سحر الانتماء إلى أندية الكرة

خلال الأيام التي تسبق ديربيات كرة القدم العربية (الرجاء/ الوداد المغرب، الزمالك/ الأهلي مصر، الهلال/ النصر السعودية، الترجي/ الأفريقي تونس) يعيش الملايين من الناس حالة استنفار كبيرة في المناطق الفقيرة، وخاصة ضمن فئة الشباب الذين يكونون في أغلبهم قد تسربوا من التعليم مبكرا أو حصلوا على الشهادة ولم يحصلوا على فرصة العمل.
ما السحر الذي تمتلكه كرة القدم لتجعل الملايين من الناس ينسون معاناتهم الفردية، ينسون الفقر، ينسون الزيادات المتصاعدة في الأسعار في بلدان عربية تخضع كليّا لحركة الأسواق العالمية وأزماتها، مثلما يجري حاليا من نقص حاد في مشتقات القمح بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية.
لا يتظاهر هؤلاء الملايين من الناس ضد زيادات أسعار الخبز والحليب والبيض، وتجدهم أكبر سند للحكومات في أزماتها، حتى أنها لم تعد تخاف منهم، لكنك تجدهم في حالة استنفار دائم للدفاع عن أنديتهم، وقد يبادرون إلى الصدام مع قوات الأمن لأجل إشاعة أو تأويل تصريح مسؤول يفهم منه أن ناديهم قد تم ظلمه بمنح خصمه ضربة جزاء، أو أن "جهات" تعد للتآمر عليه.
في تونس، مثلا، هناك حالة توتر في الملاعب بسبب شعارات تطالب بمحاكمة أمنيين بتهمة التسبب في مقتل أحد أنصار أحد الفرق المشهورة في تونس (النادي الأفريقي)، كان غرق في أحد الأودية القريبة من ملعب رادس بعد مطاردة.
ويقول محامون وشهود عيان إن المتوفى قد قال لرجل الأمن الذي يطارده إنه لا يعرف السباحة (لا يتقن العوم)، فقال له "تعلّم عوم"، أي تعلّم كيف تسبح فتنجو، لتتحول "تعلم عوم" إلى شعار لصدامات مع قوات الأمن في أغلب الملاعب التونسية.
وشهدت الفترة الماضية حركة تضامن تلقائية في ملاعب متعددة في نفس الوقت، وردد الجمهور نفس الشعار الذي يطالب بمحاكمة المتهمين بقتل الشاب عمر العبيدي.
عصبية كرة القدم أقوى من عصبية الانتماء المدني للجمهور، وحقوق أندية الكرة أهم لدى عامة الناس من حقوقهم هم أنفسهم. ويمكن للفرد أن ينسى ثأره الشخصي مع تقدم الزمن، لكن جمهور الأندية لا ينسى أن الحكم فلان قد أخطأ سنة كذا في حق فريقه.
ويسيطر الإحساس بالظلم على وعي الجمهور لتجده دائما ميّالا إلى نظرية المؤامرة التي تصنع له وعيا مضادا للدولة؛ ولأجل ذلك، وفي أول رد فعل على خسارة ناد أو أي خطأ تحكيمي، يبادر الجمهور إلى تحطيم كراسي الملعب، وحين يخرج إلى الشارع يبادر باستهداف المنشآت التي تعود ملكيتها إلى الدولة.
يجترئ على الدولة لأجل فريق كرة قدم، لكنه لا يحرك ساكنا حتى لو هدمت له الدولة منزله تحت أي مسوغ كان. إنها المفارقة العجيبة التي تظهر أن سحر كرة القدم أكبر من التوصيف، وأصعب على الفهم.