سيف النسوية

حين تطلع على بيانات الحكومات ومنظمات المجتمع المدني وتغريدات الرجال على مواقع التواصل الاجتماعي بمناسبة يوم المرأة، تقول إن العالم صار تحت حكم النساء، وإن نضال التيارات النسوية العربية قد أثمر مكاسب لا تكاد تحصى للنساء في مختلف المواقع والمدن والقرى والأرياف.
صحيح أن بيانات العرب لا يعتد بها لأنها في المجمل تقوم على المداهنة والمراوغة. لكن تكرار الحديث عن المكاسب والنجاحات والمبادرات يمكن أن يتحول إلى حقيقة لا يمكن الطعن فيها، على قاعدة اكذبْ اكذبْ حتى يصدّقك الناس.
أحد النشطاء، الذي فاجأته عبارات الغزل والمديح من جيرانه في مملكة الفيسبوك، قال إن يوم الثامن من مارس صار "اليوم العالمي لترهدين الرجال"، أي أن الرجال باتوا يعتمدون على المداهنة والإيحاء بأنهم في صف النسوية قلبا وقالبا، ويكتبون ما لا يضمرون، ويحتفلون بالنساء من باب السير على مسطرة النسوية وعدم إغضاب موجها العاتي.
يمكن أن ننظر إلى الوجه الآخر من الصورة لنعرف أوضاع النساء، ونتأكد أن بيانات المديح والإشادة بالنجاحات لا تخلق عالما تقوده النساء. لم تفد الكوتا في تحسين أوضاع النساء، ولم يحقق التناصف الأفقي في انتخابات تونس الأمان للنساء.
ذاك كلام صالونات، وواجهة لشعارات المنظمات النسوية التي حولت أوضاع المرأة إلى كنز مربح من الهبات والهدايا والسفريات والمؤتمرات. أما كلام البيوت فيذهب إلى صورة أخرى مناقضة تماما.
النساء العاملات الكادحات في المواقع الصعبة، والمهن المرة والشاقة، وعاملات المنازل، بما في ذلك منازل مثقفين ونسويين ونسويات، لم يعرف وضعهن تغييرا ذا بال. الأوضاع الصعبة هي نفسها. صحيح أن الدولة تضع القوانين بهدف ضمان حقوق النساء، وتنظم لأجل ذلك اجتماعات وندوات وتقوم باستعراض كلامي وتصرف الكثير من الأموال.
لكن المهم كيف ينزل هذا الكلام على أرض الواقع في مجتمع يعاني بنسائه ورجاله في اتجاهات مختلفة. لا تستطيع القوانين أن تغير لوحدها، والتعليم نفسه لا يستطيع أن يغير طالما أن المجتمع ينظر إليه كوسيلة للوظيفة وليس كقيمة تصنع وعي الإنسان.
تمر عليك الكثير من النصوص التي ترفع من حظوة النساء، وتجلب اجتهادات من هنا وهناك لتقول إن الدين كرّم المرأة، والدولة راعية لها ومتشددة تجاه من يمس حقوقها. لكن المشكلة أن التغيير يطال القشرة الخارجية للشعوب، قد يحسن تفاصيل صغيرة، لكنه يبقى عاجزا عن اختراق ثقافة شعبية راسخة وضاربة في التاريخ تنظر إلى المرأة كهامش وفاعل سلبي.
طبعا ليست هناك مشاريع ثقافية قادرة على تغيير ثقافة الأولين، لكن تحسين أوضاع النساء المادية في مناطق الهامش المنسية يعطي فرصة حقيقية للتحسين والتطوير، ولو بمشاريع ووظائف صغيرة. المهم أن يكون الاستقلال المالي طريق التكافؤ بدلا من ترك المهمة بيد كرم الرجال أو للتلاعب بسيف النسوية الذي لا يصلح سوى للاستعراض.