انتخابات إقليم كردستان: نتائج مختلفة وثابت واحد

الشعب الكردستاني أثبت أن بإمكانه حماية نفسه من الوقوع ضحية قيادات مغامرة وخطاب فارغ لا ينتج عنه إلا الدمار والهلاك مثلما هو المصير الحالي لشعوب معينة في المنطقة.
الأربعاء 2024/10/23
فوز مريح يمكن من الاستمرار في عملية البناء

المعادلة التي سارت عليها الحياة السياسية في كردستان منذ 1991 وإلى يومنا هذا تؤكد أن “الشارع الكردستاني هو من يقرر مصيره”. فشعب كردستان هو من ثار ضد الحكومات العراقية المتعاقبة، ورفد ثوراته بقافلة طويلة من الشهداء والكثير من التضحيات، وهو من أشعل انتفاضة آذار/مارس دون أن تخيفه الآلة العسكرية المدمرة للنظام السابق، وهو من لبى دعوة الرئيس مسعود بارزاني إلى الذهاب إلى الاستفتاء وتقرير مصيره دون أن ترهبه تهديدات خمس دول، وهو من تحدى محاولات حكومات بغداد المتعاقبة لإخضاعه اقتصاديا. هذا هو الطرف الأول من المعادلة السياسية الكردستانية.

أما في الطرف الثاني من المعادلة، فهناك قيادة حكيمة تتحرك بحكمة ووعي وفق المتغيرات السياسية بما ينسجم مع صون حقوق هذا الشعب. لذلك، فوجود طرفي المعادلة هذه (شعب مناضل وقيادة حكيمة) والتناغم الكبير بينهما كان نتيجته الاستقرار الذي يتمتع به إقليم كردستان في مختلف المجالات رغم وجوده في شرق أوسط ملتهب. وقد تكون النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان خير دليل على نضج هذه المعادلة السياسية بطرفيها.

◄ تغيرت الخارطة السياسية في كردستان وبقي الثابت الوحيد فيها هو الديمقراطي الكردستاني صاحب الإنجازات الكبيرة في النضال المسلح

فرغم محاولات أطراف ميليشياوية وكردية تحريف الانتخابات الأخيرة وجر الإقليم إلى متاهات مستقبلية وربطه بمعسكر إقليمي معين، إلا أن شعب كردستان كان واعيا لهذه المحاولات ولم تنفع معه البهلوانيات التي كان يقوم بها البعض والخطاب الثوري الذي عفا عليه الزمن. فهو يدرك أن الحفاظ على المعادلة الكردستانية سبيله الوحيد لتحقيق أهدافه، لا أن يتم جره لمستقبل مجهول يضعه في معسكر ظلامي آيل إلى السقوط. لذلك، صوت للديمقراطي الكردستاني ليفوز بأغلبية مريحة تمكنه من الاستمرار في عملية البناء والإعمار لإقليم كردستان.

لقد أثبت الشعب الكردستاني أن بإمكانه حماية نفسه من أن يقع ضحية قيادات مغامرة وخطاب فارغ لا ينتج عنه إلا الدمار والهلاك مثلما هو المصير الحالي لشعوب معينة في المنطقة، وهو ما كانت أطراف كردية وميليشياوية تهدف إليه. فتعامل مع هذه الانتخابات كأهم انتخابات يجريها بعد انتخابات عام 1992 وأدلى بصوته للطرف الذي يحميه من متغيرات المنطقة ويحمي مكتسباته، فأنقذ الإقليم من الوقوع في فخ صراع ناشب في المنطقة دفعت فيه شعوب ودول ثمنا كبيرا في الأرواح والأموال.

هناك نقطة أخرى مهمة أفرزتها الانتخابات الأخيرة وهي انخفاض شعبية الأطراف الإسلامية مقارنة بأصواتها في الانتخابات السابقة، وهو ما يشير إلى أن الشارع الكردستاني يتابع بدقة الأحداث التي تمر بها المنطقة وكيف فشل الإسلاميون ممن استلموا السلطة في دول ومناطق معينة في تقديم أي شيء لجمهورهم. لذلك، شهدت انتخابات هذه الدورة انخفاضا في عدد الأصوات التي حصلت عليها الأحزاب الإسلامية في كردستان.

هذا الوعي لم يقتصر على الشارع المؤيد للحزب الديمقراطي الكردستاني، بل حتى في الشارع المعارض له مهما كان حجمه صغيرا، فقد بدأ يفرز وعيا سياسيا مختلفا عما سبق. ورغم أنه لم يصوت للديمقراطي الكردستاني، إلا أنه ابتعد عن الأطراف التي كان يصوت لها في الانتخابات السابقة. لذلك، تغيرت الخارطة السياسية في كردستان وبقي الثابت الوحيد فيها هو الديمقراطي الكردستاني صاحب الإنجازات الكبيرة في النضال المسلح قبل الانتفاضة والنضال السياسي بعدها والجمهور المؤيد له.

9