"شقة 6" حلقة أخرى من الرعب المصري المستنسخ من الأفلام العالمية

لا يملّ مخرجو المسلسلات المصرية من السير وفق النموذج الغربي في تقديم أعمال الرعب، دون الاستفادة من أخطاء السابقين في السينما والدراما، التي لم تجد صدى جيدا لدى الجمهور إلاّ استثناءات محدودة استطاعت خلق حبكة تتماشى مع السياقات المحلية للمشاهد المصري وبيئته العامة.
القاهرة - يعتبر مسلسل “شقة 6” بطولة الفنانة روبي وأحمد حاتم وصلاح عبدالله وملك قورة، والذي يتمّ عرضه حاليا على إحدى منصات البث الرقمي، نموذجا لتلك النوعية من الدراما المحملة بأفكار بعيدة تماما عن اهتمام المشاهد العربي عن “العين الثالثة” و”الإسقاط النجمي” و”الغدة الصنوبرية” والتي تحمل قدرا من التنافر المجتمعي والديني أيضا.
ويجد الجيل الحالي من كتاب الدراما في الرعب مادة سهلة للكتابة تعتمد في المقام الأول على قدرات الإخراج، فالبحث السريع عن الأشياء الغريبة والخارقة للعادة على شبكة الإنترنت مع متابعة متعمقة للأعمال الفنية الأميركية يمكن تطعيمها بمجموعة من الشخصيات المحلية والأحداث المتكرّرة كمجرد خلفية للقصة وليس محركا أساسيا لها.
أفكار غريبة
منذ نجاح الجزء الثاني من “الفيل الأزرق” في الجمع بين أعمال الرعب والتشويق يحاول بعض المنتجين في مصر تكرار التجربة ذاتها فأفرطوا في إنتاج نوعيات من تلك الأعمال السينمائية والدرامية على حد سواء، الكثير منها لم يصادفه النجاح لأنه خالف معايير تقديم أعمال فنية تندرج في إطار الرعب.
ويجنح مسلسل “شقة 6” الذي تقف وراءه ورشة من أربعة مؤلفين هم مصطفى يوري، وسعاد القاضي، ونبيل شعيب، ورفيق القاضي، إلى المباشرة في تقديم الرعب بسبب أفكاره البعيدة عن الجمهور المحلي، فيقدّم العين الثالثة أو “الداخلية” في صورة محاضرة فلسفية لمفهوم باطني عن النظرة التأملية التي توفّر إدراكا يتجاوز البصر عبر بوابات الأحلام أو حالة التنوير التي يتمتع بها عدد محدود من البشر لديهم قدرات خاصة.

ويرتكن المسلسل إلى أفكار قديمة حول إمكانية تعزيز قدرات التأمل بضبط إيقاع الإنسان مع التردّد الصحيح للكون عبر سلسلة من التدريبات المتعلقة باليوغا، ففي وجهة نظره أن العين الثالثة كانت في مؤخرة رأس الإنسان البدائي واختفت مع الزمن لتتحوّل إلى غدة صغيرة في حجم حبة بقول لا تنشط إلاّ في حالات بعينها كالولادة والوفاة، وتسمى “الصنوبرية”.
ويدور المسلسل حول الصحافية “إنجي” (الفنانة روبي) التي تنتقل للإقامة في شقة جديدة بعد وفاة والدتها، وتبدأ في ملاحظة أشياء غريبة داخل الشقة بداية من غرفة مظلمة يصدر بابها صوتا وهزات متكرّرة للتيار الكهربائي مع سلوك مريب لجميع الجيران واختفاء اثنين من قاطني العقار السابقين في ظروف غامضة.
وتعتبر حبكة المنزل الجديد من أكثر الحبكات انتشارا في أعمال الرعب الغربية بداية من الستينات وتعتمد على أحداث متكرّرة حول أرواح عالقة في المنازل ترفض المغادرة إلاّ بعد معاقبة القاتلين، ويبدو مسلسل “شقة 6” متأثرا بقوة بعملي “الآخرون” لنيكول كيدمان و”الحاسة السادسة” لبروس ويلز في مطالبة البطلة بالتواصل مع الأرواح لمعرفة ماذا تريد؟
وتأتي إشكالية الاقتباس في العمل من عدم مراعاته طبيعة البطلة، فرغم تقديمها كفتاة شديدة الخوف من الغرباء بما لا يتماشى مع مهنتها كصحافية تواصل الإقامة منفردة في الوحدة السكنية.
وتعمل في غرفة مظلمة إلاّ من مصباح خافت على مكتبها، وتكتفي بالاختفاء كالأطفال تحت ملاءة سريرها كلما صادفت شبحها المنزلي يتجوّل في الأركان دون وجود سبب يجعلها تبقى في المكان، على عكس الحبكات الغربية التي دائما ما تربط أعمال المنازل المسكونة بالأشباح بعائلات كاملة ترتبط بالمكان الجديد لظروف العمل والدراسة.
ويتواصل الاقتباس في ما يتعلق بالبحث عن الأطياف بواسطة أجهزة قياس الطاقة ومحاولة معالجتها بالكمبيوتر واستحداث مؤسسة كاملة تديرها سيدة تحت اسم “سيجا للطاقة” هدفها تنظيم برامج تدريبية للراغبين في تنمية قدراتهم على الاستشفاف، وبمبالغ تعادل في الساعة الواحدة راتب صحافي من جريدته لمدة شهر كامل.
أحداث ممسوخة
تظهر إشكاليات المسلسل في تهجين أحداثه بين الرعب والإثارة والجريمة والجوانب النفسية في تجميع يحتاج إلى قدرات كبيرة على الكتابة وضبط الأحداث حتى لا تجور أي منها على الأخرى مع إكساب أشباحه لقدر كبير من الطيبة وعدم الإيذاء، ما يفقد الصراع التشويق والقلق المطلوبين لإثارة الجمهور.
ولم يخل المسلسل من تنميط شخصية الطبيب الشرعي “يوسف” (الفنان أحمد حاتم) وهو زوج فقد زوجته بسبب قطعه تجربة تؤدّيها عن الإسقاط النجمي، ما جعله يعيش حالة نفسية من الإنكار وإهمال الذات والعيش فقط من أجل ابنته الوحيدة، وهي شخصية قريبة ممّا قدّمه قبل أسابيع في مسلسل “ليه لأ” عن مطلق تولى مسؤولية ابنته بعد إهمال والدتها لها.
ويقدّم المسلسل الإسقاط النجمي كأحد أشكال خروج الروح من الجسد على هيئة شبيهة بنجمة داوود تنفصل عن الجسم الطبيعي، ولديها القدرة على السفر عبر الجسم الأثيري لأي مكان يريده ثم العودة، لكن تسبّب قطع الزوج للتجربة في فشل تلك العودة ووفاة زوجته.
ونجح العمل في إثارة قدر من الريبة إزاء أبطاله من قاطني العقار، فالجار الأول رجل عجوز يعرف الكثير عن الأحداث المريبة ولا يفصح عن أي شيء، والثانية مجنونة مصابة بداء الغيرة والريبة فتقتل جارها لشكّها في وقوفه وراء هروب زوجها من المنزل، والثالثة فتاة جامعية ذات تصرفات غير مبرّرة وتحاول الالتصاق بالبطلة بشتى الطرق.
المسلسل يفشل في جذب الجمهور المصري بتركيزه على الطريقة الغربية في المحتوى الخاص بعوالم الأشباح
وتحوّل المسلسل المكوّن من خمس عشرة حلقة بمجرد انتصاف حلقاته إلى البحث عن قاتل ممدوح أحد قاطني العقار الذي اختفى في ظروف غامضة، لكنه لم يقدّم مبرّرات لبقاء البطلة في شقة شهدت جريمة قتل لشخص وتقطيعه لأجزاء صغيرة وإلقاء قطع من لحمه للقطط، وتبرير ذلك بغريزة الفضول البشري التي كانت سببا في خروج آدم وحواء من الجنة.
حاول “شقة 6” الولوج لفكرة شيوخ الدجل عبر تقديم أحد المتخصّصين في جلب الحبيب، حيث يبتزّ ضحاياه من السيدات ماليا بطلبات غريبة ولديه من الشعبية التي تجعل دخوله للمقابر مظاهرة حاشدة يحاول الجميع نيل بركاته المدفوعة الأجر واستشارته في أمورهم، ليصبح الصراع بين الكلاسيكيين المعتقدين بالجن والمحدثين المهتمين بتخزين المنازل الطاقة ممّن يقطنونها.
وركّز المسلسل على الفرق بين الشبح والجن والطيف كقرناء سابقين للبشر يهيمون على وجوههم دون هدف واضح في نفس مكان فقدان الشخص أو الأماكن التي تواجدوا فيها بكثرة، فيعيدون تمثيل مشهد موت الشخص بصورة مستمرة لحين طرد أرواحهم، معتبرين الأطياف أرقّ تلك القوى الغيبية وأقلها شراسة على عكس الجن والأشباح.
عانى المسلسل كثيرا من انفصال الشق الدرامي عن مشاهد الرعب التي يتضمنها، ربما بسبب وجود العدد الكبير من الكتاب الواقفين وراء السيناريو مع مطّ طويل في محاولة تقديم الشخصيات وتقليص مساحات التوتّر، ما جعل الرعب غير فعال وأحيانا مثيرا للسخرية كرعب البطلة من القطط رغم عيشها في شقة مع روح قتيل هائمة.
كما افتقر “شقة 6” مثل العديد من أعمال الرعب العربية لإجادة استخدام تقنيات القطع التي جاءت بصورة تجعل المشاهد متوقعا للمشاهد التي تتضمن الإفزاع، كذلك عدم شعور المؤثرات على البطلة والتي تقتل الرعب، كفكرة حديث أصدقاء البطلة عن محاولة الأطياف التواصل معها، فتردّ عليهم "دا أكيد" (هذا مؤكّد) دون توتّر أو خوف ما يبدّد قلق المشاهد.