سوريا تنشئ ثالث سينماتيك في العالم العربي

السينماتيك، أو المكتبة السينمائية، فكرة تعني وجود مركز سينمائي متخصّص يحتوي على الكثير من أفلام السينما بأشكالها وأطوالها وتوجهاتها، يتم عرضها في المطلق في قاعات صغيرة للمعنيين بالفن السابع. وعادة ما توجد في السينماتيك أفلام نادرة وقديمة، تعمل الدولة على حمايتها من التلف والضياع، هذه التجربة فرنسية المنشأ تم إحداثها أخيرا في سوريا لأرشفة سينما البلد.
دمشق – لم يكن لموضوع أرشفة الأفلام وتصنيفها والعمل على إعداد خطط مبرمجة لترميم القديم والتالف منها نصيب كبير من الاهتمام في البلدان العربية، إذ لم تنشئ مصر الدولة العريقة في إنتاج السينما، إلى حد الآن، مركزا للسينماتيك.
وتبدو تجربة السينماتيك الجزائرية متفردة في هذا المجال، حيث وجدت التجربة ولو بصيغة خاصة منذ ستينات القرن العشرين وقدّمت خدمات للجمهور المحلي والعالمي. لكنها كانت مخصّصة لمجموعة من المهام السينمائية بما يفوق المعنى التخصّصي لمفهوم السينماتيك الشامل. ثم كانت التجربة التونسية عام 2017، التي أوجدت مركزا سينمائيا متخصّصا “مكتبة الأفلام التونسية/ السينماتيك” وحقّقت نجاحا باهرا.
وقبل فترة وجيزة، وتحديدا في أوائل شهر ديسمبر من العام 2019، أحدثت المؤسسة العامة للسينما في سوريا التابعة لوزارة الثقافة “المكتبة الوطنية للسينما/ السينماتيك” لتكون التجربة العربية الثالثة في هذا المجال الهام.
وألحقت السينماتيك السورية بصالة كندي دمشق، وهي إحدى صالتين سينمائيتين تعودان للمؤسسة العامة للسينما بسوريا، زوّدت الصالة بأحدث تجهيزات الكمبيوتر التي تقدّم عروض الأفلام عبر تسعة أجهزة يمكن لكل زائر متابعة ما يريد من الأفلام عبر تخصيصه بجهاز يعرض فيلمه المختار.
وفي زيارة لـ”العرب” لأول سينماتيك سورية، حاورت مديرها نبيل حمام مستوضحة منه آفاق التجربة والهدف منها. فقال “الهدف بلا شك، هو حفظ الأفلام السورية القديمة التي أنتجت في البلد، وعرضها لمن يهمّه الأمر، الشيء الذي يحميها من التلف والضياع”.
وفي صالة كندي يجد الزائر الأفلام السورية القديمة الشهيرة مثل “تحت سماء دمشق” و”أحلام المدينة” و”المخدوعون” و”العاشق” و”حادثة النصف متر” وغيرها.
ويقدّم المركز في مرحلته التأسيسية مجموعة كبيرة من الأفلام المحلية والعربية والعالمية التي وصل عددها لما يناهز الألف ومئتي فيلم. ويضيف حمام “نحن في حالة سعي دائم للحصول على المزيد من الأفلام، بحيث نغذّي السينمايتك بخيارات جديدة محلية وعالمية، والصالة تفتح أبوابها من التاسعة صباحا وحتى الثامنة مساء بشكل يومي، وهناك فريق مساعد موجود دائما ليقدّم الإجابات أو الخدمات التي يطلبها الزائر”.
وعن الشريحة المستهدفة من إقامة السينماتيك وآلية الإفادة من خدماتها، يوضّح مدير سينماتيك سوريا “الشريحة الأكثر تفاعلا مع السينماتيك هم الطلبة ومن ثم الباحثون والنقاد السينمائيون، فطلاب دبلوم السينما هم على تماس مباشر معنا، وكذلك سيكون الأمر مع المعهد العالي للسينما المزمع إنشاؤه قريبا”. ويضيف نبيل حمام “نحن نقدّم لهؤلاء الزوار كل ما يمكننا من خدمات تتعلق بالمادة البصرية، كما يمكنهم الاستفادة من الكتب الورقية التي تصدر عن المؤسسة ضمن سلسلة الفن السابع، والتي تحتوي على إصدارات فكرية سينمائية كبرى متوفرة لكل راغب فيها”.
ومن هناك توفّر السينماتيك مادة بصرية وورقية داعمة بشكل كبير لأي باحث أو ناقد أو طالب سينمائي في سوريا، حيث بدأ التفاعل مع محتويات السينماتيك منذ إطلاقها قبل شهر، ويتوقع حمام أن يكون التفاعل معها أكبر في قادم الأيام بعد أن تقدّم نشاطاتها ويعلم الناس بها بشكل أفضل.
وانطلقت مغامرة إنشاء السينماتيك، في ثلاثينات القرن العشرين، عندما فكر الشاب الفرنسي هنري لونغلوا مع صديقه جورج فرانغو، واللذان كانا مهتمين بالسينما، وخاصة تجربة السرياليين فيها أمثال بونويل ودالي.. فقرّرا فتح صالة سينمائية لعرض الأفلام القديمة والنادرة، وساعدهم في ذلك الناشر المهتم بفن السينما، بول أوغست هارلي، الذي قدّم الدعم المالي لهما لتأسيس الصالة التي كانت تقع في شارع الشانزيليزيه في قلب العاصمة باريس، لتبدأ رحلة أرشفة الأفلام في فرنسا أولا ثم العالم بأكمله.
وبعد أعوام من المثابرة والعمل وتحت ضغط حالة ضيق المكان الذي لم يعد يستوعب الآلاف من الأفلام، تدخلت الدولة الفرنسية وقدمت قصر شايو ليكون المقر الجديد للسينماتيك الفرنسية الواقعة على ضفة نهر السين. وصارت السينماتيك الفرنسية معلما ثقافيا وفنيا عالميا، يحتوي على عشرات آلاف الأفلام وحوالي 23 ألف ملصق ومليوني صورة سينمائية وخمسمئة سيناريو والكثير من إكسسوارات العمل السينمائي، وكذلك أول جهاز تلفزيون صنع في العالم.
ويؤكد السينمائيون دائما على أن تصنيف أو أرشفة الإبداع السينمائي، هو إحدى الوسائل الهامة التي تحفظ وتفعّل حالة تعلّم فن السينما من خلال وجود الآلاف من الخيارات السينمائية التي تتيح لطلاب علوم السينما أو نقادها التعرّف على التراث السينمائي العالمي.
وعنها كتب جان رينوار “نحن مدينون لهنري بتقدّمنا نحو عشق السينما، فالسينماتيك هي أفضل مدرسة لجيل الشباب ومخرجي الموجة الجديدة الذين قضوا سنواتهم الأولى وهم يشاهدون الأفلام”.