شخصية تاريخية في حوض لسمكة ذهبية

فيما عدا مسلسلات قليلة جدا، اختفى البعد الاجتماعي في المسلسلات التاريخية. من الصعب أن نستخلص من تلك المسلسلات استنتاجات موضوعية أو عِبَرا تعلق بالذاكرة.
الأربعاء 2023/03/22
أعمال بحاجة إلى المزيد من الانفتاح والموضوعية

ننتظر عودة الدراما التاريخية إلى شاشات فضائياتنا. هذا النوع من المسلسلات ساد ثم باد في عصر الفضائيات. غرقت الفضائيات لسنوات طويلة بمسلسلات الشخصيات التاريخية المهمة، وخصوصا الإسلامية منها. لا نضيف جديدا إذا قلنا إنها قدمت بملحمية مبالغ فيها. الشخصيات البطولية في المسلسلات هي نسخ ملمّعة من الشخصيات التاريخية الحقيقية. الأمجاد لها، والنكسات حدثت لأن ثمة من تآمر عليها وعطل مسيرتها. العالم يدور حول هذه الشخصيات.

فيما عدا مسلسلات قليلة جدا، اختفى البعد الاجتماعي في المسلسلات التاريخية. من الصعب أن نستخلص من تلك المسلسلات استنتاجات موضوعية أو عِبَرا تعلق بالذاكرة. نظريا هي روايات عن عصر صاحب البطولة التاريخية. لكن هذه المسلسلات ما قدمت أكثر من بطل الحكاية محاطا بعدد قليل من صفوة الحكم أو الشعر أو الجمال النسائي. لو نسترجعْ المَشاهد التي وردت في تلك المسلسلات نجدْ -على أقصى تقدير- أن الواقع الاجتماعي في تلك المرحلة لا يزيد عن أسواق يدور فيها عدد من الكومبارس، أو مجالس يجلس فيها خواص أو عوام بملابس مزركشة بلا أي إضافة للحكاية. الشخصية المحورية لا شك مهمة. لكنها ليست سمكة ذهبية في حوض بلا أسماك أخرى. إلى أين ذهب الناس أبناء ذلك العصر؟ وماذا قالوا؟ وما تأثيرهم؟ هل الانتصارات أو الانتكاسات أو الفتن صنائع الأقوياء والمهمين فقط؟

أحاول أن أجري مقارنات بين الدراما التاريخية التي تنتج في الغرب وتلك التي تعودنا على مشاهدتها من على شاشات الفضائيات العربية. الكثير من الروايات المهمة أُعيد إنتاجها أكثر من مرة. في كل مرة، يضعف التركيز على البطل، ويزيد الاهتمام بعصره. أنظر إلى المرات التي أعيد فيها إنتاج روايات مثل “الحرب والسلام” لليو تولستوي أو “أوليفر تويست” لتشارلز ديكينز، وستجد تطورا في إعادة تقديم الرواية/العصر أهم بكثير من التطور الذي توفره التقنيات السينمائية والتلفزيونية الكثيرة من صورة وصوت ومؤثرات.

الآن تعود المسلسلات الدرامية التاريخية العربية والإسلامية إلى شاشاتنا. كانت متهمة لفترة بأنها مروجة للتطرف الإسلامي أو حتى النسخة الإخوانية أو الخمينية من التاريخ. اليوم تقف على إعداد هذه المسلسلات عقليات ليبرالية تهدف إلى تقديم نسخة مختلفة من تاريخنا، نسخة أكثر انفتاحا وموضوعية. من الصعب الجزم بنجاحها. لكن بالتأكيد إذا قدمت الشخصيات التاريخية التي تنطق بلغة أقل تطرفا وأقل دعوية فقط، وليست الشخصيات التي تعكس عصرها، فإن السمكة الذهبية الوحيدة في الحوض ستكون فقط بلون ذهبي ذي درجة مختلفة أكثر ميلا إلى الأصفر أو البرتقالي، ولكنها تبقى سمكة وحيدة.

18