شتاء دافئ

اليوم لم يعد الشتاء باردا وأصبح يتأخر كثيرا، لكننا رغم ذلك نحس البرد في عظامنا، أحاسيسنا، كل ما يحيط بنا يبدو أنه قد تجمد.
السبت 2020/11/14
اللحظات الأجمل

قبل زمن.. يقلّ عن عشرين عاما أو يزيد.. كنا صغارا جدا ونحب الشتاء جدا وننتظر قدومه بفارغ الصبر.. فنحن لم نكن نشعر بالبرد أبدا.

تعني العودة المدرسية التي تكون منتصف شهر سبتمبر عادة أننا أنهينا رحلاتنا المكوكية ذهابا وإيابا إلى طبرقة للتنعم بالبحر منذ شهر على الأقل.

وتعني العودة أيضا بداية موسم الأمطار، إذ كثيرا ما يكون يوم العودة الأول ماطرا، ويعني موسم الأمطار أن الشتاء اقترب.. اقترب هطول الثلج.

زمانها كان الثلج يتساقط كل سنة تقريبا على مدينتي في أعالي جبال الكاف.

لا نعرف متى سيسقط تحديدا لكنه يسقط كل عام.. كنا متأكدين.

كانت أروع اللحظات حين نحضر أنفسنا للذهاب إلى المدرسة، نلبس قبعاتنا، قفازاتنا، معاطف الصوف، وجزمنا.. لا تظهر سوى أعيننا.. ثم نفتح الباب لتكون الحديقة قد اكتست حلة بيضاء، لقد تساقط الثلج طوال الليل حين كنا نغط في نوم عميق.

ترمى المحفظات في الحال وتبدأ الاحتفالات.

يعني سقوط الثلج زمانها أنه لا توجد مدارس حتى ذوبانه، لا نعرف من اتخذ القرار لكنه قرار يروق للجميع ولا أزال أظن أنه قرار حكيم.

الجميع متواطئون؛ المدرسون والمدير والطلبة والعائلات.. لا دراسة مع الثلج.

في موسم الثلج لا نشعر بالبرد بل يسري الدفء في عروقنا رغم أني أظن أن الشتاء كان باردا جدا في ما مضى.

معاطف مفتوحة ورؤوس عارية..

لا شيء مهم، رجل الثلج أهم ليلبس قبعتي.. كنا نتبارى أي من رجال الثلج سيكون الأجمل والأكبر.

لا نرتدي قفازات فهي تعيق الحركة عند تكوير الثلج. ويبدأ المصورون جولاتهم لالتقاط صور الاحتفالات كالعادة. ثم تشرق شمس اليوم الموالي مؤذنة ببداية ذوبان الثلج.

 كان سرنا الأكبر لنعرف أن الثلج سيتساقط في العام القادم هو الاحتفاظ ببقايا رجل الثلج في علبة في الثلاجة.

لا تفتح العلبة أبدا إلا مع بداية موسم الشتاء.. نذيب بقايا رجل الثلج المسكين الذي تجمدت أوصاله في الثلاجة لتصبح ماء ننثره على أغصان الأشجار.

كان الشتاء في ما مضى يأتي باكرا جدا وكان باردا جدا أبرد من شتاءات السنين القليلة الماضية لكنه رغم ذلك كان دافئا جدا. لا يزال الشتاء يحتفظ ببعض برودته في مدينتي لكن تساقط الثلج قل جدا.

اليوم لم يعد الشتاء باردا وأصبح يتأخر كثيرا، لكننا رغم ذلك نحس البرد في عظامنا، أحاسيسنا، كل ما يحيط بنا يبدو أنه قد تجمد.

24