صبحي الطفيلي ورأس الأفعى

بعد أن أصبح مطلوبا للحكومة اللبنانية غيّر الطفيلي جلده ليتحول من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال ويتحول من إسلامي إلى قومي بين ليلة وضحاها لحماية نفسه من المساءلة القانونية.
الأربعاء 2025/01/15
أنظروا في فساد أنفسكم

تقول الحكمة “إذا فسد العالِمُ فسد العالَمْ”. فالعالِمُ مشعل يهتدي الناس به، وفساده يعني فساد جميع من يتبعونه، وإن كان عامة الناس لا يؤاخذون على كلامهم وآرائهم فالعالم مطالب بأن يوازن حديثه قبل النطق به.

خرج علينا قبل أيام رجل الدين اللبناني صبحي الطفيلي ليطالب السوريين بقطع رأس ما سمّاه برأس الأفعى الكردي، ومشيرا إلى أن قطع رأس الأفعى هذه سيؤدي إلى استقرار سوريا وإنهاء الأصوات النكرة في السويداء مشيرا بذلك إلى أصوات المكون الدرزي.

من خلال سيرة حياة الطفيلي نرى أن الرجل له طموحات شخصية كثيرة تصطدم دائما بعدم التوازن الذي يعاني منه، فقد انتخب عام 1998 كأول أمين عام لميليشيا حزب الله، ودخل في قتال شرس مع حركة أمل الشيعية أيضا في منطقة إقليم التفاح، ووقف ضد قيادة حسن نصرالله للحزب، وكان من أشد المعارضين للاتفاق الذي تم بين حزب الله وحركة أمل ومعارضا لرفيق الحريري، فتم فصله من حزب الله. ثم ما لبث أن أعلن العصيان على الدولة اللبنانية، ودخل مع مؤيديه عام 1998 في قتال مع حزب الله والجيش اللبناني في حوزة عين بورضاي والذي أسفر عن قتل عناصر من الجيش اللبناني وأصبح مطلوبا للدولة اللبنانية منذ ذلك الوقت، مما أدى إلى فراره إلى بلدة بريتال التي يخرج منها بأحاديث ولقاءات تلفزيونية منذ ذلك الوقت.

◄ كيف يمكن لرجل دين أن يدعو إلى سفك دماء مكون كامل وهو يعرف الحديث الذي يقول "إن هدم الكعبة حجرا على حجر أهون عند الله من أن يراق دم امرئ مسلم"؟

وبعد أن أصبح مطلوبا للحكومة اللبنانية غيّر الطفيلي جلده ليتحول من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال ويتحول من إسلامي إلى قومي بين ليلة وضحاها. ولحماية نفسه من المساءلة القانونية في لبنان اصطف مع بعض الحكومات العربية ضد كل توجه إيراني في المنطقة.

وبعد إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا وتغيير موازين القوى في المنطقة قفز الطفيلي إلى سفينة التغيرات الحالية وبدأ في الفترة الأخيرة يظهر كناصح أمين للثورة السورية والدول التي تقف وراءها، ولإتقان هذا الدور يجب عليه التهجم على توجهات المكون الكردي وطموحه بحياة كريمة في ظل دولة سورية ديمقراطية، ومن هنا أطلق تسمية رأس الأفعى على المكون الكردي وصفة التفاهة على المكون الدرزي.

إن هذا المطلوب للعدالة يجهل أن الفكر الإسلامي سواء الشيعي الذي كان يؤمن به سابقا أو الإسلام الجهادي السني الذي يدافع عنه حاليا يؤمن بفكرة الفيدرالية، فكل الدول الإسلامية عبر التاريخ منذ الدولة الأموية وإلى غاية الدولة العثمانية كانت دولا فيدرالية تتكون من ولايات ترتبط بعاصمة الخلافة فقط في الخراج والجيش لا أكثر، والمكون الكردي في سوريا أقصى ما يطالب به هو دولة فيدرالية لا أكثر، ولذلك فهو عندما يصف الكرد برأس الأفعى فهو يناقض نفسه والعقيدة التي يدعي أنه يؤمن بها.

كيف يمكن لرجل دين أن يدعو إلى سفك دماء مكون كامل لا لشيء إلا لأن تلك الدعوة تتماشى مع مصلحة هذه الدولة أو تلك؟ وهو يعرف قبل غيره الحديث الذي يقول “إن هدم الكعبة حجرا على حجر أهون عند الله من أن يراق دم امرئ مسلم”؟

حري برجال الدين أن يكونوا أكثر الناس حكمة ودعوة للسلام وحل المشاكل بالحوار والتفاهم ليس بين الشعوب والمكونات فقط وإنما حتى بين الدول، وهذه الدعوات المراهقة المتطرفة قد تكون مقبولة إذا أطلقها شخص من عامة الناس لكن أن يدعو لها رجل دين فهذه طامة كبرى.

9