"شوف لي حل".. التكرار المريح

القناة التونسية الثانية تبث إشهارا تقول فيه إنها ستعيد مسلسل “شوف لي حل” (ابحث لي عن حل) من حلقته الأولى، في رسالة إلى جمهور هذا المسلسل الأكثر جماهيرية تدعوه إلى البدء من الصفر ومشاهدة كل الحلقات بشكل منتظم.
مسلسل كوميدي قديم تم إنتاجه قبل الثورة، لكن تتم إعادته بشكل دائم في فترة الذروة، وفي موعد مسائي يومي يتزامن مع جلوس العائلة التونسية على مائدة العشاء. حتى أن الناس صارت تحدد مواعيدها وحكاياتها بما قبل “شوف لي حل” وما بعده، من مثل “هاتفني قبل شوف لي حل”، أو أنا أشاهد “شوف لي حل” ثم أنام..
ميزة هذا المسلسل أنه قريب من الناس، بشخصياته وحكاياته، ويمكن أن تشاهده العائلة مجتمعة صغارا وكبارا من دون أي حرج من لقطة عابرة لممثل وممثلة، أو كلام غير محسوب من هذا البطل أو ذاك مثلما هو الأمر مع مسلسلات السنوات الأخيرة، التي يتم إنتاجها بروح أفلام السينما، وتقوم على المفاجأة والصدمة.
هناك أطفال صغار لم يدركوا بث المسلسل في فترة ما قبل الثورة (2005 – 2009)، لكن بفضل إعاداته المتكررة في رجب وشعبان ورمضان وبقية الأشهر العربية والأعجمية، صباح مساء، صاروا متأثرين بشخصياته وخطابه، وفيهم من يدون عبارات تصدر عن هذه الشخصية أو تلك في امتحان التعبير الكتابي، وصار أسلوب كتابة في الرسائل الشخصية، وتدوينات فيسبوك.
وهناك إعجاب كبير بشخصية السبوعي، التي أداها الممثل الراحل سفيان الشعري، وهي شخصية تجمع بين البلاهة والتلقائية، وتتسم بالشراهة، لكنها محبوبة لدى الناس بسبب روح الدعابة التي يطلقها الممثل مع كل مشهد بالاشتراك مع ممثلين آخرين بارزين بينهم المسرحي الكبير كمال التواتي، والممثلة الأكثر حضورا في المسلسلات التونسية منى نورالدين.
وفي ظل برامج تعليمية تقوم على تكديس المواد وإثقال كاهل التلميذ بالحفظ، ما يجعل التعليم غير مؤثر بشكل واضح في صناعة الأجيال الجديدة، بدا واضحا أن المسلسلات، ومن بينها “شوف لي حل” قد وجدت طريقها إلى قلوب التلاميذ وعقولهم، وطبعت طريقة تفكيرهم، حيث تسمع في الكثير من الأحيان تلاميذ صغارا أمام مدارسهم يتحدثون عن شخصيات المسلسل ويتقمصون أدوارها مثل سليمان، والسبوعي، والباجي ماتريكس، والعرافة “جنات” وفوشيكا.
التلفزيون الحكومي وجد في المسلسل فرصة كبيرة لملء الفراغ بعد أن قلت الإنتاجات التلفزيونية بعد الثورة بسبب تهميش الثقافة لحساب مسائل أخرى. والمفارقة أن المسلسل بات يحصل على أعلى نسبة مشاهدة متقدما على برامج تنشيطية جديدة في التلفزيونات الخاصة، وصار قبلة للمعلنين.
وهنا يمكن أن نفهم قيمة المثل المعروف “في الإعادة إفادة”.