقويم عمل مؤسسات الدولة”.
وينتقد صحافيون يعملون بمؤسسات إعلامية تسريب المعلومة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في حين يجري منع وصولها إلى الصحافة، ما يعني أنّ هناك أطرافًا لديها مناصب مهمة تلجأ إلى استهداف الخصوم عبر نشر المعلومات على المنصات الاجتماعية من خلال تسريب وثائق مهمة وأحيانًا مكتوب عليها “سري للغاية”، إلا أنها تجد طريقها إلى التداول، فيما يتم منع تزويد الصحافي بالمعلومة وبما يحتاجه من وثائق أو عدم تعاون المعنيين معه ورفض التصريح أو التملص من الرد على حادثة معينة وغير ذلك من الأشكال.
وتلجأ بعض الحكومات إلى حجب المعلومات عن المواطن بشكل عام والصحافي والمدون بشكل خاص لإخفاء ما يهم الرأي العام ويهدد مناصب البعض من المسؤولين خصوصا ما يتعلق بفتح ملفات فساد.
وأبدى حمزوز خشيته من تشريع قانون آخر يتعارض مع حق الحصول على المعلومة، يكون تحت مظلة قانون جرائم المعلوماتية أو المسمى الجديد له (قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية)، وأكد أنه “سيعمل على تقييد حرية التعبير على الإنترنت كما أنّه من الممكن استخدامه لتصفية الخصوم قانونياً وخصوصاً الناشطين عبر الإنترنت”.

وأشار أيضًا إلى تجارب عراقية كثيرة لسوء تطبيق القوانين “أحيانًا توجد قوانين جيدة من الناحية النظرية ولكن الخطورة تكمن في سوء التطبيق في الجانب العملي من دون وجود محاسبة للمقصر”.
وتساءل “هل تملك مؤسسات الدولة والجانب القضائي الكفاءات اللازمة فنياً والمدربة بشكل عال لتحليل القضايا الرقمية المحالة لهم وبالتالي يدرك القاضي حيثيات القضية من النواحي الرقمية لاتخاذ الحكم المناسب؟”.
ويعزو البعض غياب حرية الرأي والتعبير والوصول إلى المعلومة في العراق إلى القمع الذي تمارسه السلطات الحكومية منذ سنوات بتكميم أفواه الإعلاميين ومنع تحركاتهم في تغطية الأحداث والوصول إلى دوائر الدولة عبر وضع الكثير من العراقيل والإجراءات الروتينية بشكل ساهم في تفاقم نسب الفساد بشكل كبير ليصل إلى ما هو عليه اليوم.
ويواجه الصحافيون الذين يثيرون قضايا فساد متاعب قضائية بسبب القوانين الموجودة في العراق وأبرزها قانون العقوبات العراقي لعام 1969، وأجريت عليه تعديلات في 2008 حيث فيه الكثير من العبارات الفضفاضة التي تستخدم ضد الصحافيين في بعض القضايا بحجة التشهير أو القذف أو إهانة الدولة أو المسؤولين.
وأصبح الكثير من الصحافيين ضحية لهذا القانون، وبعضهم تم اعتقالهم أو تمت محاكمتهم، كما توجد تحركات جادة منذ فترة لإقرار قانون جرائم المعلوماتية الذي يعتبر بمثابة قيد جديد لمحاربة آراء الكتاب والصحافيين بغرامات تصل إلى 10 ملايين دينار عراقي، والسجن لمن يتهم بجريمة جنائية تتعلق بالنشر، بهدف كبح الحريات ومنع التعبير عن الرأي في العمل الصحافي وما يتعلق به.
وتشهد المؤسسات الإعلامية في العراق حملات استهداف ممنهجة، بسبب انتقاد الميليشيات المسلحة، إذ تعرّض على سبيل المثال مقر قناة دجلة الفضائية في سبتمبر 2020 إلى اقتحام من قبل مجاميع بعد تحريض من جهات على صلة بـ”الميليشيات” بحسب مالكي القناة، ثم جرى تحيطم محتويات القناة وإحراق المبنى ومنع فرق الدفاع المدني من إخماد الحريق على مدى ساعات.