سخرية إلكترونية جزائرية توقف محاولات تسلق سياسي

مؤتمر تحليل خطاب الرئيس الجزائري تثير حساسية شعب مل تملق السياسيين.
الأربعاء 2022/12/07
ممارسات العهد السابق تعود إلى الواجهة

تسبب ملتقى “التحليل السوسيولوجي لخطاب الرئيس عبدالمجيد تبون في القمة العربية” في بروز موجة غضب وسخرية على مواقع التواصل في الجزائر بسبب محاولات مكشوفة لركوب موجة الاستغلال السياسي.

الجزائر - تدخلت جهات محسوبة على السلطة في الجزائر لإلغاء ملتقى “التحليل السوسيولوجي لخطاب الرئيس عبدالمجيد تبون في القمة العربية”، تحت تأثير موجة غضب وسخرية على شبكات التواصل الاجتماعي.

وجاءت تعليقات الناشطين على مواقع التواصل مستنكرة لما يقوم به منظمو المؤتمر من محاولات لركوب الموجة مبكرا استعدادا للحملة الانتخابية الرئاسية وتمهيدا لولاية رئاسية ثانية للرئيس تبون وكسب المصالح دون إدراك لعواقب مثل هذه المغامرة التي كانت أحد أسباب انتفاضة الشارع في 2019.

واضطر منظمو ملتقى “التحليل السوسيولوجي لخطاب رئيس الجمهورية في القمة العربية” إلى إلغائه، انصياعا لأوامر وصفت بـ”الفوقية”، وتلافيا لأي تداعيات يمكن أن تفرزها موجة الغضب والاستياء على شبكات التواصل الاجتماعي، من عودة ما أسمته بـ”ممارسات حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة”.

وكان الفرع النقابي في جامعة زيان عاشور بمدينة الجلفة جنوبي العاصمة قد أعلن عن تنظيم ملتقى “التحليل السوسيولوجي لخطاب رئيس الجمهورية في القمة العربية “، تحت رعاية وزير التعليم العالي والمحافظ، ودعا الأكاديميين والمختصين إلى إرسال مشاركاتهم قبل السادس من الشهر الجاري، كما عين مجموعة من اللجان والهيئات المختصة للملتقى الذي كان من المزمع أن ينعقد في الحادي عشر من الشهر الجاري.

ولم يقتنع رواد شبكات التواصل الاجتماعي في الجزائر بطبيعة الموضوع الذي اختاره المنظمون، رغم أن المسألة تتعلق بملتقى وطني تحتضنه مؤسسة جامعية، واستغرب هؤلاء خلفيات ومبررات اختيار البعد السوسيولوجي لخطاب سياسي استغرق عدة دقائق في حدث سياسي لم يتعد 48 ساعة.

واعتبر جزائريون أن الأمر “تملق أكاديمي عابر للقارات”. وضجت مواقع التواصل بتعليقات الغاضبين، التي امتزجت بالسخرية والتحذير من إحياء ممارسات سياسية سابقة، أثبتت فشلها، لأن المنظمين عجزوا عن تسويق صورة إيجابية للملتقى، أو إقناع الرأي العام بمحتواه وأهميته، بل بالعكس.

وقال معلق:

واستغرب ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي ترصد المنظمين لهذه الفرصة من أجل تحقيق مكاسب آنية في مشهد محتمل، رغم ما للمبادرة من ارتدادات سلبية على السمعة والصورة السياسية لتبون الباحث عن شعبية بعيدا عن ممارسات وتركة الرئيس الراحل. ومع اقتراب الرجل من الذكرى الثالثة لانتخابه رئيسا للدولة في الثاني عشر من ديسمبر، بدأت أصوات الأنصار والمؤيدين تظهر في مختلف المنابر تحسبا لترشح الرجل لولاية ثانية، وهو ما أعاد إلى الأذهان الأجواء التي كانت تسبق مواعيد الانتخابات الرئاسية منذ مطلع الألفية إلى غاية أزمة الحراك الشعبي في 2019.

وسخر معلق:

ويبدو أن منظمي الملتقى، في مدينة تشتهر بموالاتها للسلطات السياسية المتعاقبة، كانوا أكثر جرأة من الأصوات التي ظهرت في مختلف المنابر، والتي تدعو تبون إلى الترشح لولاية رئاسية ثانية في 2024، لكن مبادرتهم التي أثارت غضب الشارع الجزائري ستجعل السابحين في فلك السلطة، خاصة ممن يوصفون بـ”الانتهازيين” و”الوصوليين”، يحسبون خطواتهم في المستقبل.

وذكر الأكاديمي قلولي بن ساعد، في منشور له، أن “الجديد في هذه القضية هو أن الذين حاولوا تنظيم ملتقى دولي تحتضنه جامعة بمدينة داخلية موضوعه خطاب الرئيس ضمن أفق التحليل السوسيولوجي أخطأوا مرتين: المرة الأولى عندما حاولوا التلاعب بالقيم المعرفية لصالح أهداف ظرفية ظنا منهم أن المواطن المحدود التكوين قد لا ينتبه إلى أهدافهم الدنيئة، وهذا غباء منهم”.

وأضاف بن ساعد “والمرة الثانية عندما حاولوا استغباء حتى القارئ النخبوي فالتحليل السوسيولوجي لا يقدم أية نتائج علمية أو ‘بسودو/ علمية’ عندما يروم وضع الخطاب السياسي تحت مجهر التحليل السوسيولوجي”. وتابع “من الأهمية بمكان التعويل على التحليل السيميولوجي (سيميوطيقا الخطاب السياسي) وهو عنوان كثير التداول ضمن مبحث تحليل الخطاب أو حتى التحليل التداولي فهذان النمطان من التحليل يقدمان نتائج أهم من تلك التي يعول عليها ضمن أفق الاختبار السوسيولوجي، هذا إذا افترضنا طبعا صدق نوايا الذين حاولوا تنظيم ملتقى دولي موضوعه خطاب الرئيس ضمن أفق التحليل السوسيولوجي وهو أمر مستبعد جدا، بالنظر إلى الأهداف الدنيئة الكامنة وراء هذا الملتقى سيء الذكر قبل أن يتم إلغاؤه بأوامر فوقية كما قيل”. وتساءل معلق:

وأفاد مدون بأن “وزير التعليم العالي والبحث العلمي كمال بداري ليست له أي فكرة عن الموضوع، وأن رعايته للملتقى الملغى لم يكن مطلعا عليها، ونفس الشيء بالنسبة إلى والي الولاية، والمشرف على الملتقى أستاذ في جامعة زيان عاشور بمدينة الجلفة، وهو معروف بمغامراته السياسية حيث سبق له الترشح في الانتخابات المحلية الأخيرة في لائحة حزب جبهة التحرير الوطني، كما أنه كان أحد ناشطي الولاية الخامسة للرئيس الراحل في 2018“.

لكن معلقين تساءلوا عن مدى جرأة المنظمين على مثل هذه الخطوة، لولا وجود ضوء أخضر من الجهات الوصية، معتبرين أن تبرأ وزير التعليم العالي ومحافظ الجلفة لم تكن لولا موجة الغضب والسخرية التي طالت المبادرة، وأن الرعاية التي وردت في ملصق الملتقى لم تكن لتحدث لولا وجود موافقة مبدئية منهما. وذهب آخرون إلى أن “الأولى بالتحليل السوسيولوجي، هم الفئة الاجتماعية التي تهوى التسلق السياسي على حساب المشاريع والأفكار.

وكان أول قرار اتخذه تبون، خلال أدائه اليمين الدستورية، إلغاء لقب “الفخامة” الذي التصق برئيس الجمهورية طيلة العشريتين السابقتين، وتسبب في ظهور طبقة من الانتهازيين لبلوغ أغراضهم الآنيّة، لكن يبدو أن مستنقع تلك الممارسات مازال صالحا لإنتاج المزيد منها.

16