شعبولا، الغائب عن الحوار الوطني في مصر

كلمة رنانة تلك التي ألقاها وزير الخارجية المصري الأسبق وأمين عام الجامعة العربية الأسبق عمرو موسى في ملتقى الحوار الوطني المصري. تم انتقاء البعض من فقراتها، خصوصا تلك التي في بداية الكلمة، وإعادة نشرها على نطاق واسع على الشبكات الاجتماعية. الكلمة كما يعرف المهتمون، تم بثها على التلفزيون المصري بثا حيا، وأثارت الكثير من الاهتمام. في تلك المقاطع الأولية، كان حديث عمرو موسى أشبه بإدانة لنظام الرئيس عبدالفتاح السيسي. للدقة، وجه عمرو موسى أسئلة رنانة، وجدت صدى كبيرا لدى المصريين الذين لا يعرفون بالضبط إلى أين تذهب بلادهم في خضم أزمة اقتصادية ضاغطة، تتراجع معها مفردات الحلول بشكل متسارع.
دون الدخول بالكثير من التفاصيل التي يمكن الرجوع إليها من الكلمة كنص أو فيديو على الشبكات الاجتماعية، طرحت الكلمة أسئلة عن الوضع الاقتصادي في مصر، وهو أكثر ما يهم الناس هذه الأيام. وتحدث عن سؤال فقه الأولويات في اختيارات المشاريع وعن هروب الاستثمارات، وعن الديون والتضخم والأسعار. ثم أطلق تساؤلا أو اثنين عن دور البرلمان والسياسات الأمنية والمعتقلين، وعرج على إشارة لا بد منها عن الانفجار السكاني.
ثمة أكثر من مشكلة في كلمة عمرو موسى.
◙ لا نعرف لماذا لم يستعن الأمين العام السابق للجامعة العربية بقدرات شعبولا على الترويج الذي قدم قبل أكثر من عشرين عاما أغنية “بحب عمرو موسى وباكره إسرائيل” فارتفعت أسهم عمرو موسى واشتهر شعبولا
الكلمة ألقيت قبل أيام، أي ونحن في عام 2023. كل التساؤلات التي طرحها السيد عمرو موسى، هي نفسها لو كانت قد طرحت عام 2013، أو 2003، أو 1993، وصولا إلى عام 1983. لربما يصح القول إنها نفس الأسئلة والتساؤلات التي كان من المفترض أن ترد عليها ثورة التصحيح التي أطلقها الرئيس الراحل أنور السادات مطلع السبعينات، ومعها سياسة الانفتاح الاقتصادي الشهيرة. العقود تمر على مصر، ولا يمكن إلا أن نطرح نفس الأسئلة، مرة بعد أخرى. هذه أسئلة مزمنة في حياة المصريين. أسئلة أو تساؤلات مصيرية، لا تغادر أبدا.
المشكلة الثانية في الكلمة أنها أسئلة وتساؤلات. تحدث مع أي مصري عادي، وسيطرح هذه الأسئلة عليك وعلى نفسه. هذه أسئلة البديهيات، إذا جاز التعبير. الأجدر بشخصية مثل عمرو موسى، قضت كما وصف نفسه، عقودا في العمل الوطني والحكومي، أن تتحدث عن الحلول. القادة في كل الدول يحبون من يقدم لهم الأسئلة ومعها الحلول. أما من يعتلون المنابر كي يتساءلوا في الدارج والمعروف، فهؤلاء، في أحسن الأحوال، سياسيون مستعرضون وليسوا رجال دولة بالمعنى الحقيقي.
هذا ليس هجوما على السيد عمرو موسى. هو شخصية معروفة ولها حضورها المصري والإقليمي. لكن لا يمكن إلا أن تلمس التصنع في كلمته والمسرحية التي كانت ملازمة لحياته السياسية. له تاريخ طويل من العمل الدبلوماسي، ولكن بلا أثر محسوس أو فعل يذكر.
مجد عمرو موسى جاء مع مواقفه التي استهدفت إسرائيل. كانت مصر مبارك في ذلك الوقت في مزاج سيء في العلاقة مع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. أعطى الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك إشارة الانتقادات للمواقف الإسرائيلية، فأمعن عمرو موسى في توجيهها. زادت شعبيته على هذا الأساس، وقيل إن ما لم يتحسب له مبارك هو زيادة شعبية وزيره، وإن هذا كان السبب في إقالته. لكن هل هذا دقيق؟ وزير قضى عشرة أعوام في المنصب، هل إذا استبدل يعد وكأنه أقصي من منصبه؟ ثم اكتشفنا أنه ما خرج من وزارة الخارجية المصرية، إلا لكي يدخل الجامعة العربية كأمين عام لها. لا يمكن مجرد تخيل أن يكون عمرو موسى هو اختيار مصر للمنصب من دون رضا الرئيس الراحل مبارك.
اقرأ أيضا:
ثم أين المهم في استهداف إسرائيل؟ الانتقادات التي وجهها عمرو موسى لإسرائيل من النوع المجاني والتي لا تقدم أو تؤخر في السياسة الإسرائيلية. هي انتقادات يرددها الجميع، بل صارت كليشيهات توضع آخر كل بيان لاتحاد نقابي عربي أو حزب سياسي أو خاتمة لخطاب رئيس أو زعيم يجد صعوبة في الحديث عن بلاده وقضاياها، فيذيل كلمته بالحديث عن حق الشعب الفلسطيني وإدانة السياسات الإسرائيلية. شيء من الاستعراض الذي نلمس تكرارا له اليوم مثلا في التصعيد الأردني مع إسرائيل، لا نعرف ما قيمته على أرض الواقع.
سيصعب علينا استرجاع الإنجازات الدبلوماسية المصرية في فترة وزارة عمرو موسى. ولكن سيصعب علينا أكثر استرجاع الإنجازات التي تحققت على يده كأمين عام للجامعة العربية. في محاضرة استمعت إليها في قاعة الإمبريال كوليدج في لندن مطلع الألفية، تجسدت استعراضية الكلام للسيد عمرو موسى عندما قال إن الجامعة العربية، مدركة لتراجع سمعة البلاد العربية في الغرب، قررت تخصيص مليون دولار للقيام بحملات ترويجية وتلميع الصورة. واحدة من اثنتين: إما السيد عمرو موسى لا يعرف أن مبلغ مليون دولار لا يكفي لتسويق سيارة جديدة في بلد واحد، أو هو يعلم أن مبلغا كهذا مضحك في عالم العلاقات العامة، ولكن يحب أن يقول انظروا ماذا سأفعل. لا نعرف هل تم تنفيذ مشروع التسويق أم لا؟
◙ السيد عمرو موسى. هو شخصية معروفة ولها حضورها المصري والإقليمي. لكن لا يمكن إلا أن تلمس التصنع في كلمته والمسرحية التي كانت ملازمة لحياته السياسية
وجه بعض الكتاب والمغردين الانتقادات للسيد عمرو موسى بأن ما ينتقده في تساؤلاته في ندوة الحوار الوطني هو ما كان عليه علاجه وهو وزير مهم في دولة حسني مبارك. لكنهم يغفلون شيئا مهما وهم في عجالتهم لمناقشة الانتقادات. أن عمرو موسى هو مثال كلاسيكي للسياسي المطيع وغير المتمرد. هو سياسي الاسترضاء. ولا نحتاج إلى العودة بعيدا في تاريخ علاقته بالرئيس الراحل حسني مبارك، بل فلنقرأ الجزء الثاني من كلمته في افتتاح الحوار الوطني قبل أيام. أمن عمرو موسى نفسه بكيل المديح لإنجازات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على مختلف الأصعدة. أكمل كلمته بنفس البلاغة المصطنعة ليعدد مآثر من يفترض أنه على المنبر لينتقد سياساته التي أوصلت (ربما أبقت هي المفردة الأصح) مصر إلى حالها الراهن.
ماهية الحلول التي تحتاجها مصر للخروج من أزمتها هي آخر ما يهم عمرو موسى. ما كان ينقص المشهدية المصطنعة لحضوره الحوار الوطني هما شيئان: الحوار الوطني لا يمكن أن يتطرق إلى العلاقة مع إسرائيل لكي يعود إلى انتقاداته لإسرائيل، والرحيل المأسوف عليه لأهم مروج للسيد عمرو موسى، المطرب الشعبي شعبان عبدالرحيم.
شعبان عبدالرحيم، أو “شعبولا” كما يحب المصريون تسميته، كان مطربا مغمورا فقدم قبل أكثر من عشرين عاما أغنية “بحب عمرو موسى وباكره إسرائيل”، فارتفعت أسهم عمرو موسى واشتهر شعبولا. لا نعرف لماذا لم يستعن الأمين العام السابق للجامعة العربية بقدرات شعبولا على الترويج، ولم يقم من خلاله بالترويج للدول العربية ووفر على الجامعة مليون دولار.