شظايا قيصر تمتد للأردن

عمان - تواجه العلاقات الأردنية ـ السورية مع دخول قانون قيصر الأميركي فجوة جديدة رغم خطوات كثيرة لتحسين مستواها، لاسيما وأن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني شدد قبل أزيد من شهر في مقال له في “واشنطن بوست” الأميركية على ضرورة ترك دول المنطقة لخلافاتها جانبا وتوحيد الصفوف.
ويتضمن القانون الذي وقع عليه الرئيس دونالد ترامب في ديسمبر الماضي ودخل حيز التنفيذ الأربعاء، سلسلة عقوبات اقتصادية ضد نظام بشار الأسد في سوريا وحلفائه والشركات والأفراد المرتبطين به، ويستهدف معاقبة الأسد وحرمانه من مصادر التمويل، للضغط عليه للعودة إلى مفاوضات تقودها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب الدائرة بسوريا، الجارة الشمالية للأردن.
ومن المرجح أن تطال شرارة هذه العقوبات الأردن، الذي كان يرتبط بعلاقات تجارية كبيرة مع سوريا قبل الحرب، ثم عادت بشكل “محدود” بعد إعادة فتح المعبر الحدودي بين البلدين (“جابر” على الجانب الأردني.. “نصيب” على الجانب السوري) في أكتوبر 2018.
وأقر الكونغرس الأميركي بمجلسيه الشيوخ والنواب، في 11 ديسمبر 2019، قانون “قيصر”، لمعاقبة النظام السوري ورئيسه على جرائم حرب ارتكبها بحق المدنيين. وحذرت واشنطن عبر ملحقها التجاري بعمان في مارس الماضي الأردن من التعامل تجاريا مع سوريا، وتحمل تبعات ذلك، وبينها تطبيق قانون قيصر.
واستهجن أعضاء في مجلس النواب الأردني (الغرفة الأولى للبرلمان) حينها، عبر مذكرة وقعوا عليها، حديث الملحق التجاري الأميركي، معتبرين إياه تدخلا سافرا وتعدّيا على السيادة الأردنية.
ويرتبط الأردن مع سوريا بحدود طولها 375 كلم، ما جعل المملكة من بين الدول الأكثر تأثرا بالحرب السورية أمنيا واقتصاديا، فضلا عن اضطرار المملكة لاستقبال نحو 1.3 مليون سوري، نصفهم يحملون صفة “لاجئ”.
وأعلنت عمان أواخر يناير 2019 رفع مستوى تمثيلها الدبلوماسي في دمشق إلى درجة قائم بالأعمال بالإنابة، بعد أن كان يقتصر على موظفين إداريين فقط.
واختار الأردن منذ بداية الأزمة في سوريا عام 2011 الحياد في مواقفه “المعلنة” إزاء ما يجري، مطالبا في المحافل الدولية بحل سياسي يضمن أمن واستقرار جارته. إلا أن النظام السوري لطالما شكك في حيادية الأردن خاصة وأن الأخير احتضن غرفة موك التي تضم فصائل المعارضة السورية المسلحة لاسيما في الجنوب.
ويتزامن دخول قانون قيصر حيز التنفيذ مع تلويح الولايات المتحدة بقطع المساعدات التي تقدر بمئات المليارات من الدولارات عن المملكة في حال رفضت الأخيرة تسليم المعتقلة السابقة في السجون الإسرائيلية أحلام التميمي على خلفية اتهامها بتفجير في القدس في العام 2001 أدى إلى مقتل 15 شخصا حينها بينهم أميركيون.
ويرى المحلل الاقتصادي مازن مرجي أن “الولايات المحدة دائما ما تهدد الأردن بأمور كثيرة، لكن يجب الأخذ بالحسبان أن العلاقات الأردنية ـ السورية لم تعد إلى سابق عهدها قبل الحرب، رغم إعادة فتح الحدود”.
وأردف “التجارة (بين البلدين) حاليا لم تعد حتى إلى 30 في المئة مما كانت عليه سابقا”. واستطرد “حين يتم فرض عقوبات لا يتم التشديد فيها على الأردن، لأنه يتحمل تبعات من الأزمة السورية، بوجود أعداد كبيرة من اللاجئين (في المملكة)”.
ويعاني الأردن أساسا ظروفا اقتصادية صعبة، فاقمتها تداعيات جائحة كورونا، التي دفعته إلى اتخاذ إجراءات احترازية، أبرزها إغلاق الحدود، ما أثر سلبا على النشاط الاقتصادي في المملكة.
واعتبر مرجي أن “قانون قيصر يهدف إلى قطع أي دعم استراتيجي عن النظام السوري، وهو لا يأتي من الأردن، والعقوبات على المملكة لن تؤثر على سوريا، فحجم التجارة بسيط جدا، وعمان ملتزمة أساسا بسياسة الولايات المتحدة تجاه دمشق”.
ويعتقد مرجي أن “العقوبات التي هددت بها واشنطن مؤخرا، هي وسيلة ضغط على الأردن لتحقيق مآرب أخرى”.
وبحسب بيانات دائرة الإحصاءات العامة الأردنية (حكومية)، في مارس، انخفضت قيمة واردات الأردن من سوريا، في عام 2019، إلى 30.7 مليون دينار (43 مليون دولار)، مقارنة بـ49.9 مليون دينار (70 مليون دولار)، في العام 2018. فيما زادت قيمة الصادرات نحو سوريا إلى 53.05 مليون دينار (74 مليون دولار) في 2019، مقارنة بـ33.01 مليون دينار (46 مليون دولار) في 2018.
ووفق بيانات سابقة لوزارة الصناعة والتجارة الأردنية، سجلت صادرات المملكة إلى سوريا 255.5 مليون دولار في 2011 (قبل بدء الثورة)، وبلغت الواردات 376 مليون دولار في العام نفسه.
ويرى وزير الإعلام الأردني السابق محمد المومني أن “الولايات المتحدة ستنظر إلى عمان، باعتبارها حليفا وشريكا أساسيا لها في المنطقة، بنوع من الخصوصية في مسألة تطبيق القانون، فالتبادلات التجارية (بين الأردن وسوريا) محصورة بقطاعات معينة، لكنها رغم ذلك تسهم في دعم الاقتصاد الأردني والتخفيف من أثر الأزمة في الجارة الشمالية”.