شرعنة الإرهاب أكثر ما تخشاه القاهرة من تجربة طالبان

الرهان على الإسلام السياسي وإعادة إنتاج المتطرفين يزيدان من الهواجس المصرية.
الثلاثاء 2021/08/24
أفغانستان.. فناء خلفي

لا يختلف مراقبون في أن سيطرة حركة طالبان على أفغانستان وإعلانها إمارة إسلامية ستكون لهما ارتدادات إقليمية خاصة على منطقة الشرق الأوسط التي توجد فيها جماعات إسلامية تتقاسم مع طالبان نفس المنهج والعقيدة. وقد تكون كابول الحاضنة المستقبلية لهذه الجماعات التي تبحث عن إعادة تنظيم صفوفها بعد الضربات الموجعة التي تلقتها خاصة في مصر.

القاهرة - تأخذ تطورات الأحداث في أفغانستان حيزاً واسعًا من النقاشات بين دوائر مصرية عديدة، ويجري استحضار وقائع تاريخية كانت فيها حركة طالبان سببًا في موجة إرهابية داخل الدولة المصرية في تسعينات القرن الماضي مع عودة العناصر التي انخرطت في الحرب الأفغانية، وأطلق عليهم “العائدون من أفغانستان”، وضمت قائمتهم شخصيات مصرية عديدة لعبت دورا في ضخ الدماء في عروق المتشددين.

وأجرى برنامج “على مسؤوليتي” الذي يقدمه الإعلامي أحمد موسى المعروف بعدائه لجماعات الإسلام السياسي ويحظى بمتابعة جيدة لدى فئات شعبية على فضائية “صدى البلد” مساء الاثنين، مداخلة هاتفية مع الناطق باسم المكتب السياسي لحركة طالبان محمد نعيم في خطوة تعبر عن حجم الاهتمام المصري بما يجري في كابول، وتعكس أيضا تفهم طالبان لدواعي القلق ومحاولة طمأنة القاهرة.

عمرو فاروق: تنظيمات الإسلام السياسي تتشكل من جديد من أفغانستان

وتتركز مخاوف القاهرة من أن تؤدي سيطرة طالبان على السلطة إلى إعادة تدوير التنظيمات الإرهابية التي تضع الحالة المصرية وما حققته من نجاح في وجه حركات الإسلام السياسي هدفًا لها، والأكثر أنها هذه المرة قد تكون مصحوبة بشرعية واعتراف دولي وإخراجها من خانة تصنيفها ككيانات إرهابية إلى تنظيمات سياسية أكثر شراسة في معارضتها للأنظمة الحاكمة في الدول التي يتواجد فيها متطرفون.

ويبني النظام المصري فلسفته في التعامل مع الحركات الإرهابية على أنها كيان واحد ولا يعتد كثيرا بالتصنيفات التي تذهب إليها قوى إقليمية وتقتنع بها الولايات المتحدة، وبالتالي فإن القلق يأتي من وجود حاضنة تدعم تمدد الجماعات المتطرفة بعد أن جرى حصار عدد كبير منها في المنطقة العربية على إثر فشل تجربة تنظيم الإخوان المسلمين في حكم مصر والاستمرار في معارضة نظامها الجديد.

وبحث الرئيس عبدالفتاح السيسي الأحد مع مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ويليام بيرنز تطورات الأوضاع في أفغانستان، وتركزت المباحثات على تعزيز التعاون مع واشنطن على الصعيدين الأمني والاستخباراتي.

ويرى مراقبون أن القاهرة لديها رغبة في تعزيز التنسيق الاستخباراتي مع الولايات المتحدة لصد أي موجة إرهاب متوقعة ولديها رغبة في الحصول على تطمينات بشأن عدم تحول أفغانستان إلى قاعدة انطلاق كبيرة للمتطرفين، وتستهدف تبادل المعلومات بشأن تحرك العناصر الإرهابية التي تنقل من دول عربية إلى أفغانستان والعكس.

معقل التنظيمات الحركية

Thumbnail

بحسب عدد من الخبراء المصريين الذين استطلعت “العرب” رؤاهم فإن الرهان الأميركي على ورقة الإسلام السياسي يشكل هاجسًا لدى الدول العربية التي عانت من ويلات الفوضى التي تسببت فيها كيانات لا تعترف بمؤسسات الدولة الوطنية وليس لديها مانع في تقسيم الدول وتفتيتها لتحقيق مصالحها، وأن شعار “الشرق الأوسط الجديد” قد يتردد مرة أخرى في ظل ما تسفر عنه التحولات السياسية في أفغانستان.

وقال الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية عمرو فاروق إن تحول أفغانستان إلى معقل جديد لتنظيمات الإسلام الحركي أمر متوقع مع انحسار مكونات الإسلام السياسي بشكل عام، فلم يعد من الميليشيات القوية سوى جماعة “بوكو حرام” في نيجيريا وما حولها و”حركة شباب المجاهدين” في الصومال، وبعض ولايات داعش في أماكن مختلفة وأبرزها “ولاية خراسان” في أفغانستان، ما يجعل هناك رغبة في البحث عن حاضنة جديدة تدعم انطلاقها من جديد.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن هناك شكلا جديدا لتنظيمات الإسلام السياسي يجري رسم ملامحه الآن من أفغانستان قد يلجأ إلى تنحية أعمال العنف إلى حين الوصول إلى مرحلة التمكين، ومن المتوقع أن تبحث طالبان عن مُحلل سياسي عبر تشكيل حكومة توافقية عبر ترتيبات أميركية جرى التوافق عليها في الاجتماعات التي رعتها الدوحة، وهو ما يشي بأن ما يحدث حاليًا هو وضع مرتب ومجهز له سابقًا.

عادل العمدة: سيطرة طالبان تشكل محمية للتنظيمات الإرهابية

وأوضح فاروق أن الهواجس المصرية تأتي من جهة إمكانية تحول التنظيمات الإرهابية إلى كيانات سياسية، وهو أمر قد تنتهجه قوى متطرفة حاضرة حاليًا في القارة الأفريقية أو في بعض الدول العربية، ما يؤكد أن هناك صناعة لنسخ متطورة من الجماعات الإرهابية وأن نسخة طالبان سوف يجري على أساسها استحداث كيانات سياسية ذات مرجعية دينية ووضعها على مائدة التفاوض الدولي والاعتراف بها كطرف رئيسي ومعارض للأنظمة السياسية.

ويؤكد متابعون أن هناك يقينا بصناعة طالبان ومنحها الشرعية ينطويان على أهداف أخرى تستهدف إشعال الأوضاع في المنطقة المجاورة للشرق الأوسط، وربما تكون هناك تنظيمات جديدة في الداخل الأفغاني تقف أمام الحركة التي سيطرت على القصر الرئاسي في غضون وقت قصير، ما يمهد لاندلاع حرب أهلية تحول منطقة جنوب شرق آسيا التي تشكل بعض دولها وعاءً لتشكيل تنظيمات إرهابية يمكن أن تتحول إلى كرة لهب مشتعلة عابرة للحدود في أي لحظة، ومن ثم سيكون هناك مرتكز أو بؤرة للعناصر الإرهابية الفارة من المنطقة العربية.

بؤرة لتفريخ الإرهابيين

تنظر القاهرة إلى أفغانستان باعتبارها بؤرة رئيسية لتفريخ الإرهابيين على مدار الأعوام الثلاثين الماضية وكانت قبلة أساسية للتدريب والتجهيز، وهو ما انعكس سلبًا على الحالة الأمنية بالنسبة إلى الدولة المصرية بعد أن أضحت هناك كوادر مدربة ولديها خبرات على استهداف الأنظمة العربية والمصالح الغربية في المنطقة.

وتوقع فاروق في حديثه مع “العرب” أن يدفع تنظيم الإخوان بكوادره إلى أفغانستان خلال الفترة المقبلة، لافتا إلى أن ذلك سيكون ضمن معسكر فرع التنظيم هناك وليس حركة طالبان، وأن الخلافات المنهجية بينهما قد تقوض عملية الارتكاز على التناغم بينهما، في حين أن الكوادر التي تعتنق أفكار السلفية الجهادية سيكون وصولها أسهل إلى كابول لأنها ستدخل في تحالفات مباشرة مع قيادة حركة طالبان.

إسلام منسي: سقوط كابول هذه المرة يختلف عن سقوطها في الماضي

وأكد الخبير المصري في شؤون الجماعات الإسلامية أن قدرة الدول الراعية للإرهاب، وعلى رأسها قطر وتركيا وإيران، على الوصول إلى تفاهمات بين التنظيمات تلعب دورا في تحديد طبيعة الخطر بالنسبة إلى مصر، وفي حال تمكنت من السيطرة على المشهد فإن طالبان قد تحتضن إخوان أفغانستان الذين يسيطرون على مناصب حكومية بارزة ومن ثم ستصبح هناك قاعدة انطلاق لهذه التنظيمات، وهو أمر غير مستبعد في ظل رغبة طالبان عدم الدخول في صدامات مع مكونات سياسية وشعبية.

ورغم القواسم الفكرية المشتركة بين جماعة الإخوان وحركة طالبان ثمة خلاف تاريخي تنافسي على السلطة منذ السيطرة على كابول في سبتمبر 1996، حيث انحازت الجماعة إلى الولايات المتحدة في حربها ضد الحركة والارتياح لسقوطها عام 2001.

وبحث ما يسمى بـ”منتدى الوحدة الإسلامية” الذي انعقد الشهر الماضي وشارك فيه القائم بأعمال المرشد العام للإخوان إبراهيم منير وبعض القيادات الإخوانية الأخرى، إمكانية نقل العناصر الإخوانية من تركيا إلى أفغانستان، استناداً على تقديم الجماعة في وقت سابق لدعم مادي وإغاثي وإنساني للجهاديين في أفغانستان خلال الحرب ضد السوفييت، فضلا عن وجود فرع للإخوان هناك.

وأكد المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية (تابعة للجيش المصري) اللواء عادل العمدة أن هناك ما يشبه المحمية الطبيعية للتنظيمات الإرهابية مع سيطرة طالبان على السلطة في أفغانستان، بما يجعل تضرر المنطقة العربية أمراً اعتيادياً ومتوقعًا، وأن تطورات الأحداث على مدار الساعات الماضية تثبت أن طالبان تسير على نفس الفكر والهدف مع تعديلات طفيفة في الخطاب السياسي، وأن من صنع تنظيم داعش ودعم تمدده في المنطقة العربية هو نفسه الذي يرعى الترتيبات الجديدة في كابول.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن مصر اتخذت العديد من الإجراءات الأمنية والاحترازية ضد أي جرائم إرهابية قد تنطلق من هناك، بعد أن ضيقت منافذ الدعم والتمويل التي تصل إلى التنظيمات المتطرفة في الداخل المصري، وقضت على أعداد كبيرة من القيادات على المستويات الأول والثاني والثالث، ومن ثم تقلصت قدرة هذه الجماعات على استقطاب عناصر جديدة.

وأشار إلى أن القوات المسلحة أحبطت عمليات تسلل عديدة إلى الداخل المصري خلال الفترة الماضية، وباتت هناك قدرات متطورة على الرصد والتتبع بناء على المعلومات التي حصلت عليها الأجهزة الأمنية، إلى جانب أن هناك رؤية استشرافية لما يحدث الآن وناقشت دوائر عديدة تحديات التعامل الأميركي مع الحركة وأسلوب مجابهة أي أخطار تنطلق من هناك واستعدت لكل السيناريوهات الغامضة.

وبعثت دوائر مصرية من خلال مسلسل “القاهرة كابول” الذي عرضته الفضائيات في رمضان الماضي، وأعادت بثه حاليًا مع تصاعد الأحداث في أفغانستان، إشارات عديدة تفيد بأن هناك بؤرة توتر تنطلق من هناك لا تزال مستمرة، خاصة أن العمل الدرامي ركز على شكل العلاقة الوثيقة بين المتطرفين والولايات المتحدة.

القاهرة - كابول

أوضح مؤلف المسلسل عبدالرحيم كمال أن المسلسل جرت كتابته بناءً على تحليل لمجريات الأحداث والمتابعة الجيدة لها على مدار سنوات، وأن “ما يحدث في أفغانستان حاليًا هو التطور الطبيعي للعلاقة المريبة بين الولايات المتحدة والتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها طالبان والممتدة لعقود وليس سنوات طويلة”.

وتنطلق الهواجس المصرية من بعد آخر له علاقة بالولايات المتحدة ذاتها، وانعكاساته على قضايا مصيرية على رأسها أزمة سد النهضة، إذ أن الحكومة المصرية تدرك أن الانسحاب الأميركي قد تترتب عليه انسحابات أخرى من منطقة الشرق الأوسط بما يقوض أي تعويل على تدخلات أميركية فاعلة لحل الأزمة، ما يمهد لإمكانية اندلاع صراعات المياه التي ستكون أكثر احتمالاً في ظل حالة الاهتزاز الاستراتيجي التي ستتعرض لها الولايات المتحدة جراء فشلها في أفغانستان.

صناعة طالبان ومنحها الشرعية ينطويان على أهداف أخرى منها إشعال الأوضاع في المنطقة المجاورة للشرق الأوسط، ما يجعل تضررها أمرا متوقعا

لكن في المقابل أوضح الخبير المصري في الشؤون الآسيوية إسلام منسي أن سقوط كابول هذه المرة يختلف عن سقوطها في ظل الحرب السوفييتية، ففي ثمانينات القرن الماضي كانت أفغانستان ملهمة للحركات والتنظيمات المتطرفة على مستوى العالم، وهناك زخم دولي لدعم من يسمون بالمجاهدين، لكن الآن الظروف مختلفة، وطالبان أضحت أكثر براغماتية وستقدم تنازلات عديدة لتضمن استمرار الوضع القائم.

وقال في تصريح لـ”العرب”، “في تلك الحالة سيكون التأثير محدوداً بالنسبة إلى الدولة المصرية، تحديداً مع محاولات طالبان الانفتاح على المجتمع الدولي وتقديم نفسها بصورة تبدو فيها متسامحة، وهو ما قد يتلاقى مع الحضور المصري في أفغانستان والذي ينطلق من البعثات التي يرسلها الأزهر لتعليم القيم السمحة للإسلام أو عبر المواطنين الأفغان الذين تلقوا تعليمهم في الأزهر”.

12