سناء هيشري فنانة تشكيلية تضحك الناس بلوحاتها

فنانة يحتل عالم الطفولة مكانة بارزة في تجربتها.
الاثنين 2023/06/12
أمل فتاة ألهمت الفنانة

ينظر الأطفال إلى العالم نظرة تختلف عن تلك التي يمتلكها الكبار، لكنها نظرة تعلّم كل من يهتم بها دروسا كبيرة في فهم الحياة على سجيتها، وفي أن العلاقات الإنسانية قد تكون أكثر بساطة مما يعتقده الآخرون. من هذا المنطلق جاءت لوحات الفنانة سناء هيشري الأخيرة لتقدم مفهوم السعادة كما توضحه فتاة يتيمة لم تتجاوز بعد ثماني سنوات.

طفولة وبراءة ترسمها الفنانة التشكيلية سناء هيشري ترتبط ارتباطا وثيقا بالمفاهيم التربوية والجمالية وهو موضوع مهم في لوحاتها، من خلال تركيزها على نظرة الطفل اليتيم وإسعاد الناس الذي يُعتبر فنّا لا يعرفه الكثيرون!

تقود الفنانة والباحثة الأستاذة سناء هيشري ورشات رسم إبداعيّة للأطفال لفترة تفوق العقدين وقد احتل عالم الطفولة دائما مكانة بارزة في حياتها، لذلك كان من الطبيعي أن تستوحي من هذا الكون البريء تجربتها التشكيلية وتستلهم فنّها ولوحاتها من عالم الطفولة، جامعة لوحات فنية بأحجام كبير مؤلّفة من تقنيات مختلطة تعكس موضوع الطفولة.

غالبية أعمال الرسامة الفنية هي إنتاجات حديثة رسمتها بأسلوب فني يترك مساحة كبيرة لإلهام اللحظة.

اللوحة بطلتها فتاة صغيرة ويتيمة اسمها أمل سعدون، تُكلّف نفسها بمهمّة جعل الحزين يبتسم

عن ذلك تقول سناء “في الواقع، أنا أعمل في الغالب عن طريق الغريزة أو الحدس ولا أعرف حقا ما الذي سيظهر على سطح لوحة الكانفاس، أترك مجالا للا وعي ولا أُراقب نفسي، بهذا ولدت لوحتي الجديدة التي هي بحجم كبير وبتقنيات مختلفة من ألوان زيتية وأكريليك غير مُخففة استعملتُها مُباشرة من الأنبوب مع عدّة خامات أخرى، رسمتها بطريقة غير كلاسيكيّة مُبتعدة كليّا عن المُعتاد بخربشات وضربات بالسكين لأُعطيها عُمقا بلمسات طلاء سميكة بما يكفي للاحتفاظ بعلامة وبصمة السكيّن التي طبقتها على لوحة الكانفاس”.

وتوضح “اللوحة بطلتُها فتاة صغيرة اسمها أمل سعدون يتيمة تبلغ من العمر 8 سنوات، تُكلّف نفسها بمهمّة جعل الحزين يبتسم”.

وتتابع “نعلم جميعنا أن الأطفال مختلفون تماما عن بعضهم البعض، لكل شخص طريقته الخاصة في التفاعل مع بيئته، والتعبير عن مشاعره والتواصل مع الآخرين وهذا يعتمد على مزاجهم ونفسيتهم. فمُنذ لحظة تعرّفي على أمل، لاحظت أنها شخصيّة فريدة على الرغم من صغر سنّها، رقيقة وجميلة تحمل طاقة إيجابية رهيبة فقد فقدت أمل والديها في سن الخامسة ومع ذلك قررت هذه الطفلة الصغيرة الانتقام من الحياة، لقد اتّخذت مُهمّة في جعل أكبر عدد من المارة يبتسمون وجعلتني أرسمها وأستلهم فني ولوحتي وألواني من شخصيتها القوية رغم صغر سنّها”.

وتكمل “هذه الفتاة الصغيرة هي دليل على أنّ الأطفال يمكنهم إعطاء عِبر ودروس حياة رائعة للبالغين. قصّة أمل كان يمكن أن تجعلها طفلة حزينة ومنطوية يسودها الخوف والاكتئاب، لكنّها قرّرت الانتقام من الحياة ولم تدع الحزن يسقطها ويتغلّب عليها. هي بالكاد تبلغ من العمر 5 سنوات، عندما فقدت هذه الصبيّة الصغيرة من مدينة القيروان والديها وأوكلت إلى خالتها للاعتناء بها وتربيتها”.

وتقول الفنانة سناء “كان لي حديث مع السيّدة فاطمة، هذه الخالة الكريمة والطيبة التي قصّت عليّ حكاية أمل وقصّتها الرائعة في نشر الابتسامة في شوارع القيروان مُكملة حديثها: قبل أيام قليلة، كنت أضع ابنة أُختي أمل في الفراش لتنام عندما قالت لي يا خالتي، لقد سئمت من الناس العابسة، علينا أن نجعلهم يبتسمون. ضحكتُ مُتعجّبة من كلامها وسألتها: أنت محقة تماما يا حبيبتي، ماذا علينا أن نفعل؟ قالت لي: نمشي في الشارع ونجعلهم فرحين ومبتسمين. نصحتُها بالنوم لِتستيقظ برأس مليء بالأفكار وفي الصباح إن شاء الله سنتفق علي مُخطط لجعل الناس سعداء ومبتسمين”.

وتتابع الفنانة “قالت لي الخالة فاطمة إن في صباح اليوم التالي من أحد أيام شهر يوليو الصيفي، توجهت أمل رفقة خالتها إلى السوبر ماركت للقيام بعض التسوق، شراء الحلويات المتنوعة وبعض الفطائر، بعدها نزلتا إلى الشوارع بحثا عن أشخاص غير سعداء. وتضحك الخالة فاطمة قائلة: بمجرّد أن ترى أمل شخصا يبدو حزينا، كانت تقول لي، خالتي لنمنحه حلوى وقطعة من الفطيرة. في غضون يومين جعلت أمل 300 شخص في مدينة القيروان يبتسمون. وهو رقم كبير جعل الخالة فاطمة تتفاجأ”.

لقد فقدت هذه الطفلة الكثير بالفعل في حياتها ومع ذلك فهي قلقة فقط بشأن رؤية الآخرين يبتسمون. إدخال البسمة والبهجة على قلوب الأشخاص هذه فرحتها وهذا ما يجعلها سعيدة.

فنانة تبحث عن التميز
فنانة تبحث عن التميز

أكملت الخالة فاطمة حديثها “فخورة جدا بابنة أختي، فهي رغم صغر سنها تتميّز بخصال جميلة وقلب طيب. تنشر السعادة والطاقة الإيجابية لذلك قررنا مواصلة هذه المهمة”.

لوحة الفنانة سناء هيشري فنيّة تعكس دروسا ورسالة من طفلة صغيرة ويتيمة الأبوين تُعلّمنا أن الطّريق إلى السعادة هو إسعاد الآخرين وأنّ فعل الخير والدّوام عليه يجلب الخيرات!

سناء هيشري فنانة تشكيلية بلجيكيّة من أُصول تونسيّة باحثة ومدرسة فنون تشكيلية درست في الأكاديمية الملكيّة للفنون الجميلة ببروكسل. هي عضو في اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين. لها كتاب فنّي من تأليفها يحمل صور لوحاتها ورسالاتها الفنية تحت عنوان “نضال من ألوان” صدر في الخامس من أبريل 2023 عن دار نقوش عربية للنشر، كما يحمل الكتاب في الجزء الأخير منه صورا للوحات طالباتها.

الفنانة لها مسيرة فنية تمتد على عقدين في مجال الفن التشكيلي، وتتنوع مشاركاتها بين معارض وفعاليات وتقديم دورات تدريبية وورشات بين بروكسل ودبي وتونس. تحصّلت على العديد من جوائز التقدير والتكريم لمساهمتها في تطوّر الفن التشكيلي في البلدان العربية، إضافة إلى مشاركتها في لجان التقييم للمسابقات التشكيليّة.

أقامت الفنانة العديد من المعارض الفنّيّة في دول عربية منها تونس ودبي والمغرب، ودول أوروبية منها بلجيكا وأمستردام وسويسرا وغيرها من البلدان.

كان افتتاح معارضها من قبل وزراء وسُفراء وشخصيّات مرموقة في المجتمع، كما أشرفت ونظمت العديد من المعارض الجماعيّة والفعاليات الفنّيّة التشكيلية لطالباتها بتونس.

لوحاتها ورسالاتها ومقالاتها الفنية موثقة في العديد من الصحف والمجلات العالميّة، كما نُشرت الكثير من كتاباتها وقراءة لوحاتها في الصحافة العربية، ولها استضافات وحوارات فنية في العديد من القنوات التلفزية بالإمارات العربية وبروكسل وتونس.

15