شاعر سوداني يستغل العلم والأدب في خدمة اللغة العربية

محمد حسن لـ"العرب": الحرب تُهدد الموروث الثقافي والتاريخي في السودان.
الثلاثاء 2024/01/16
الشاعر يتوج بجائزة القوافي الذهبية

خط الشاعر السوداني محمد حسن تجربة أدبية ثرية لم تكتف بالقصيدة العمودية بل كتب في أنماط شعرية أخرى، كما جرب الكتابة في أجناس أدبية مختلفة، وكرس اختصاصه العلمي لخدمة أدبه. "العرب" كان لها هذا اللقاء مع الشاعر حول رؤاه في الأدب والثقافة.

فاز الشاعر السوداني محمد حسن بجائزة القوافي الذهبية في الشارقة، حيث وقع تكريمه في احتفال خاص أقيم للفائزين بتلك الجائزة ضمن فعاليات مهرجان الشارقة للشعر العربي في دورته العشرين، والتي أقيمت خلال الفترة من الثامن حتى الرابع عشر من يناير الجاري، وشارك فيها العشرات من الشعراء والنقاد.

وقد حقق الشاعر تجربة شعرية مميزة منذ مجموعته الأولى "ذاكرة الولد الأسمر" التي استقبلتها الأوساط الثقافية باحتفاء كبير، وكرست اسمه شاعرا معروفا بإسهاماته في مجال رقمنة اللغة العربية.

في البداية يؤكد محمد حسن في حديثه لـ”العرب” على أن فوزه بجائزة القوافي الذهبية وتكريمه في الشارقة منحاه دفعة معنوية من “أناس يتنفسون الشعر” -بحسب قوله- ومثلا تحفيزا قويا له للمضي قدما في مجال الكتابة. ويعتبر أن حضوره لمهرجان الشارقة للشعر العربي وفوزه بجائزة القوافي كانا فرصة لمشاركة أعماله الشعرية مع جمهور أوسع.

وحول بداية علاقته بالشعر يقول الشاعر إنه نشأ في بيت يتذوق الشعر ويحتفي به، حيث كان والده الراحل يحدثه هو وأشقاءه ويشكرهم وينصحهم شعرا، ومن هنا أحب اللغة العربية وتنبه إلى قيمة الشعر، وقرأ المعلقات فكانت كالحديقة التي لا تبخل بالورود، ثم أمسك القلم وبدأ يكتب شعرا أو نثرا أو قصة قصيرة، وهو دون العاشرة من عمره، وبمرور الوقت أبحر بعيدا مع الكتابة وترك اللعب، وواصل رحلته مع الشعر حتى يومنا هذا.

تجربة شعرية

محمد حسن: القصيدة لا تستأذن قبل حضورها وإنما تفاجئني كالمطر
محمد حسن: القصيدة لا تستأذن قبل حضورها وإنما تفاجئني كالمطر

أما عن مدى تفكيره في المتلقي حين يكتب الشعر فيقول حسن إنه إذا تحركت المشاعر للبوح يكتب ويكتب حتى يتوقف ذلك الشعور، ثم يُراجع ما كتبه، فيعدله ويشذبه ثم ينشره، مفضلا في بعض الأحيان ألا يفكر كثيرا في ردود الفعل المحتملة، ويركز على التعبير الصادق من داخله. ويتابع قائلا إنه رغم ضرورة الانشغال بالتعبير الفني دون شعور بالضغط بشكل كبير بشأن كيف سيستقبل الآخرون القصيدة إلا أنه يقر بأنه لا يمكن تجاهل تأثير المتلقي تماما، فالتلقي يمنح القصيدة بعدا إنسانيا تواصليا ضروريا لتحفيز الإبداع.

وحول رؤيته لمهرجان الشارقة للشعر العربي يقول إن "المهرجان يُعد نقلة نوعية في إثراء روح الأدباء وتذكيرهم بأهميتهم في بناء الأوطان والمحافظة على هويتهم ولغتهم العربية السامية". ولفت إلى أن الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، تبنى اللغة العربية بقلب يتنفس بها، ويخاف عليها فكان دعمه لها بلا حدود وخطته في ديمومة هذا المهرجان واضحة مما يبشر بمستقبل زاهر للغة العربية على مستوى العالم أجمع.

وحول مصادر الإلهام لديه، وهل ينتظر الإلهام أم يسعى إليه، قال بأنه لا يُفكر في الكتابة دون أن يحضره الشعر، ولا يكتب إلا إذا أحس أنه يريد أن يكتب، حيث يحركه كل شعور جميل أو حزين، حدث جلل أو صمت في المكان، وأنه لا يدري بالضبط متى يحضره الإلهام، وأن القصيدة لا تستأذن قبل حضورها، وإنما تفاجئه كالمطر، فيستجيب لوقع حضورها على قلبه وقلمه.

ولأن الإيقاع واللغة يُجسدان أهم سمات القوة في تجربته الشعرية، فقد سألناه لمن قرأت في حياتك وما سر ثراء اللغة لديه؟ ليجيبنا بأنه قرأ المعلقات وقرأ للمتنبي، وكان مولعا باللغة العربية وحفظ خمسة عشر جزءا من القرآن الكريم وهو في سن العاشرة من عمره. ويشدد على أن القرآن الكريم رافد معرفي ولغوي وبلاغي عظيم لا يضاهى، وأنه المعين الأكثر ثراء في تجربته الشعرية، وأنه قرأ أيضا كتبا متنوعة دينية وأدبية وكان يقرأ كثيرا بينما كان أقرانه يلعبون، حيث كانت القراءة أيام طفولته وصباه هي الهواية الأحب لقلبه.

◙ الحركة النقدية العربية مازالت تعاني من القيود وتحتاج جهدا كبيرا للقيام بدورها تجاه الشعر والشعراء والأدب والأدباء

نسأله أيضا هل أنت مع تنوع الأشكال الشعرية بين العمودي والتفعيلة والنثر؟ ليقول بأنه يكتب الروايات والقصص، ويكتب الشعر عموديا كان أو تفعيلة، كما يكتب بالعامية السودانية، وأنه دائما يُردد “إن من البيان لسحرا”، وأن هذا القول يدل على بهاء الكلمات دون تحديد قالب معين، وأن رب سطر واحد وكلمات معدودة غيرت تاريخا وحيوات وشعوبا وأمما، وأنه لذلك يجد نفسه متصالحا مع كل أشكال الإبداع، ومطلا على كل منافذ الجمال.

وحول تقييمه لأهمية عناوين القصائد والدواوين الشعرية في إيصال صوت الشاعر، يعتبر الشاعر السوداني أن العنوان هو عتبة الولوج الأولى إلى النص، ويعد بمثابة هوية النص الشعري، وهو مسألة ذوقية وبراعة تأتي بالفطرة بناء على رؤية الشاعر واتساع متخيله الشعري والفني، وهو الذي يمنح القارئ مفاتيح النص أو الديوان، أو قد يضلله عنها لغرض في نفس الشاعر، إنه له دور كبير بلا شك في الترويج للعمل الأدبي وقنص اهتمام المتلقي.

حول رؤيته لحركة النشر الثقافي بالعالم العربي وخاصة في حقل الشعر، يقول حسن إنه يرى أن حركة النشر الثقافي في العالم العربي، وبشكل خاص في ميدان الشعر، تعاني من تحديات كبيرة، رغم وجود تقدم في تبني وسائل النشر الرقمية، وأن فنيات وآليات التسويق للانتشار الواسع مازالت تحتاج إلى الكثير من العمل، وقد يستعين الشاعر أحيانا بناشر يروج لكتاباته.

روافد متنوعة

◙ الحروب غالبا ما تؤثر سلبا على المشهد الثقافي والتطور الثقافي، وتؤدي إلى تشتت المجتمع
◙ الحروب غالبا ما تؤثر سلبا على المشهد الثقافي والتطور الثقافي وتؤدي إلى تشتت المجتمع

ويضيف أنه بصورة عامة يمكن القول إن هناك تطورا كبيرا في مجال النشر الإلكتروني والورقي، وإن النشر الورقي يحمل طابع التقليد والجمالية الفنية، وإحساس التواصل العميق بين القارئ والكتاب، بينما يمنح النشر الإلكتروني المزيد من السرعة والوصول الفوري، وإن كلا منهما يشكل جانبا مهما في تطور الحركة الثقافية، ويعزز التفاعل بين الكتاب والقراء بطرق متنوعة.

أما عن رؤيته لحركة النقد الأدبي في العالم العربي فيرى حسن أن الحركة النقدية العربية تحتاج إلى جهد كبير للقيام بدورها تجاه الشعر والشعراء والأدب والأدباء، خاصة وأنها مازالت تعاني من قيود عدة مثل المجاملات وغيرها، كما يدعو إلى توسيع رؤية النقد ومفهومه التقليدي، والسعي وراء بناء مجتمعات ثقافية تؤمن بالنقد كمعول للبناء وتطلبه.

ويتحدث الشاعر عن تأثير الحرب على المشهد الثقافي السوداني قائلا “الحروب غالبا ما تؤثر سلبا على المشهد الثقافي والتطور الثقافي، وتؤدي إلى تشتت المجتمع، وبالتالي فقدان التركيز على الفنون والثقافة، وقد يمتد أثرها إلى تدمير الموروث الثقافي والتاريخي”، ولفت إلى أن “كل شيء توقف في السودان، والكل يترقب لحظة الفرج ونجاة البلاد من الحرب”.

ولأنه جمع بين الشعر والبحث العلمي في مجال البرمجة وتقنية المعلومات، فقد سألناه عن جديده في مجال رقمنة اللغة العربية؟ ليجيبنا بأنه يعمل على مواءمة الحروف العربية مع محركات البحث العالمية، ووضْع تصور شامل لآليات البحث التي يجب أن تتبع وكيفية معالجتها رقميا للوصول إلى نتائج صحيحة في وقت قصير، وأنه اقترب من الانتهاء من وضع تطبيق إلكتروني يصب في خدمة اللغة العربية والناطقين بها في العالم، ويعزز موقع اللغة العربية بين الكم الهائل من اللغات المنتشرة على شبكة الإنترنت.

وحول رؤيته لمكانة الشعر والرواية في الآداب العربية، وهل نحن في زمن الشعر أم في زمن الرواية؟ يقول حسن إنه كلما كانت الكلمات جميلة، والإبداع حقيقيا وعاليا، تصل الرسالة إلى القلوب ولا ينظر أحد إلى القالب المعين إلا على سبيل التعريف فقط. ويُذكر أن محمد حسن هو شاعر سوداني من مواليد مدينة جدة في المملكة العربية السعودية. وهو مهندس اتصالات، ومبرمج مهتم بالبحث العلمي ورقمنة اللغة العربية والتأريخ الهجري وتطوير أدوات التفاعل الرقمي، صدر له ديوان "ذاكرة الولد الأسمر" عن دار الأجنحة بالسودان، وله تحت الطبع ديوان بعنوان "أثر على دموع السنديان".

تأهل في برنامج سحر القوافي بتلفزيون السودان عام 2011، وينشر قصائده في عدد من الصحف والمواقع والمجلات العربية بينها: صحيفة "الرأي العام"، ومجلة "اليمامة" و"نخيل عراقي"، ومجلة "المجلة العربية" السعودية، ومجلة "القوافي" الإماراتية، وغيرها.

12