شيوع سجن الصحافيين يكرّس تدهور الحريات الإعلامية في الجزائر

التدهور يأتي من وراء التعديلات التي تم إدخالها على قانون العقوبات تحت ذريعة محاربة الأخبار الكاذبة والتشويش على الاستقرار والسلم الاجتماعيين.
الجمعة 2022/05/06
حرية الصحافة مطلب شعبي

الجزائر - لم يشفع تقدم الجزائر في سلم تصنيف مراسلون بلا حدود، بإزاحة القلق على الحريات الصحافية ووقف سجن الصحافيين في البلاد حيث تشهد الوضعية تدهورا غير مسبوق بإجماع مختلف الفاعلين والتقارير المحلية والدولية.

ويأتي التدهور خاصة بعد التعديلات التي تم إدخالها في السنوات الأخيرة على قانون العقوبات تحت ذريعة محاربة الأخبار الكاذبة والتشويش على الاستقرار والسلم الاجتماعيين.

وسجلت الجزائر تقدما باثنتي عشرة نقطة في سلم الحريات الصحافية الذي كشفت عنه منظمة مراسلون بلا حدود، بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، حيث حلت في المرتبة الـ134 بعدما كانت السنة الماضية في المرتبة 146، لكن ذلك لا يعكس واقع الحريات الإعلامية الذي أخذ مناحي مقلقة في الآونة الأخيرة، خاصة مع شيوع سجن الصحافيين.

ولا يزال خطاب السلطة في الجزائر يبحث دوما عن جعل الإعلام المحلي متناغما مع توجهاتها وتحويله إلى أذرع داعمة له، حيث دعا وزير الاتصال محمد بوسليماني، في تصريح له بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، إلى "ضرورة دفاع الإعلام عن المواقف الثابتة والوازنة للدولة"، بينما يتم التضييق إلى درجة خنق المنابر التي تتبنى خطا مناوئا للسلطة.

الجزائر تقدمت باثنتي عشرة نقطة في سلم الحريات الصحافية لكن ذلك لا يعكس الواقع الذي أخذ مناحي مقلقة

وكانت صحيفة "ليبرتي" الناطقة بالفرنسية، آخر المنابر التي اضطرت إلى الاختفاء نهائيا بعد ثلاثة عقود من الصدور، في ظروف اكتنفها الكثير من الغموض، فلا المالك رجل المال والأعمال يسعد ربراب، الذي يعد بين أثرى الأثرياء في العالم العربي والقارة السمراء، حافظ على العنوان ولا السلطة تدخلت لإنقاذه كمكسب ديمقراطي يتوجب استمراره.

ولم يقدم تقرير منظمة مراسلون بلا حدود مقومات تقدم الجزائر بـ12 مرتبة في سلم التصنيف، بل بالعكس اعتبر أن "الحريات الصحافية تدهورت بشكل مقلق في الجزائر وبات سجن الصحافيين أمرا شائعا".

وأضاف "باتت وسائل الإعلام المستقلة، تتعرض للضغوط باستمرار ويسجن الصحافيون أو يحاكَمون بانتظام، ناهيك عن إجراءات الحجب التي تطال العديد من المواقع الإلكترونية".

ولا زالت سوق الإعلان الذي تحتكره الدولة، ورقة السلطة في السيطرة على الإعلام المحلي، حيث يستعمل في توجيه الخطوط التحريرية لمختلف وسائل الإعلام الورقية والإلكترونية، وتحويله إلى ذراع داعمة لخطابها السياسي، الأمر الذي أفضى إلى هيمنة مشهد إعلامي مغلق على المعارضة أو الخطاب المنتقد للسلطة في خياراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ويتواجد العديد من الصحافيين المهتمين بالشأن السياسي والحقوقي رهن الحبس، بينما قضى آخرون عقوبات حبس، على غرار خالد درارني وعبدالكريم زغيليش، بسبب اهتمامهم بنقل وتغطية الاحتجاجات الشعبية المناهضة للسلطة، بينما جرى تكييف التهم الموجهة لهم باستغلال الوظيفة الصحافية بإشاعة الأخبار الكاذبة وتهديد السلم والاستقرار الاجتماعي.

درزاني بعد إنهاء عقوبة الحبس
درزاني بعد إنهاء عقوبة الحبس 

ولفت التقرير إلى أن “حرية الصحافة في الجزائر تواجه العديد من الخطوط الحمراء، فمجرد الإشارة إلى الفساد أو قمع المظاهرات من شأنه أن يكلف الصحافيين التهديدات والاعتقالات”.

وذكر بأنه “واقع حرية الصحافة لم يسبق له أن شهد مثل هذا التدهور، حيث باتت وسائل الإعلام المستقلة تتعرض للضغوط باستمرار ويسجن الصحافيون أو يحاكمون بانتظام، ناهيك عن إجراءات الحجب التي تطال العديد من المواقع الإلكترونية”.

وكان فريق من “راديو أم” المستقل، قد تعرض مؤخرا إلى التوقيف والتحقيق من طرف مصالح الأمن، في محافظة تيبازة (غربي العاصمة)، بعدما كان في مهمة لإجراء تحقيق صحافي حول الأوضاع الاجتماعية في ضاحية حجوط، مسقط رأس سجين الرأي الراحل حكيم دبازي، الذي قضى في سجن القليعة بالعاصمة، وهو في حالة توقيف مؤقت إثر توجيه اتهام له ببث منشورات على فيسبوك. 

العديد من الصحافيين يتواجدون رهن الحبس بينما قضى آخرون عقوبات حبس مثل خالد درارني وعبدالكريم زغيليش

وأبرز تقرير مراسلون بلا حدود، الإطار التشريعي للإعلام الجزائري، حيث أوضح أنه يميل إلى “تقييد العمل الصحافي أكثر فأكثر، فإذا كانت المادة 54 من الدستور تكفل حرية الصحافة، فإنها تفرض أيضا على وسائل الإعلام احترام ثوابت الأمة وقيمها الدينية والأخلاقية والثقافية، مما يهدد حرية الصحافيين بشكل صريح”.

وينص قانون العقوبات، الذي تم تعديله في عام 2020، على “عقوبة السجن لمدة تتراوح بين سنة واحدة وثلاث سنوات في حق كل من ينشر أو يروج عمدا بأي وسيلة أخبارا أو معلومات كاذبة ومغرضة من شأنها المساس بالأمن والنظام العام”.

وقال التقرير بشأنه، بأن البند بات يوظف بانتظام لملاحقة الصحافيين والحكم عليهم، مما يؤدي إلى سياق تنتشر فيه الرقابة والرقابة الذاتية على نطاق واسع.

وأشار التقرير إلى “تزايد التهديدات وأساليب الترهيب في حق الصحافيين باستمرار، الناجمة عن غياب آلية توفر لهم الحماية اللازمة، خاصة الصحافيين الذين ينتقدون السلطات، حيث يواجهون خطر الاحتجاز التعسفي أو التجسس أو التنصت على مكالماتهم الهاتفية”.

وتعكف الحكومة على إعداد قانون جديد للإعلام ينتظر إحالته على البرلمان في المدى القريب، ويتعلق بالإعلام الورقي والإلكتروني، والقطاع السمعي البصري، بحسب التوجيهات التي أسداها الرئيس عبدالمجيد تبون، للحكومة في آخر اجتماع لمجلس الوزراء.

ولا يزال الإعلام التلفزي في الجزائر، يعيش حالة استثنائية، فمنذ إطلاق المجال أمام الخواص للاستثمار في القطاع العام 2011 تحت تأثير موجة الربيع العربي، لم يتم إطلاق نصوص تنظيمية تسمح للفضائيات المحلية بتسوية وضعيتها المهنية والاجتماعية، حيث لا زالت إلى غاية الآن تعتبر وسائل إعلام أجنبية كون توطينها تم في مدن وعواصم عربية وأوروبية.

4