سوريون يزينون المصريات بفساتين الفرح

محلات فساتين العرس السورية تنتشر في شارع عباس العقاد في القاهرة، حيث تصر أكثر المصريات على ارتداء فستان الزفاف أو الخطوبة المطرز بأياد سورية.
الاثنين 2018/10/22
اختاري ما تشائين فأنت صاحبة ذوق
 

عرف السوريون بخياطة وتجارة فساتين الفرح والسهرات، ورثوها عن آبائهم وأجدادهم وحين غادروا البلاد هربا من ويلات الحرب أخذوا معهم هذه الحرفة إلى البلدان التي استقروا فيها، فذاع صيتهم بسرعة لعوامل عديدة منها براعتهم في هذا الميدان مع براعتهم في حسن التواصل مع الزبائن شعارهم “من لم يشتر من عندنا فسيأتي جيرانه وأقرباؤه إلى محلنا”، وبهذا سيطروا على سوق فساتين الفرح في القاهرة. 

القاهرة- يكفي التجول قليلا في شارع عباس العقاد، إحدى أهم مناطق تجارة الملابس الجاهزة، في حي مدينة نصر بشمال شرق القاهرة، لاكتشاف سيطرة السوريين على غالبية متاجر فساتين الأفراح والسهرات، مع إصرار أكثر المصريات على ألا تكتمل فرحة الُعرس إلا بارتداء فستان الزفاف أو الخطوبة بأياد سورية.

تركت الأزمة تداعياتها على حياة الكثير من المواطنين السوريين، لكنها زادتهم بأسا وقدرة على الإبداع والتغلب على الأوجاع وعدم الاستسلام، وحوّلوا الألم الذي يمرون به إلى فرح يصب في صالح غيرهم.

وتمتاز فساتين الأفراح بجمال التطريز والنقوش الشامية، كما أن أكثر السوريين العاملين في هذا المجال، ورثوا المهنة عن آبائهم وأجدادهم قبل الهجرة إلى مصر بعد الحرب.

واستثمر السوريون شغف المصريات بالجديد على ثقافتهن وعاداتهن في شراء الملابس والفساتين وانخرطوا في المهنة سريعا، حيث كان التجار المصريون يسافرون قديما إلى سوريا لشرائها، ومنذ اندلاع الحرب في سوريا أصبحوا هم التاجر والبائع والمصنّع في وقت واحد.

ولا تنكر سارة جميل، التي اصطحبت والدتها وخطيبها لشراء فستان عُرسها، أن فرحتها تبدأ من لحظة شراء مستلزمات الزفاف ذات الطابع السوري، من التاج والحذاء والأكسسوارات المضيئة وباقة الورد المصنعة من القماش المخرز، وانتهاء بالفستان الأبيض.

وكانت سارة تقف أمام كل فستان، وتبتسم وتقول لخطيبها أريد ذلك، وهنا يهرول صاحب المتجر لنزعه من مكانه وتقديمه إليها، وكلما سألت عن سعره، يرد “المهم أن تكوني جميلة فيه ومقتنعة به، وبعد ذلك نتحدث عن السعر، لن نختلف ولن تخرجي من هنا غاضبة”.

ولم يبد ماهر ثابت، ذلك الشاب السوري صاحب المتجر، أي امتعاض عندما قامت سارة بارتداء ستة فساتين، حتى تستقر على ما يناسب ذوقها، وكان في كل مرة يبادلها الابتسامة ويمتدح جمالها كلما ارتدت واحدا، مع بعض العبارات التي تنم عن حسن ذوقها في الاختيار.

الأحذية من نفس المحل حتى تكون ملائمة
الأحذية من نفس المحل حتى تكون ملائمة

وأمام عدم توافر المقاس الملائم لجسد سارة من الفساتين الموجودة، بادر ماهر بالاعتذار لها وأبلغها عن مكان آخر يمكن أن تجد فيه ما يناسبها، دون فرض رأيه ومحاولة إقناعها بما لديه، أو إبداء الغضب من إرهاقه لقرابة ساعة كاملة، وودعها على مشارف متجره بذات الابتسامة التي استقبلها بها.

ويقول ماهر لـ”العرب” “ميزة السوريين العاملين في مهنة فساتين الأفراح والسهرات، أنهم يهتمون بالسمعة وحسن السيرة والتعامل، أكثر من بحثهم عن الربح، فهذه عروس لديها صديقات وأقارب، وإذا رحلت دون أن تشتري فيكفي أنها خرجت سعيدة”.

ويضيف “مشكلة بعض التجار المصريين أنهم يتعاملون بالعكس، هناك من يبلغ العروس بأن الفستان جديد، مع أنه قام بتأجيره قبل ذلك، ويضعه ضمن الفساتين التي لم ترتدها فتاة من قبل.. هذه خدعة للعروس لا نفعلها، ونعتبر الثقة المدخل الأساسي للتوسع في المهنة”.

وتوفر المتاجر السورية الفساتين لمختلف الفئات بأسعار تتفاوت حسب قدرات كل أسرة، ويمكن لغير القادرين استئجار فستان لليلة واحدة بنحو ألف جنيه (55 دولارا)، وبعد استلامه يقوم بتنظيفه وعرضه ضمن الفئات المستعملة سابقا، ونادرا ما يتشدد صاحب المتجر في تكلفة تأجيره.

واستفاد أبناء الجالية السورية من الاندماج مع المصريين سريعا، بحكم التعاطف معهم والتقارب في العادات والتقاليد واللغة، ويقول بعض أصحاب المتاجر “من شدة انخراطنا أصبحنا نعرف أذواق الفتيات من النظرة الأولى؛ هناك من تهوى كثرة الزينة في الفستان، وثانية شغوفة بالبساطة، وثالثة تريد التأجير، ورابعة لا تقبل أن يرتدي الفستان فتاة قبلها”. ويوجد في شارع عباس العقاد أكثر من 70 متجرا لبيع فساتين الأفراح، نادرا ما تجد بينها واحدا يمتلكه مصري، لكن في مناطق أخرى، مثل شوارع روكسي ومكرم عبيد في القاهرة، تنتشر المتاجر السورية مع المصرية، لكن الأخيرة أصبحت مضطرة لتحسين جودتها والتعامل مع الزبائن للحفاظ على الاستمرار والقدرة على المنافسة وتجنب الاختفاء من السوق.

وتبدو المنافسة بين الفساتين المصرية والسورية غير متكافئة، لأن أكثر الفتيات يعتبرن ارتداء فستان سوري ليلة العرس نوعا من الوجاهة الاجتماعية، حيث يتميز بطول الذيل والتطريز المميز والنقوش المزينة على الطريقة الشامية، ويسهل على المدعوين للعُرس اكتشافه.

وهناك ثغرة أخرى يتمدد منها السوريون للاستحواذ على تجارة الفساتين في مصر، تكمن في كسل واستسهال الشباب المصري، فمثلا، يتميز السوري بحب العمل حتى في المناسبات والأعياد دون راحة، وإذا لم يكن لديه الفستان الملائم للفتاة يحصل على مواصفاته ويأتي به في اليوم التالي.

ويؤكد مهند سامي، سوري الجنسية، أن “أكثر المتاجر السورية ترفض عمل الشباب المصري بها، بينما يتم الاعتماد على الفتيات المصريات بشكل شبه كامل في مساعدة صاحب المتجر، لأنهن يتحملن المسؤولية وشغوفات بالخروج للعمل ولديهن عزيمة على إثبات الذات”.

وتعمل لدى مهند ست فتيات موزعات على ثلاثة متاجر، وتقول إحداهن وتدعى فاطمة، “هم يقدسون العمل، وكل التعاملات لا تخرج عن هذا الحد، والأهم من ذلك التعامل برقي وتقدير دون إهانة أو كلام غير مبقول، وانعكس ذلك بشكل إيجابي على تعاملي الحياتي مع الناس″.

مقاسات وموديلات متنوعة
مقاسات وموديلات متنوعة

واللافت أن ثقافة الأمثال الشعبية السورية المرتبطة بآليات العمل والمكسب والخسارة، مازالت راسخة في أذهان أصحاب المتاجر منذ قدومهم إلى مصر، وكانت مقدمة لتوسعاتهم الكبيرة والاستحواذ النسبي على السوق، من أهمها “أطعم تسعة لتأكل العشرة”، أي يحصلون على واحد من عشرة فقط.

ويأخذ انتشار السوريين العاملين في تجارة الفساتين بمصر أبعادا مرتبطة بثقافات وعادات وتقاليد البلد الأم الذي تربوا ونشأوا فيه، فمثلا تجد أكثر الموجودين في القاهرة، من سكان حلب أو دمشق، بينما شباب وأسر المناطق الريفية يستقرون في أحياء مصرية نائية.

ويعرف مهند مجموعات كبيرة من الأسر التي كانت تعمل في مجال الأقمشة والأزياء والملابس بمنطقة دير الزور في سوريا قبل الحرب، وتمارس المهنة حاليا في بعض محافظات جنوب مصر، لأنها قريبة من تقاليدها وثقافتها التي تربت عليها، لا سيما ما يرتبط بالعلاقة مع السيدات والجيران، وهي عادات راسخة عند المجتمع الصعيدي في مصر.

وكان انفتاح المجتمع في جنوب مصر وتخليه عن بعض القيود، ومنها المرتبط بملابس الفتيات، فرصة للسوريين للتوسع في نشاطهم هناك، وباتت الفتاة بحاجة إلى التغيير والخروج مجاراة للموضة المستوردة، ما أوجد لبعض الشباب السوري بيئة خصبة للانتشار.

ويتحصل أصحاب المتاجر السورية على الفساتين من المنطقة الصناعية السورية بحي التجمع الخامس، في شمال القاهرة، وتقتصر ملكيتها والعمالة فيها على السوريين الذين جاؤوا بخبرات المهنة من بلادهم.

20