سوء تقدير الذات.. مسافة أمان كافية لتجاهل فكرة الموت

أكدت الدراسات الحديثة على أن الأشخاص الذين يعانون من تدني احترام الذات أو من مشاكل تتعلق بعدم الثقة بالنفس، هم الأكثر انشغالا عن فكرة الموت وما يتعلق بها من أفكار سوداوية.
وترى الدكتورة جيسيكا كروكان، باحثة وعالمة نفس في جامعة تكساس الأميركية، وصاحبة مجموعة من المؤلفات في مجال علم النفس أهمها “علم النفس الإنساني” و”تشكيل الذات المتطورة”، أن التمتع بالصحة النفسية لا يرتبط بالضرورة بشعور دائم بالسعادة، كذلك الحال مع المعاناة النفسية.
أبرز صفات المحقق لذاته هي السلبية وربما الانطواء واعتزال الناس في حين يقتصر في علاقاته الاجتماعية على الأقارب والمقربين
وكان عالم النفس الأميركي الراحل إبراهام ماسلو، الذي أسس نظرية “هرم الحاجات” المتفردة والمميزة والتي عنت بصياغة نسق مترابط يفسر من خلاله طبيعة الدوافع أو الحاجات التي تحرك السلوك الإنساني وتشكّله، افترض أن الحاجات أو الدوافع الإنسانية تنتظم بتدرج أو في شكل نظام متصاعد من حيث الأولوية أو شدة التأثير، فعندما تشبع الحاجات الأكثر أولوية أو الأعظم حاجة وإلحاحا، فإن الحاجات التالية في التدرج الهرمي تبرز وتطلب الإشباع هي الأخرى، وعندما تشبع نكون قد صعدنا درجة أعلى على سلم الدوافع، وهكذا حتى نصل إلى قمته.
وفي هذا السياق، وضمن طبقات “هرم” الحاجات هذه تبرز الحاجة إلى تحقيق الذات، حيث يصف ماسلو تحقيق الذات بأنها احتياج الفرد لأن يكون قادرا على القيام بالعمل الذي يرغب في مزاولته بدوافع ذاتية، أي أنه يمتلك المهارة والمقدرة والرغبة في هذا العمل الذي يليق بقدراته الكامنة في أعماقه والشخص المحقق لذاته يتمركز تفكيره عادة حول الحقائق، ولذلك يستطيع بسهولة التمييز بين ماهو حقيقي وزائف، كما يتضاعف اهتمامه أيضا بكل ما يتعلق بـ”المشكلات والحلول”، فالصعوبات الحياتية التي نواجهها بشكل يومي بحاجة إلى تشخيص ثم علاج، وهو يعتبرها شغله الشاغل وليست مجرد مشاكل شخصية يمكن تجاهلها.
ومن وجهة نظر ماسلو فإن أبرز صفات المحقق لذاته هي السلبية وربما الانطواء واعتزال الناس في حين يقتصر في علاقاته الاجتماعية على الأقارب والمقربين جدا من الأصدقاء.
الشخص الذي يعاني من تدني احترام الذات، لديه قدرة أقل للوصول إلى التفاصيل والحقائق المتعلقة بالحياة والموت
هذه الأسباب جميعها تجعل من أشخاص بذاتهم أكثر حساسية تجاه مواضيع معينة مثل الموت وكلما توصلوا إلى حقائق أو بديهيات ازدادت شكوكهم، وازداد إحباطهم في مواجهة الواقع .
ويرى ماسلو أن واحدة من أكثر الجوانب حساسية في وعي الإنسان بنهايته وبالموت الذي ينتظره، هي أن كل الأشياء التي حوله تأخذ أبعادا مضاعفة من الأهمية، فتصبح الأشياء فجأة ثمينة والخسارات فادحة، فالزهور والأشجار والأصدقاء والأطفال والطعام والشراب وحتى الهواء النقي الذي نستنشقه بالمجان، تمثل مكتسبات مهمة في مواجهة الموت والخسارة المؤجلة.
ولهذا، تعتقد جيسيكا كروكان أن الشخص الذي يعاني من تدني احترام الذات، لديه قدرة أقل للوصول إلى هذه التفاصيل والحقائق المتعلقة بالحياة والموت، كما أن ارتباطه بالأشياء والأشخاص ضعيف إلى حد ما.
ويبدو أن الوعي الذي يعمل بكامل طاقته مع بعض الأشخاص الذين يحققون ويثقون بذواتهم، هو العمل الشاق والمتواصل لملاحقة الحقائق ونهايات الأشياء، لذلك تبدو لهم السعادة أحيانا وهما وغاية صعبة المنال.
“أليس الموت هو الحد الفاصل الذي نحتاجه لوضع نهاية لكل شيء، أليس هو من يمنح الأشياء ثقلها وأهميتها والإحساس بها؟ عليك أن تسأل نفسك دائما، فيما إذا كان أي شيء تفعله في هذه الحياة سيحمل كل معاني الأهمية والجمال من دون الوعي بالنهاية المحتومة للحياة؟”، هذه هي قراءة دان دليلو لمعنى الوجود.