شباب اليوم يتجنب الخطوبة خوفا من الفشل

لا يعني ربط علاقات عاطفية بين الشباب العربي اليوم أنها سوف تتوج ضرورة بالخطبة والزواج، فبجانب العوامل التي قد تؤدي طبيعيا إلى فشل العلاقة باتت لدى الفتيات والشبان رهبة من أولى خطوات الانتقال بالعلاقة إلى الواجهة الاجتماعية والرسمية وهي الخطوبة.
ويرى مختصون أن العديد من الدوافع تقف وراء ذلك ويرجحون أن يكون أهمها صعوبة اختيار الشريك والوثوق في صواب الاختيار وأيضا ارتفاع تكلفة الخطوبة.
ويعتبر تغير نظرة شباب اليوم للزواج وتبعا له للخطوبة من بين الأسباب الهامة لعدم إقبال كثيرين منهم عليها، ولكن العديد من الدراسات تجزم أن فشل التجارب السابقة في الخطوبة والتي يرجعها الشخص لسوء اختيار الشريك من أهم أسباب هروب الفتيات والشباب من الخطوبة.
وتقول سوسن عبدالحميد (27 عاما) “تجربة خطوبتي الأولى كانت مع ابن الجيران الذي اختاره أبي ووافقت عليه تحت الضغط، ثم بدأت أكتشف عيوبه، وحاولت فسخ الخطوبة ولكن الخوف منعني، وبعد ذلك وجدت الفرصة للهروب من هذا الارتباط، وقبل أن يمضي العام على فسخ تلك الخطوبة تقدم لي شاب من أسرة طيبة، وكان يوم خطوبتي عصيبا جدا، فقد اتصل بي بعد الاتفاق على كل شيء وأبلغني عن تراجعه عن التقدم لخطبتي، وبعد فترة عرفت أن السبب هو خطيبي الأول الذي قال له كلاما سيئا عني وعن عائلتي، وفسخت الخطبة للمرة الثانية».
وتشير عبدالحميد إلى أنها باتت تخاف الخطوبة والارتباط بسبب فشلها في التجربتين الماضيتين ما جعلها تصرف النظر عن الارتباط عموما.
ومن جانبه يروي وائل سعد (39 عاما) أنه خطب أربع فتيات وعقد قرانه على واحدة منهن ثم افترقا، مؤكدا أنه لا يرى أن المشكلة في الفتيات اللاتي عرفهن بل يدرك أنه شخص متطلب ومتردد كثيرا لأن الاختيار في نظره مصيري وصعب جدا. ويضيف “لا أريد تكرار الفشل، في كل مرة أرى فتاة وأكون مقتنعا بها وعندما أتعامل معها أجد أن هناك شيئا ينقصها، ومازلت أبحث عما يرضيني”.
ويعتبر أستاذ الصحة النفسية فكري عبدالعزيز أن الارتباط الذي يبدأ بالخطوبة ثم الزواج عملية اجتماعية مرتبطة بمسار نفسي، هدفها الحصول على الاستقرار والأمان النفسي، وإذا لم تتحقق تلك الشروط فإن النتيجة لمتوقعة هي الفشل. والخطوبة هي خطوة اجتماعية تقترن بالعادات والتقاليد لدى غالبية العائلات العربية وهي أول مراحل الزواج.
وإن ارتبط شاب بفتاة استجابة لرغبة والدته أو والده أو العائلة أو لإعجابه بالنسب والمركز وغيرها فإن مآل العلاقة والارتباط سيكون فسخ الخطوبة لأنها غير مبنية على قناعات شخصية.وتتحدث هيام (31 عاما) عن تجربتها قائلة “بعد التخرج ارتبطت بشاب كان زميلا لي بالجامعة.. وتحدثنا قبل الخطبة، قلت له إنني لن أتنازل عن عملي فوافق على ذلك، وتمت الخطوبة وبدأت مشكلاتنا بسبب قوله إن مكان المرأة هو البيت، وتفاقمت الأمور عند رفضه أن أتم تعليمي العالي واعتراضه على رسالة الماجستير، وكانت النتيجة فسخ الخطوبة”.
وترجع أستاذة علم الاجتماع نسرين بغدادي هروب الشباب اليوم من خطوة الخطوبة إلى التغييرات الكبيرة التي تشهدها المجتمعات العربية والتي لديها نتائج وتأثير مباشر في نظرة الشباب للارتباط الرسمي إما من خلال الخطوبة وإما من خلال الزواج.
وتشير بغدادي إلى أنه في العصر الراهن افتقد جانب واسع من الشباب القدرة على الاختيار الصحيح وخصوصا في أهم شيء في الحياة وهو شريك الحياة، وعاد زواج الصالونات لفرض نفسه على العائلات مرة أخرى، على الرغم من أنه يرتبط بالكثير من المصالح ويتم بسرعة لا تعطي فرصة لأي من طرفي العلاقة للتفكير، ولكن بعد الخطوبة مثلا يكتشف كل منهما أن هناك اختلافات وتضاربا جوهريا في القيم والسلوك وهي أشياء لا تظهر وقت إتمام الصفقة، فيحدث الانفصال.
وتؤكد المختصة الاجتماعية أن كل أسلوب من أساليب الزواج له عيوبه ومزاياه، وحالات فسخ الخطوبة تتم دائما عندما يدرك أحد الطرفين أنه لم يعرف الخطيب كما يجب قبل الخطوبة.. وترى بغدادي أن فسخ الخطوبة ليس مصيبة وليس أمرا سلبيا جدا في كل الأحوال بل إنه إيجابي إذ يجنب طرفي العلاقة الزواج والطلاق في ما بعد وما ينجر عن ذلك من تأثيرات نفسية ومادية واجتماعية.