سلطنة عمان تعيد هيكلة الإنفاق لتعزيز استدامة الاقتصاد

كثفت سلطنة عمان جهودها لمعالجة الاختلالات المالية المزمنة من خلال ترشيد الإنفاق وتطبيق إصلاحات هيكلية بعد أن أصبحت ضرورة ملحة في ظل تراجع عائدات صادرات النفط والتداعيات الاقتصادية لتفشي وباء فايروس كورونا عالميا.
مسقط - أصدرت وزارة المالية في سلطنة عمان الثلاثاء توجيهات إلى جميع المؤسسات والشركات الحكومية بترشيد الإنفاق التشغيلي والاستثماري بما لا يقل عن عشرة في المئة خلال العام الحالي.
وطلبت منها بذل قصارى جهدها لاستهداف تحقيق تخفيض في الإنفاق الفعلي بأقصى نسبة ممكنة، وأن تشمل مراجعة المصروفات رواتب وامتيازات الموظفين.
ويرى محللون أن تلك الخطوات ضرورة ملحة وقد طال انتظارها لمعالجة الاختلالات المالية وإصلاح الإدارة الحكومية من أجل بناء الاقتصاد على أسس مستدامة وتقليل آثار الصدمات المفاجئة.
وجاءت تلك الخطوة بعد أن خفضت الحكومة الشهر الماضي الميزانية المخصصة للهيئات الحكومية بنسبة خمسة في المئة لعام 2020 استجابة للتحديات المالية التي تواجهها الدولة المصدرة للنفط.
وذكرت وسائل إعلام رسمية أمس أن وزارة المالية العمانية أمرت “باتخاذ المزيد من الإجراءات الحكومية للتعامل مع الأوضاع المالية والاقتصادية التي تتأثر بها السلطنة جراء الانخفاض الحاد في أسعار النفط”.
وأضافت أن كل الميزانيات التشغيلية سوف تخضع للمراجعة كما سيتم وقف منح العلاوات الاستثنائية لموظفي الدولة.
وقالت الوزارة إن القرار يُطبق على كافة الوزارات والأجهزة والهيئات والمؤسسات العامة وغيرها من وحدات الجهاز الإداري للدولة الأمنية والعسكرية والأشخاص الاعتبارية العامة الأخرى.
وتقول مؤسسات مالية عالمية إن الحكومة العمانية تأخرت في تنفيذ الإصلاحات التي تعهدت بها بسبب تضخم التوظيف والإنفاق الحكومي. وتعاني نتيجة ذلك من اختلالات مالية جعلت وكالات التصنيف الائتماني الكبرى تصنف سنداتها السيادية عند مستوى مرتفع المخاطر.
ومن المتوقع أن يتسع خلال هذا العام عجز موازنة سلطنة عمان، التي يعاني اقتصادها المثقل بمستويات مرتفعة من الدين، بسبب انخفاض أسعار النفط وتداعيات إجراءات الحد من تفشي فايروس كورونا المستجد.
ويلاحظ محللون تحولا في نهج معالجة الأزمات الاقتصادية في الأشهر الأخيرة، حيث يسعى السلطان هيثم بن طارق آل سعيد إلى تحويل الأزمة إلى فرصة لمعالجة الأزمات العميقة وتسريع خطوات الإصلاح البطيئة.
ويرى مراقبون أن السلطان هيثم بن طارق، الذي تولى السلطة في يناير الماضي، لديه اطلاع وثيق على عمل الإدارات الحكومية، التي عمل في الكثير من مفاصلها لعقود.
وكان السلطان هيثم بن طارق قد أكد أن الحكومة ستعمل على خفض الدين العام وإعادة هيكلة المؤسسات العامة والشركات لدعم الاقتصاد.
وتأخرت سلطنة عمان في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية مقارنة بمعظم جيرانها في مجلس التعاون الخليجي، وهو ما كان موضع نقد من المؤسسات المالية العالمية.
ومن المتوقع أن يؤدي إصلاح الإدارة الحكومية وترشيد الإنفاق إلى تعزيز الانضباط في التوازنات المالية، الأمر الذي يدعم ثقة الأسواق والمؤسسات المالية الدولية بالسياسات الاقتصادية الجديدة.
وقد بدت ردود أفعال الأوساط الاقتصادية العمانية بالسياسات الجديدة، من خلال ارتفاع مؤشر بورصة مسقط للأوراق المالية أمس بنسبة 1.7 في المئة.
وقد تجد سلطنة عمان في هذه الأزمة فرصة لإعادة النظر في بعض المشروعات الكبرى، التي استنزفت ميزانيات استثنائية، ويمكن أن تواصل استنزاف المالية العامة خلال مراحل التشغيل، دون أن تتضح الجدوى الاقتصادية منها حتى الآن.
كما يلاحظ مراقبون تحولات واضحة في علاقات مسقط بجيرانها من دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تشهد مزيدا من التقارب، في مقابل مراجعة تدريجية لعلاقاتها مع إيران.
وكانت هناك فجوة بين دول مجلس التعاون الخليجي وعُمان بشأن طريقة التعامل مع إيران، فبينما اتخذت السعودية والبحرين والإمارات والكويت موقفا واضحا تجاه التدخل الإيراني في شؤون المنطقة، تركت مسقط النافذة مفتوحة تجاه طهران.
ويرى محللون أن هذا التحول في سياسة مسقط يمكن أن يكون له تأثير كبير، حيث يمكن لجيرانها الأثرياء مثل الإمارات والسعودية تقديم الدعم للاقتصاد العماني. وكانت دول الخليج الثرية قد هبت مرارا لمساعدة سلطنة عمان في الأزمات المالية السابقة.
وتعد سلطنة عمان، المثقلة بمستويات مرتفعة من الديون، من أكثر الدول حساسية لتقلبات أسعار النفط مقارنة بأغلب جيرانها الخليجيين الأثرياء.
ورغم تماسك أسعار النفط نسبيا في الأيام الماضية، إلا أنها لا تزال في مستويات متدنية جدا حيث تحرك سعر مزيج برنت أمس عند نحو 30 دولارا للبرميل.
وكانت وكالة ستاندرد أند بورز للتصنيف الائتماني قد خفضت تصنيف سلطنة عمان في نهاية الشهر الماضي إلى مستويات عالية المخاطر عند “بي.بي سالب” مع نظرة مستقبلية سلبية.
وقالت إن الانخفاض الحاد في أسعار النفط سيزيد الضغوط المالية والخارجية على عمان خلال العام الحالي.
ورجحت أن يؤدي ذلك إلى تدهور أسرع في الأوضاع المالية للحكومة. وأشارت إلى أن ارتفاع المخاطر ومستحقات الدين الخارجي الكبير، إلى جانب ارتفاع عجز الميزانية، قد يزيد الضغط على صعيد التمويل وتكاليف الاقتراض بالنسبة لسلطنة عمان.
وذكرت أن النظرة المستقبلية السلبية تعكس المخاطر على الرغم من خطط الضبط المالي متوسطة الأجل للسلطنة، وإن التنفيذ قد يكون غير كاف لكبح ارتفاع الديون.
وأشارت إلى أن هيكل الدين العماني عرضة بشدة للتأثر بتراجع معنويات المستثمرين الأجانب في ظل حالة ضبابية جزئية ناجمة عن تفشي وباء فايروس كورونا.