سندويتش صبر وصُبّار

المعلقون بأهداب الطبقة المتوسطة المجبرون على رجيم الغلاء القسري تدحرجوا إلى عنق الزجاجة قابعون فيها يقرأون نشرة الأسعار. 
الخميس 2022/12/29
الأسعار تحرقنا وتلتهم نارها جيوبنا

نام أهل الكهف مئات السنين ليعلموا بعدها أن هناك ارتفاعا في الأسعار، أما نحن، فحذار أن ينام أحدنا ليلة أو يأخذ قيلولة قصيرة، فما اشتريناه قبل الغفوة بسعر سنجده بعدها بسعر مضاعف في غفلة منا.

التونسيون كجحا حين قيل له إن نارا اشتعلت في حيّه فقال: ما شأني إذا كان بيتي بخير، ثم قيل له، منزلك يشتعل يا جحا، فقال ما شأني إن كنت أنا بخير.. لن ينزعج جحا إلا إذا التهمت النار جسده، وكذلك نحن اليوم، تحرقنا الأسعار وتلتهم نارها جيوبنا.

فمرضى السكري يقولون لا حاجة لنا بالمرطبات واللذائذ، ومرضى ضغط الدم يقولون ما نفع اللحم لمثلنا، أما الأغنياء فيشترونه نهما وتبجحا بثرائهم.

يقول الفقراء إن البروتينات موجودة في البقول الجافة وبعض الفيتامينات في دفء الشمس، وأما الفواكه فقد طردها الطبق الرئيسي منذ زمان من طاولة العائلة، وكلما غلا سعر مادة عوضوها بأخرى.

سأل فقير جاره في حي هجرته الكلاب، ماذا ستطبخ اليوم للعشاء؟ فأجابه “طنجرة” رغوة وسأحلّي بالصبر.

تحدثا كثيرا عن منافع الصبر والضحك والعودة إلى عادات الأجداد في طبخ الخبز في البيت وصناعة الغذاء من القمح والشعير وقلة إخلاص الحيوانات السائبة، فالجوع ينظف الأحياء.

قال أحدهم متحدثا عن منافع الخضار للصحة إن كان العشب مفيدا يطيل العمر ويطرد الأمراض فسنرعى في الأرض ونقيم صلاة الاستسقاء ليكون الموسم خصبا.

وتمادي أحدهم يحكي عن المداواة بالأعشاب التي أنقذت أجدادهم للملايين من السنين من المغص ونزلات البرد والسعال والغازات في البطن وحتى كسر العظام.

رد عليه الآخر قائلا: سمعت أن شعوب المكسيك وكندا وحتى في الولايات المتحدة الأميركية الثرية يصنعون من الصبار مشاوي وسندويتشات وشيبس مقرمش وعصيرا يفوق كل العصائر وربما مخللات.. هات لي شاطر ومشطور وبينهما كامخ الصبر والصبار.

أما أولئك المعلقون بأهداب الطبقة المتوسطة المجبرون على رجيم الغلاء القسري فقد تدحرجوا إلى عنق الزجاجة قابعون فيها يقرأون نشرة الأسعار.

التحية بين الموظفين ببدلاتهم التي تغيرت ألوانها وصارت شاحبة، ليست إلا فاتحة وابل من الأسئلة حول منحة أو علاوة أو حيلة لقرض تكميلي من البنك لينتهي الحديث بطلب سلفة يقسم سائلها أنه سيعيد الدين قبل مماته.

وفي الأحياء التي يسكنها الموظفون في الأرض مازالت بعض القطط تتربص بعلب السردين والتونة الفارغة، لم تعلم بعد أنه لم يبق لهم سوى لعب الورق وقصص نميمة.

ولو استرقت القطط السمع من مقهى الحي لبلغتها أحاديث الأيام الصعبة، لو سمعت كل ذلك لحملت معها الكلاب الشاردة وغادرت في مركب متهالك إلى الضفة الأخرى من المتوسط  في هجرة سرية.

20