"سيدة تأكل أذن زوجها".. الإشاعات العنيدة تغرق الأردن

عمان- سلّط تحذير مديرية الأمن العام الأردنية المواطنين من تداول الإشاعات حول جرائم لم تحدث، الضوء على زيادة نشر الأخبار المضللة على مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن.
وقال الناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن، إنه لوحظ مؤخرا قيام بعض الصفحات والحسابات بنشر أخبار مغلوطة حول قضايا وجرائم حدثت في دول أخرى أو لم تحدث إطلاقا.
وتحت عناوين مضللة تنتشر أخبار زائفة مثل “سيدة تأكل أذن زوجها” أو “سيدة تعتدي على زوجها بماسورة” أو “شخص يبيع لحوم الحمير” أو “خطف فتيات بالشارع العام” أو “شخص يعطيك بطاقة مخدرة” وغيرها.
"أكيد" رصد خلال عام 2020 ما مجموعه 569 إشاعة ارتبطت بقضايا وأحداث مختلفة، أي بمعدّل 47.4 شائعة شهريّا، مُسجّلا ارتفاعا ملحوظا مقارنة مع عام 2019
وشدّد الناطق الإعلامي على أنه “ستتم ملاحقة مروجي الإشاعات والتعامل معهم وفقا لأحكام القانون”، مشيرا إلى أنه “لا مصلحة لأحد في إضفاء الصورة السلبية وإلصاقها بالمجتمع الأردني”.
ويقول خبراء إن الإشاعات التي تهم الشأن العام باتت تتفوق على الإشاعات السياسية والأمنية، وأخذت صدى كبيرا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعملت كذلك وسائل الإعلام الأردنية على المساهمة في نشرها وتداولها بنسبة لا يُستهان بها. ويعتبر هؤلاء الخبراء أن مجالس النميمة السياسية تراجعت في الفترة الأخيرة لفائدة مجالس بث الجدل في المجتمع.
ويقول مراقبون إن “الخطير في هذه الإشاعات هو أن أغلبها يُعتبر من الإشاعات العنيدة وتعني أن إشاعة ما تبقى مستمرة وتمتد دورة حياتها طويلا رغم نفيها أكثر من مرة ورغم إثبات عدم صحتها، إذ تبقى مزروعة في أذهان الأردنيين على أنها حقائق؛ ولا يحصل نفي الإشاعة على صدى كبير كما تحصل عليه الإشاعة نفسها، ولا يتم تعديل الصورة الكاذبة التي صدقها الرأي العام منذ البداية، فتعمل هذه الأكاذيب على الصعود في بناء تراكمي من المعلومات المغلوطة، والتي تكون محركا للمواطنين لتأزيمِ الوضع في الدولة”.
ويسود اعتقاد عند قطاع كبير من مسؤولي الدولة بأن هذه الإشاعات “مبرمجة” وتستهدف تقويض وإضعاف الدولة الأردنية، وهناك قناعة راسخة بأن الإشاعات تندرج ضمن أجندة لزعزعة الاستقرار في البلد.

ميساء الرواشدة: للإشاعة تأثيرا خطيرا على الاقتصاد والأمن والتقليل من شأن مؤسسات الدولة
وقالت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية “بترا” في بيان إنه خلال خمسة أشهر مرَّت على الأردن من عام 2021، تعرّض فيها إلى نحو 200 إشاعة سعت لزعزعة اقتصاده والتشكيك بقدراته، فضلا عن اغتيال سمعة مواطنين، وصولا إلى النيل من مواقفه الثابتة.
وتشير ميساء الرواشدة أستاذة علم الاجتماع إلى أن للإشاعة تأثيرا خطيرا على الاقتصاد والأمن والتقليل من شأن مؤسسات الدولة.
ودعا عضو مجلس نقابة الصحافيين خالد القضاة من يمتلك المعلومة للإفصاح عنها طواعية للجمهور للحد من الإشاعة، وأن جهود جميع الأطراف المشتركة بهذه القضية يجب أن تركز على انسياب المعلومات، ما يئد الإشاعة في مهدها، ويبقيها عديمة الأثر لأن الناس سيمتلكون المعلومة ويردون على مطلق الإشاعة في اللحظة ذاتها.
ولا يوجد نص قانوني حتى الآن يعرف الإشاعة في الأردن، ويترك تقديرها للمدعي العام والقضاء. وأكد القضاة أن بداية الإشاعة تنجم عن قلة المعلومات التي يجري حجبها.
ويرون أن المعلومات التي يجب أن تتاح هي من المؤسسات الحكومية والنقابات والأحزاب وأي جهة منتخبة، وأي شركة تدير مرفقا عاما، وهذه الجهات يجب عليها إتاحة المعلومات طواعية وبسرعة لوقف انتشار الإشاعة.
ويرجّح أن تكون بعض الإشاعات عبارة عن بالونات اختبار لمعرفة ردة الفعل حول قضية ما، ومما يزيد من انتشار الإشاعات عدم وجود عقوبات على مطلقها أو المتسبب بها أي الممسك عن المعلومات.
واعتبر صحافيون أردنيون أن ما يحدث يجدد المطالبة بضرورة وجود إعلام دولة قوي يتصدى للإشاعات، مؤكدين أنه في عصر الإنترنت والقنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي لم يعد مقبولا استمرار العمل الإعلامي بشكله التقليدي دون تطوير مضمونه ورسالته.

أحمد النعيمات: هناك مصالح للمساس بأمن الأردن
وسبق لمدير وحدة الاستجابة الإعلامية بالمركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات أحمد النعيمات أن أكد في حديث لقناة “المملكة”، أن “دولا ذات مصالح من المصادر الرئيسية للشائعات”، مشيرا إلى أن “هناك مصالح للمساس بأمن الأردن”.
وكشف النعيمات النقاب عن أن الأردنيين يتداولون 90 مليون رسالة واتساب يوميا، معتبرا أن انتشار الشائعات يعود إلى فقدان الثقة بالإعلام الرسمي الذي لا يؤثر بالرأي العام إلا بحدود 36 في المئة.
ولفت مساعد مدير الأمن العام للإدارة والإسناد اللوجيستي العميد معتصم أبوشتال، إلى أن بعض الشائعات كانت من خارج الأردن ولأشخاص غير أردنيين، وصفهم أبوشتال بـ”عدم المحبين للمملكة وسمعتها واستقرارها ولديهم أجندات خاصة”.
لكنّ معارضين سياسيين طرحوا فرضية ثانية تتلخص في أن توجهات الحكومات لإثارة الخوف من استهداف الأردن ليس سوى “فزاعة” لإسكات الأصوات المخالفة وتسويق قوانين مقيّدة تهدد حريات المواطنين.
وكانت دراسة أطلقها المجلس الاقتصادي والاجتماعي مؤخرا تحمل عنوان “الإشاعة ودورها في تشكيل الرأي العام” قد أظهرت أن “48 في المئة من الأردنيين يستقون معلوماتهم من مواقع التواصل الاجتماعي ونشطائه من مؤثرين من داخل الأردن وخارجه”.
ويذكر أن مرصد مصداقية الإعلام الأردني “أكيد”، قد أكد أن شهر سبتمبر من هذا العام سجل 45 إشاعة ما يعتبر ارتفاعا ملحوظا مقارنة بـ33 إشاعة فقط في شهر أغسطس الماضي.
ورصد “أكيد” خلال عام 2020 ما مجموعه 569 إشاعة ارتبطت بقضايا وأحداث مختلفة، أي بمعدّل 47.4 شائعة شهريّا، مُسجّلا ارتفاعا ملحوظا مقارنة مع عام 2019، حينما رصد “أكيد” ما مجموعه 487 شائعة.
الخطير في هذه الإشاعات هو أن أغلبها يُعتبر من الإشاعات العنيدة وتعني أن إشاعة ما تبقى مستمرة وتمتد دورة حياتها طويلا رغم نفيها أكثر من مرة
وشكل حجم الإشاعات الواردة من الخارج أمرا لافتا كما تتبعها “أكيد” إذ أنه من أصل 274 شائعة في 2018، كان هناك 74 شائعة من مصادر خارجية توزعت بين وسائل إعلام عربية أو لصفحات أردنيين من الخارج.
لكنّ المفاجئ أكثر، بحسب نفس المصدر، بأنه في 2019 كانت قد تراجعت مساهمة المصادر الخارجية في إنتاج الإشاعات المتعلقة بالشأن المحلي. وتُعتبر هذه النتيجة مقلقة أكثر من السابق، لأنها آتية من “لوبيات داخلية”، أهدافها وصولية بحتة، أو كما يقول العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني فهي متعلقة بـ “تصفية الحسابات”.
ولا يخفي الملك عبدالله الثاني انزعاجه من حرب الإشاعات التي “تنخر” الأردن، ولا تتوقف عند حدود وقال “أنا أسمع إشاعات كثيرة بالداخل والخارج.. فمن أين يأتون بهذه الأفكار؟ لا نعلم!”. ويكمل الملك رسالته الواضحة “نريد أن نطور بلدنا ونعمل بشفافية ونحارب الفقر والبطالة والواسطة والفساد، لكن من غير المسموح اغتيال الشخصية، والفتنة خط أحمر”.