سناء الهيشري تحتفي بجمال حواء وقوّتها في لوحات ثلاثية الأبعاد

من مرسمها في العاصمة البلجيكية بروكسل تولد اللوحات عند الفنانة التونسية سناء الهيشري لتكون رسائل فنية مميزة ومختلفة، بعيدا عن الفنون الكلاسيكية، لتقدّم فنا مختلفا يمزج بين التشكيل والنحت والخط العربي في احتفاء بالمرأة وجمالها وقوتها في آن واحد.
بروكسل – قالت الفنانة التشكيلية التونسية سناء الهيشري إن الفنون التشكيلية العربية اليوم تنبض بروح الماضي، ورأت بأنه “إذا كان التاريخ مرجعا للفنان فلا بد أن يُطوّره، ويحيي فيه روح الحداثة”، وأن يوظّف الماضي لخلق مستقبل فني أفضل.
وأضافت الهيشري – المقيمة في بلجيكا – بأن التساؤل حول ما يحمله المستقبل للفنون والثقافة العربية “يجعلنا نفكّر بالحاضر، ونتكهّن بالمستقبل الذي بأيدينا رسمه وتخطيطه”. وتابعت في إجابتها عن سؤال حول رؤيتها لمستقبل الحركة التشكيلية ببلدان العالم العربي، بأن المستقبل “مرهون بما يقدّمه الفنان العربي من إبداع حديث، ومدى مواكبته للعصر”.
وحول رؤيتها لما تواجهه الحركة التشكيلية العربية من معوقات، قالت بأن هناك العديد من المشاكل الموجودة على أرض الواقع، وقد تكون عائقا أمام تطوّر المشهد التشكيلي في الكثير من بلدان العالم العربي، مثل غياب المعارض والفعاليات الدورية، وعدم حصول الفنانين على حقوقهم، وغياب الدعم اللازم لهم للقيام بدورهم في إبداع كل جديد في عالم الفنون التشكيلية وابتكاره.

وأكّدت الهيشري على أن العالم العربي غنيّ بالفنانين الذين وصلوا إلى العالمية بأعمالهم، وبثقافتهم وإبداعهم، وبقدرتهم على تطويع خاماتهم وتطوير خبراتهم من أجل خلق حالة فنية متفرّدة وثريّة تواكب ما يدور في الساحة التشكيلية العالمية. وحول سؤال عن مدى معاناة الفنان التشكيلي العربي ومدى قدرته على أن يعيش من نتاج ممارسته للفن، قالت بأنه من المستحيل أن يُعاني أيّ فنان تشكيلي سواء كان عربيا أو أجنبيا، لو كانت له قُدرات فنية عالية وإبداع مُميّز.
وحول مفردات لوحاتها التشكيلية وموضوعاتها، قالت بأن مشاريعها الفنية للعام 2021 دارت حول المرأة والخيل والفروسية والخط العربي، وإنها قامت بمخاطرة كان فيها الكثير من الجُرأة الفنية حين مزجت بين فن التشكيل وفن النحت وفن الخط العربي الذي أعطى المزيد من الثراء والجمال للوحاتها.
وتابعت بأنها ابتعدت عن القواعد والأصول التي وُضعتْ للخط العربي، لتكتب وتنقش كلمات وآيات قرآنية ثُلاثية الأبعاد، وتطوّر من استخدامات الخط العربي في اللوحات التشكيلية.
وأوضحت الهيشري بأنها رسمت في لوحاتها نضال حواء وقوّتها، وأن الأنوثة بالنسبة إليها لا تعني الجمال والدلال فقط، وإنما هي الذكاء والمهارة، وهي طاقة إيجابية وذبذبات وروح الحياة ونبضها.
وحول المدارس الفنية التي تنتمي إليها قالت بأن حُبّها للحرية وتمرّدها على القيود الفنية المفروضة على الفنان جعلتها لا تهتم بالمداس الفنية، وأن تكون لها مدرستها التشكيلية الخاصة بها، واستخدام تقنيات وخامات تبقى واضحة بقوة في لوحاتها.
وأكّدت على أنها ليست مُجبرة على السير في نفس طريق الفنانين، بل إنها على العكس من ذلك تُحب السير في الاتجاه المُعاكس، أي في طريق التغيير والتطوّر الفني والابتعاد الكلّي عن الطرق الكلاسيكية واستقلاليّتها في تحديد مسرح من التقنيات والخامات تتلاعب على لوحة الكانفاس بطولتها ألوانها، وسلاحها السكّين، والفرشاة والاتحاد بينهما أمر رائع.
واعتبرت الهيشري أنها نجحت في أن يكون لها نهج فني خاص، كان بالنسبة إليها “بمثابة ثورة على واقع الفن وكسر للقُيود وللقوانين، وللأساليب المُتعارف عليها في الرسم، والتي تمّ وضعها في الميدان الفني التشكيلي من مدارس متعدّدة”.
وحول الرسالة الفنية التي تحملها لوحاتها وعوالمها الفنية الخاصة وطقوس ممارستها للرسم قالت إنها في لوحاتها مولعة بثنائية الوضوح والغموض. وتوضّح “أسْتدرج الناس لأُغازلهم وأجذبهم بخيالي الفني وأُثير أسئلتهم عن تقنياتي ورسالتي، وهذا هو منهجي الفني التشكيلي”.
وأضافت بأنها حين تقرّر رسم لوحة عادة ما يكون ذلك في ساعات الفجر مُباشرة حيث تدخل في حالة نفسية لا توصف، تنسى خلالها العالم بأسره، وينفجر الإبداع ليُعطي فنا فريدا ومُميّزا، وأنه بعد الانتهاء من الرسم تكون ولادة جديدة لعمل فني مبتكر ومختلف عمّا سبق لها رسمه.
وتحرص الهيشري على مواكبة التجارب الغربية والحديثة وخرق القواعد بعيدا عن المعايير المتعارف عليها، مشيرة إلى أنها اتجهت إلى المزج بين التشكيل والنحت بعد أن لمست المشكلة الكبيرة التي يعاني منها النحاتون وهي صعوبة توفير المكان الملائم للأعمال.
وتتابع “من هنا انطلقت الفكرة في الجمع بين الرسم والنحت المعاصر على لوحة القماش الحريرية لسهولة نقْلها وتوفير الأماكن المناسبة لتعليقها، فأنشأت مجسمات ثلاثية الأبعاد فوق اللوحة مُستفيدة من معطيات التكنولوجيا”.
وحول عوالمها الفنية وعلاقتها بلوحاتها وفرشاتها وألوانها قالت إن لوحاتها وفرشاتها هما عالمها وحياتها، وتؤكّد “الفن التشكيلي بالنسبة إليّ ليس فقط مجرد ألوان وأشكال على اللوحة، وإنما هو بحث وتجريب ورؤى فنية”.
وتسترسل “الخروج عن المعتاد والسير خارج سكة القطار هما بداية النجاح، فلنتعلم ونتقن الأساسيات ثم نكسرها ونخرج عن المعتاد والمألوف، ومن هنا يولد التميّز، فأعمالي الفنية ولوحاتي التشكيلية هي من وحي اكتشافاتي وتجاربي التي أقوم بها داخل مرسمي”.
وفي هذا الخصوص تقول “في مرسمي وعالمي الفني أحاول أن أستهلك كلّ ألوان العالم، لأجعل مصباح الفن مُضيئا يشعُ منه نور من ألوان تحكي بلغة فنية لتكشف مزاجي وتُخبر ما أريد إظهاره وما أسعى لإخفائه أيضا، إذ أنّي لا أميل نحو رسم لوحات فيها دقّة وتفاصيل عالية، بل أفضّل الغموض لأثير الأسئلة لدى المتلقي”.
وسناء الهيشري فنانة تشكيلية ومدرسة فنون جميلة تونسية الجذور تحمل الجنسية البلجيكية، وهي خريجة المعهد الملكي للفنون الجميلة بالعاصمة بروكسل، وقد شاركت عبر مسيرتها الفنية الممتدة لعقدين من الزمن في العديد من الملتقيات والمعارض التشكيلية في أوروبا والعالم العربي في رحلة تميّزت بالتجدّد في كل مراحلها.