سومر نجار فنان سوري يجمع الطربي بالشعبي في توزيع موسيقي حديث

يعدّ سومر نجار أحد الفنانين السوريين الحاملين للواء الطرب الأصيل، والمكّرسين للفن الجميل، وهو المتشبّع بجل المشارب الفنية، والقادر على إنشاد كل الصنوف الغنائية بتمكّن فريد، إلاّ أنه كغيره من مطربي سوريا يعاني من شحّ الإنتاج على المستوى الغنائي الأمر الذي عرقل انتشار الأغنية السورية وأدى إلى أفول نجمها على المستوى العربي رغم ما يزخر به البلد من شعراء وموسيقيين وموزعين ومطربين.
دمشق- يبدو سومر نجار في مشواره الفني الذي بدأه مبكرا متمسكا بتقديم طيف واسع من أشكال الفن الغنائي العربي الأصيل، وهو الفن الذي درسه أكاديميا ويدرّسه حاليا في معاهد دمشق الموسيقية.
فبعد سنوات من الدراسة الأكاديمية التي أتمها عام 2009 بتخرجه من المعهد العالي للموسيقى بدمشق، بدأ نجار في تقديم مجموعة من الأعمال الغنائية التي تتشكّل من طيف متعدّد المشارب الفنية بين الشعبي والتراثي والطربي، إلى جانب الأغنية الحديثة.
شحّ الإنتاج
يعاني سومر نجار كما غيره من فناني سوريا من شحّ الجهات الإنتاجية التي من المفترض أن تشكّل حاضنا فنيا لهم، والتي كان غيابها سببا في أفول نجم الغناء السوري على المستوى العربي منذ فترة.
وسوريا يتوفّر فيها كل ما تستلزمه عناصر تقديم فن غنائي معاصر ومتقدّم، لكن الأمر متعثر منذ سنوات، وعن ذلك يقول نجار “لا توجد شركات خاصة تعنى بالإنتاج الغنائي في سوريا، رغم أنها تزخر بالشعراء والموسيقيين والموزعين والمغنيين الجيدين، إلاّ أن ما نفتقده هو رأس المال المنتج والمؤمن بقيمة الأغنية ومدى تأثيرها في الجمهور السوري والعربي على حد سواء”.

سومر نجار: هاجسي أن أقدّم في كل حفل محتوى فنيا مختلفا عمّا سبق
ويضيف “في سوريا ينحصر الإنتاج الغنائي في بعض التجارب الفردية، وهذا مرهق جدا للفنان، كونه يتتطلّب الكثير من المال. لنا في سوريا تجربة ناجحة في مجال الدراما التي تألقت بسبب وجود القطاع الخاص الذي دعّم الجهد الحكومي فيها وجعلها في مراحل متقدّمة عربيا، وأرجو أن يتم التعامل مع إنتاج الغناء كما تم التعامل مع الدراما بجدية ووعي”.
ويدعو نجار إلى ضرورة العمل على حماية حقوق الملكية الأدبية والفنية للمبدعين حتى تتحقّق لهذه الأعمال الحماية اللازمة، مؤكّدا أن “الأعمال الغنائية تعيش أكثر من الدراما والعوائد المالية التي يمكن أن تحقّقها كبيرة، والشركات تكسب الكثير من الحفلات التي تقدّم في مختلف المدن، وكلما زادت يتّسع معها الربح”.
وهو يستغرب عدم وجود شركات إنتاج خاصة للغناء في سوريا، خاصة أن المعنيين يعلمون أن هناك مشاركين سوريين في برامج غنائية عربية شهيرة يحقّقون فيها أعلى
المراتب. ويضيف “لو كان هناك إنتاج منظم في سوريا بالتعاون مع نقابة الفنانين، فإن ذلك سينعكس إيجابيا على الفن السوري بشكل عام”.
ورغم كل العراقيل الإنتاجية التي أخّرت إقلاع الأغنية السورية على المستوى العربي، إلاّ أن نجار يجتهد مع كل مناسبة تتوّفر له لإثبات حضوره المحلي والعربي على السواء، أداته في ذلك صوته المتمكن وحرصه المتجدّد على تقديم أجمل الأغاني العربية التي عاشت في ذاكرة الجماهير.
وكان حفله الأحدث في أوبرا دمشق آخر المناسبات، حيث تعاون فيه مع “أوركسترا قصيد” بقيادة المايسترو كمال سكيكر، مستعرضا فيه مجموعة من الأغنيات السورية واللبنانية والمصرية التي تفاعل معها الجمهور بكثير من الاهتمام.
طيف غنائي متنوّع
عمل سومر نجار مع أوركسترا قصيد على تقديم مجموعة من الأغاني بتوزيع موسيقي حديث قام به كمال سكيكر الذي صار علما سوريا في مجال التوزيع الموسيقي للأغاني، وكان واضحا توجّههما لتقديم أوسع طيف ممكن من الغناء لتحقيق أكبر تفاعل مع جمهور يحمل العديد من الأذواق الفنية المختلفة. فقدّما معا أغاني لزكي ناصيف وزياد الرحباني ونصري شمس الدين وعازار حبيب من لبنان، ومن مصر قدّما أعمالا لكارم محمود والشيخ إمام، ومن سوريا أغاني لرضوان رجب ثم مجموعة من التراث السوري القديم.

"أسمهان" قدّم فيه سومر نجار دورا صوتيا للملحن فريد غصن الذي جسّد شخصيته فادي إبراهيم
وعن التوجه في تقديم طيف واسع من الخيارات الغنائية في حفله يقول نجار مجيبا “العرب”، “لديّ هاجس دائم بأن أحقّق في كل حفل أقدّمه محتوى مختلفا عن ذي قبل، وفي حفلي الأحدث حاولت تقديم أكثر من مدرسة وروح ومزاج، بدءا من الشعبي وحتى الغناء الطربي الثقيل، ليتابع المتلقي الحفل باهتمام ويتّجه إلى ما يحب من الخيارات التي قُدّمت أمامه، ولكي لا يشعر المتلقي بالملل من خلال تقديم شكل واحد، كونه يحقّق له أكبر قدر ممكن من القدرة على التذوّق”.
وعن الخيارات التي قدّمها في الحفل يقول “في الغناء العربي هناك الكثير من الأجواء والأسماء التي تمتلك رصيدا فنيا كبيرا وتركت إرثا هاما، وجدنا أنه من الضروري تكريس ما قدّموه، فبدأنا بتقديم أغنية للموسيقار زكي ناصيف ‘يا ديار إلينا’ الذي يتميّز فنه بالارتباط بالأرض، إضافة إلى الكلمة البسيطة التي تعيش في وجدان الناس. ثم قدّمنا الأغنية الشهيرة ‘الحالة تعبانة يا ليلى’، التي أرى أنها تلامس نبض الشارع في هذا الوقت تحديدا، كونها تحكي هموم الناس في ظرف معاشي صعب تعطلت فيه مشاريع حياتية هامة مثل الخطبة والزواج والأفراح، كذلك فإن هذه الأغنية تذكّرنا بمسرح زياد الرحباني”.
وفي توجهه إلى الغناء الجاد قدّم نجار أغنية “قيدو شمعة” للشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم التي تتحدّث عن الإنسان الذي يدخل لظرف ما في حالة تيه، فيطلب من الآخرين أن يشعلوا شمعة له كي يرى طريقه، ثم قدّم أغنية “عم لملم حناني” للفنان عازار حبيب التي نشأ جيل الثمانينات عليها، وكثيرون أحبوا وبكوا وعرفوا الحب من خلالها، وهي من الفن الرومانسي البسيط.
وبعد هذه الجولة في الحب أدّى نجار أغنية “وحين أعود” التي جمعت بين رضوان رجب وفهد يكن والشاعر محمود درويش، فقدّمها ببعد موسيقي خاص، حيث غابت بعض الآلات الموسيقية وكان التركيز على الكونترباص والتشيللو وفق تصوّر الموزّع الموسيقي سكيكر في إبراز لقوة الكلمات التي كتبها درويش.
ولم يكتف نجار بتقديم هذه الأجواء من الأغاني الملتزمة والحديثة، بل ذهب إلى الأغنية الشعبية والطربية، وخصّ الموسيقار فريد الأطرش والرحابنة والتراث الطربي السوري بحضور هام.
وعن ذلك يقول “رغبنا في تقديم الغناء الشعبي الراقي، والذي يكسر القاعدة القائلة إن الغناء الشعبي هو فن مبتذل، على العكس تماما، فالغناء الشعبي هو فن عالي المستوى وهو يحتوي على الكثير من التجارب التي حقّقت فيه نجاحات كبيرة، منها ما قدّمه الموسيقار فريد الأطرش في أغنيته الشهيرة ‘بتأمر عالراس والعين’ التي تفاعل الجمهور معها بشكل لافت”.
الأعمال الغنائية تعيش أكثر من الدراما والعوائد المالية التي يمكن أن تحقّقها كبيرة، لكن لشركات الإنتاج رأيا آخر
ومن المزاج ذاته قدّم “يا مارق عالطواحين” للفنان نصري شمس الدين، ثم كانت محطته قبل الأخيرة مع الطرب الأصيل من خلال أغنية “مشغول عليك مشغول” لكارم محمود، ليُختتم الحفل بمجموعة من الأغنيات التراثية السورية التي قدّمها بتوزيع جديد وإضافات بسيطة رغبة منه ومن سكيكر في وضع لمسات جديدة تعرّف جمهور الشباب على تشكيل فني مختلف.
وسومر نجار ظهر مبكرا على الساحة الغنائية السورية، حيث شارك في برنامج للهواة في التلفزيون السوري عبر برنامج “طريق النجوم”، ونال فيه المرتبة الأولى عام 1993. درس الموسيقى أكاديميا وتخرّج من المعهد العالي للموسيقى عام 2009 في قسم الغناء الشرقي، وفي العام ذاته بدأ تدريسه في معهد صلحي الوادي للموسيقى.
له مشاركات في الدراما التلفزيونية السورية والعربية بدأت مع المخرج هيثم حقي في مسلسل “الثريا” عام 1998 بشخصية المغني “سهيل”، كما شارك في مسلسل “العرس الحلبي وحكايات من سفر برلك” للمخرج مأمون البني.
وعلى المستوى العربي شارك في العديد من الأعمال بدأت بمسلسل “عرب لندن” ثم أتبعه بمسلسل “أسمهان”، حيث لعب صوتيا شخصية الملحن فريد غصن الذي جسّد شخصيته الفنان اللبناني فادي إبراهيم، كذلك جسّد في مسلسل “ليلى مراد” شخصية زكي مراد، ثم شارك في مسلسل “محمد علي”، كما ظهر مؤخرا في الجزء الحادي عشر من مسلسل “باب الحارة” مؤدّيا دور مطرب شعبي دمشقي.