سنة مرعبة للخياطات في كمبوديا: كورونا أغلق معامل النسيج

قطاع الملابس في كمبوديا تعرض لضربة مزدوجة هذا العام بسبب جائحة كورونا والتعريفات الجمركية المفروضة من الاتحاد الأوروبي على انتهاكات حقوق الإنسان.
السبت 2020/12/19
مصانع تحاول لملمة الخسائر

ضربت جائحة كورونا قطاع النسيج والخياطة في كمبوديا والذي يشكل مصدر تمويل رئيسي ومشغلا للآلاف من الموظفين، حيث وجدت ماركات صناعة الأزياء العالمية والمصانع نفسها في مواجهة ضعف الطلب وانهيار الصادرات ما راكم خسائر أحد أكبر القطاعات الاستراتيجية.

كاندال (كمبوديا)- وجدت شركات صناعة الأزياء العالمية ومصانع النسيج والخياطة العالمية نفسها في مأزق كبير جراء كورونا حيث أجبر الوباء صناعة المنسوجات على التوقف ما أحال الآلاف من الموظفين إلى البطالة وعمّق خسائر القطاع.

وفي هذا السياق سجل قطاع النسيج مصدر التمويل الأول لكمبوديا بعد قطاع السياحة خسائر كبيرة وتحدثت العديد من الخياطات عن تجاربهن في فقدان الوظائف ومأساة الوباء على الصناعة الحيوية.

وتعمل إل أون فانا على مدار الساعة منذ أشهر لكنها لم تعد تخيط الملابس، فهي تحرس الآلات في مصنع الملابس المهجور في كمبوديا أين عملت ذات يوم. وترى في آلات الخياطة أملها الوحيد في إنقاذ منزلها وأرضها، التي قدمتها ضمانا للحصول على قرض لإطعام نفسها ووالديها المريضين بعد أن أدت جائحة فايروس كورونا المستجد إلى إغلاق المصنع في مارس.

وقالت فانا “هذه الآلات هي أموالي، إنها حياتي”. وتعهدت باحتجازها حتى تتلقى حوالي ألفي دولار من الأجور والمكافآت المستحقة منذ أن أغلق مدراؤها المصنع الواقع على بعد حوالي 50 كيلومترا جنوب العاصمة بنوم بنه دون سابق إنذار. وتابعت وهي جالسة بين 6 عاملات سابقات يحرسن المصنع على مدار الساعة “نحن لا نعرف سوى كيفية خياطة الملابس. لكننا لا نرى أي أمل في الصناعة، فقط عمليات الإغلاق والإقالة، لذلك لا يمكننا الاستسلام”، وكنّ طردن في أغسطس الرجال الذين أرسلهم أصحاب المصنع لاسترداد الآلات.

وتعرض قطاع الملابس في كمبوديا لضربة مزدوجة هذا العام بسبب جائحة فايروس كورونا والتعريفات الجمركية المفروضة من الاتحاد الأوروبي على انتهاكات حقوق الإنسان. وتبلغ تكلفته 7 مليارات دولار، وهو أكبر موفر للوظائف في البلاد، إذ يضم 800 ألف عامل، معظمهم من النساء.

وفقدت بعض الصادرات الكمبودية الإعفاء من الرسوم الجمركية إلى الاتحاد الأوروبي في أغسطس، إذ أشار التكتل إلى استيائه من قمع الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا للمعارضة والمجتمع المدني ووسائل الإعلام. وأكّد المدافعون عن العمال تراجعا عن منح الحقوق التي افتكها العاملون بصعوبة، “إذ عطّل الفايروس النقابات في المصانع وشهدنا تدنيا في الأجور وظروف عمل أولئك الذين ما زالوا يشتغلون”.

تسريح آلاف الموظفين وعدم صرف الرواتب في سلاسل توريد الملابس وصناعة الأزياء العالمية
تسريح آلاف الموظفين وعدم صرف الرواتب في سلاسل توريد الملابس وصناعة الأزياء العالمية

قدمت كمبوديا بعض المساعدة لعمال الملابس المسرّحين، لكنّ العمال والمدافعين يقولون إنها غير كافية ويصعب الوصول إليها. وقال المتحدث باسم وزارة التشغيل هينغ سور لمؤسسة تومسون رويترز “إن عملية التقدم للحصول على دعم مالي لم تكن صعبة على الإطلاق.. طالما أن المصنع يقدم طلب التعليق بشكل صحيح”.

في جميع أنحاء العالم النامي، سُرّح الملايين من العمال في سلاسل توريد الملابس وتُركوا دون رواتب في 2020 حين ضرب الوباء صناعة الأزياء العالمية. ولم يتلق العمال الكمبوديون أجورهم التي  تتجاوز مجتمعة 120 مليون دولار للأشهر الثلاثة الأولى من الوباء وحدها، وفقا لجماعة العمل “لابور بيوند ذا ليبل”، التي وصفت الأمر بالأزمة الإنسانية المتصاعدة.

وانخفضت الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي التي تبلغ قيمتها عادةً حوالي 5.5 مليار دولار سنويا بنحو مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من سنة 2020. وحثت العلامات التجارية العالمية، بما في ذلك أديداس وليفي شتراوس، كمبوديا على إسقاط التهم الجنائية ضد زعماء النقابات. لكن رئيس الوزراء هون سين، الذي لا يزال في السلطة منذ 35 عاما، قال إن بلاده لن “تنحني” للمطالب الأجنبية.

وصف بنت غيهرت، المدير الميداني لفرع مجموعة مراقبة اتحاد حقوق العمال في جنوب شرق آسيا، 2020 بالسنة المرعبة لعمال الملابس. وقال “إن أداء البلاد في مجال حقوق العمال تدهور لدرجة أنه أصبح عبئا تسويقيا للبلاد وزاد من مخاطر تشويه سمعة العلامات التجارية”.

وتتضارب الآراء حول مستقبل الصناعة. قال كين لو، ممثل أصحاب المصانع، إن 110 منها على الأقل أغلقت بشكل دائم بسبب انعدام الطلبات. ولا يزال مصير العشرات غير معروف، مضيفا أن الوضع سيتضح عندما يحين موعد دفع رسوم العضويات في 2021.

ويرى أن صناعة الملابس في كمبوديا أصبحت تستعد للانتعاش مع ارتفاع الصادرات إلى الولايات المتحدة في 2020، إذ شهد تسجيل أكثر من 60 مصنعا جديدا. كما أن عدد حالات الإصابة بفايروس كورونا في كمبوديا أقل بكثير من مراكز الإنتاج الآسيوية الأخرى.

في حين سجلت الهند ما يقرب من 10 ملايين إصابة، وهي ثاني أعلى نسبة إصابة على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة، وميانمار أكثر من 100 ألف حالة، بقيت كمبوديا في حدود 400 حالة ولم تكن هناك وفيات، وفقا لإحصاءات جامعة جونزهوبكينز.

وقال لو “انظر إلى البدائل وميانمار، على سبيل المثال، أين يخرج فايروس كورونا عن السيطرة. سيكون هذا عاملاً للمستثمرين في المستقبل”. وهو متفائل بشأن التجارة مع بريطانيا بعد استكمال خروجها من الاتحاد الأوروبي في 31 ديسمبر، والذي سينهي رسوم التكتل الجمركية ويسمح لكمبوديا بالتصدير إلى بريطانيا معفاة من الرسوم الجمركية.

1 مليار دولار قيمة انخفاض صادرات النسيج إلى أوروبا خلال الأشهر التسعة الأولى من 2020

لكن شركة الأزياء العملاقة إتش.آند.أم، التي تدير نحو 50 مصنعا في كمبوديا، قالت إن التوريد فيها أصبح “مثيرا للمشاكل ” بسبب زيادة التعريفات وحقوق العمال والمخاوف البيئية، لاسيما لاستثمارها الضخم الأخير في الفحم. وقال كريستر هورن أف أمين، مدير شركة إتش.آند.أم في كمبوديا، إن “دول الإنتاج التي تستمر في اعتماد الفحم كمصدر طاقة يمكن أن تخسر استثمارات مستقبلية”.

من ناحية أخرى، قالت يانغ سوفورن، رئيسة التحالف الكمبودي للنقابات العمالية، إنه بالنسبة إلى الكمبوديين العاملين، أدت المنافسة إلى تدهور الأوضاع واستمر استهداف النقابيين. وتابعت “في الشهر الماضي وحده، نظمنا نقابتين محليتين جديدتين في المصانع، وتعرض قادتنا بالفعل إما لتهديدات بالفصل أو بالفصل الفعلي”.

من المقرر أن يحصل عمال الملابس في كمبوديا على زيادة بدولارين في الحد الأدنى للأجور إلى 192 دولارا شهريا في يناير. ولا يزال هذا أقل من تكاليف المعيشة البالغة 588 دولارا.

قالت النساء اللاتي يحرسن آلات الخياطة في مصنع فانا السابق، ولكل منهن ديون تتراوح من بضع مئات إلى بضعة آلاف من الدولارات، إنهن لن يغادرن. وأضافت إحداهن “بعت دراجتي النارية الآن ولا يمكنني الذهاب إلى أي مكان. لكن، سنكافح حتى النهاية. هذه هي حياة العامل”.

10