"شظايا" المواجهة الإيرانية - الأميركية تطال رئيس الوزراء العراقي

الخطاب العدائي الذي توجّهه الميليشيات الشيعية لرئيس الوزراء العراقي مأتاه عدم ثقة إيران فيه واعتبارها إيّاه صديقا لعدوّتها الولايات المتّحدة التي تواجه حاليا حملة ضغط واستفزاز من خلال استهداف مصالحها وقوّاتها في العراق على يد تلك الميليشيات بهدف اختبار قدرة إدارة الرئيس الجديد جو بايدن على الردّ ومدى عزمها على المواجهة.
بغداد - يترافق تصعيد الميليشيات الشيعية العراقية التابعة لإيران ضدّ المصالح والقوات الأميركية بحملة ضغوط موازية على حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي المصنّف كحليف للولايات المتّحدة، وذلك في رسالة إيرانية مزدوجة للرئيس الأميركي جو بايدن مفادها أن طهران قادرة على تقويض مختلف جهود إدارته السياسية والأمنية في العراق.
واتهم قيس الخزعلي الذي يتزعّم عصائب أهل الحق إحدى أشرس الميليشيات الشيعية في العراق وأكثرها ارتباطا بالحرس الثوري الإيراني قيادات أمنية كبيرة بـ”العمالة للسفارة الأميركية في بغداد”، قائلا إنّ ذلك يتمّ “بعلم رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي”.
ولا يُحسب الكاظمي الذي جاءت حكومته خلفا لحكومة عادل عبدالمهدي التي أطاحت بها احتجاجات شعبية عارمة ضدّ الفساد وسوء الأوضاع المعيشية، ضمن معسكر الموالاة لإيران الذي حكم العراق طيلة الثماني عشرة سنة السابقة، بينما يعتبره كبار قادة ذلك المعسكر المشكّل من أحزاب وفصائل شيعية مسلّحة أقرب إلى صفّ الولايات المتّحدة.
وعمليا، لم يستطع الكاظمي أثناء فترة رئاسته القصيرة للحكومة العراقية إحداث تمايز كبير في سياساته عن سياسات رؤساء الحكومات الذين سبقوه، لكنّ أكثر مواقفه تخالف مواقف قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية.
إدارة بايدن ألغت ضربة جوية ثانية للميليشيات الشيعية حرصا على عدم تقويض الموقف السياسي لرئيس الوزراء العراقي
ولا يتردّد الكاظمي في إدانة الهجمات الصاروخية التي تشنّها الميليشيات الشيعية على مقرّ سفارة الولايات المتّحدة في بغداد وعلى مواقع تواجد القوات الأميركية على الأراضي العراقية وأرتال إمداد تلك القوات بالمؤن، بينما تعتبر الميليشيات تلك الهجمات “فعلا مقاوما”، وتصنّفها ضمن جهود إخراج القوات الأجنبية من البلاد.
وتعليقا على الهجوم الصاروخي الأخير على قاعدة عين الأسد العسكرية التي يتواجد فيها جنود أميركيون والذي أعقب هجوما مماثلا على مطار أربيل في كردستان العراق حيث توجد قاعدة عسكرية أميركية، قال رئيس الوزراء العراقي إنّ المجاميع التي تنفّذ مثل تلك الهجمات “ليس لها انتماء حقيقي للعراق”.
واعتبر أنّ تلك الهجمات “لا يمكن تبريرها تحت أي عنوان وأي مسمى”، مؤكّدا أنها تضرّ “بالتقدم الذي يحققه العراق سواء لجهة تجاوز الأزمة الاقتصادية أو الدور المتنامي للعراق في تحقيق الأمن والاستقرار إقليميا ودوليا”.
ويرى قادة الميليشيات أنّ الكاظمي يصدر مثل تلك المواقف انطلاقا من ولائه للولايات المتّحدة. وقال الخزعلي في مقابلة مع قناة “الاتجاه” التابعة لميليشيا حزب الله العراق إن “أغلب القادة الأمنيين في العراق يحضرون إلى السفارة الأميركية لتجنيدهم كعملاء وبعلم رئيس الوزراء”.
ونفى الخزعلي قيام الميليشيات باستهداف البعثات الدبلوماسية في بغداد لكنّه استدرك بالقول إنّ “ما تقوم به السفارة الأميركية من إضرار بالبلاد أخطر من دور كل القواعد العسكرية، وإنّها تقوم ببرامج لتجنيد شباب عراقيين وهي أكبر جهاز تنصت على العراق وتستحق الضرب والاستهداف، لكن لا قناعة لدينا الآن لضربها”.
كما حرص زعيم ميليشيا العصائب على إبقاء السفارة الأميركية هدفا محتملا للميليشيات، قائلا “إذا دخلنا في حرب وردّ الآخر بشكل غير مقبول، فمستويات الرد من الممكن أن تطال السفارة”.

واتّهم الخزعلي إسرائيل بالمسؤولية عن عمليات القصف الأخيرة لسفارة الولايات المتّحدة في بغداد. وقال إنّ “شخصيات أمنية عراقية هي الوسيطة بين المنفذين والموجّهين”، وإنّ “منفذي قصف السفارة يهدفون لاستهداف المدنيين لكيل التهم للمقاومة”.
وبعد موجة الاستهدافات الأخيرة للسفارة ولأماكن تواجد القوات الأميركية في العراق، وُجّهت أصابع الاتّهام إلى إيران باعتبارها الطرف الأصلي الذي أعطى الأوامر للميليشيات لتنفيذ تلك الهجمات مباشرة بعد تسلّم إدارة جو بايدن الجديدة لمقاليد السلطة في الولايات المتّحدة، وذلك بهدف إحراجها والضغط عليها في ملفات أخرى تتعلّق بالاتّفاق النووي والعقوبات الاقتصادية الأميركية الشديدة المسلّطة على طهران.
وفي تقدير إيران فإن قدرة إدارة بايدن على الردّ على الاستفزاز الإيراني في العراق محدودة بالنظر إلى أنّ الرئيس الأميركي الجديد يسعى إلى تبريد الصراعات وإخراج بلاده منها بشكل تدريجي.
وإثر قصف مطار أربيل بالصواريخ وسقوط قتيلين وعدد من الجرحى ردّت القوات الأميركية بتوجيه ضربة جوّية لموقع تتمركز فيه إحدى الميليشيات الشيعية على الحدود بين سوريا والعراق ملحقة بها خسائر بشرية ومادّية.
وقالت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية إن إدارة بايدن حرصت على أن يكون الردّ على قصف المطار محدودا، وإنّها ألغت توجيه ضربة عسكرية ثانية إلى الميليشيات المدعومة من إيران تجنّبا للتصعيد وحرصا على عدم “تقويض الموقف السياسي لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي تعتبره واشنطن شريكا”.