سحب صلاحية اختيار مفتي مصر يقوّض سلطة الأزهر ويحجم نفوذه

السيسي يلغي دور هيئة كبار العلماء في تسمية المفتي ويعتبره منصبا ذا طبيعة خاصة.
الأربعاء 2021/08/18
الإفتاء في خدمة تنمية المجتمع

دفع تمسّك كبار علماء الأزهر بأفكار الماضي دون اكتراث بتغيّرات المجتمع، وغياب الرأي الشرعي عن دعم جهود الدولة في مسار الإصلاح الاجتماعي في مواجهة مخاطر التشدد الديني و”الدعشنة” الفكرية التي تهدد المجتمع، الرئيسي المصري عبدالفتاح السيسي إلى سحب صلاحية اختيار مفتي الديار من هيئة كبار العلماء وجعلها ضمن صلاحيات رئيس الدولة.

القاهرة – قرر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي التجديد لشوقي علام في منصب مفتي الديار المصرية للعام الثاني على التوالي بعد يوم من سحب صلاحية اختيار وترشيح المفتي من هيئة كبار العلماء التابعة لمؤسسة الأزهر، وبالتالي يصبح رئيس الدولة وحده صاحب التسمية.

وصدر قرار جمهوري يقضي باعتبار دار الإفتاء المصرية من الجهات ذات الطبيعة الخاصة، ولا تسري على الوظائف القيادية والإدارة الإشرافية بها أحكام المادتين السابعة عشرة والعشرين من قانون الخدمة المدنية الذي ينظم اختيار القيادات بالدولة.

سعيد صادق: القرار يضمن استقلال الفتوى عن "الدعشنة" لدى بعض علماء الأزهر
سعيد صادق: القرار يضمن استقلال الفتوى عن "الدعشنة" لدى بعض علماء الأزهر

ويعني قرار اعتبار دار الإفتاء ذات طبيعة خاصة أن اختيار المفتي لم يعد من صلاحيات هيئة كبار العلماء بالأزهر كما كان متبعا طوال السنوات الماضية، ولن يكون للمؤسسة الدينية البارزة دور من قريب أو بعيد في تسمية المفتي.

وكانت مراحل اختيار المفتي تبدأ بانعقاد اجتماع لهيئة كبار العلماء لاختيار ثلاثة من بين أعضائها أو غيرهم للتصويت على أحدهم ليتم ترشيحه من جانب شيخ الأزهر لرئيس الجمهورية لتعيينه مفتيا للبلاد.

والتقى الرئيس السيسي بالمفتي شوقي علام مطلع الشهر الجاري على هامش مؤتمر دور وهيئات الإفتاء في العالم الذي استضافته مصر، وأثنى على تحركات الدار خلال الفترة الأخيرة لمحاصرة الفكر المتشدد ونشر الإسلام الصحيح ومعالجة الأفكار المغلوطة وضرب أساسات التطرف ما رفع سقف التجديد له مرة ثانية.

ومعروف أن علاقة المفتي شوقي علام وأحمد الطيب شيخ الأزهر ليست على ما يرام لقناعة الأخير بأن المفتي أكثر تناغما مع الحكومة في مسألة فصل دار الإفتاء عن المؤسسة الدينية وجعلها هيئة مستقلة بشكل يحجم نفوذ الأزهر ويقصقص أجنحته ويجرده من الفتوى.

ويصعب فصل قرار السيسي بتحجيم نفوذ هيئة كبار العلماء عن إحياء الخطوة التي سبق واتخذها مجلس النواب المصري بالمصادقة على قانون تنظيم دار الإفتاء الذي يقوض سلطة علماء الأزهر على الفتوى ويقضي بتبعية دار الإفتاء إلى مجلس الوزراء.

وانتفض الأزهر ضد مجلس النواب ولوّح بالتصعيد القضائي وكادت تحدث أزمة سياسية، إلا أن جهات عليا تدخلت ووأدت التوترات بتجميد القانون بشكل مفاجئ، وقد تباهى الأزهر بانتصاره في هذه المعركة.

وأكد سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية أن الحكومة تأكدت من عدم سير الأزهر على نفس خط التحديات التي تواجهها، حيث يتمسك بصناعة دولة موازية وتخلى عن دوره الرئيسي للتركيز على مضاعفة النفوذ، ما كرس الفكر المنغلق الذي أدركت السلطة أنه لو وصل إلى رأس الإفتاء ستكون كارثة.

مواجهة مخاطر التشدد الديني

وأضاف لـ”العرب” أن ما فعله السيسي يضمن استقلال الفتوى عن تيار “الدعشنة” الموجود لدى بعض علماء الأزهر، لأنهم يقاتلون لاستمرار الهيمنة على الإفتاء، لكن الحكومة فضّلت أن تكون خاضعة تحت

سلطة رئيس الجمهورية بما يجعلها قادرة على مواجهة التشدد بعقلية مستقلة عن أهواء هيئة كبار العلماء.

ويوحي موقف السيسي بأن الحكومة لم تفقد الأمل في قصقصة أجنحة الأزهر وكبار علمائه، وهذه المرة تخوض المعركة معه بدعم رئاسي وتُدرك أن قادته لن يحركوا ساكنا لأن صاحب القرار هو رئيس الدولة والدخول في مواجهة معه ستكون مجازفة.

ولا ترغب الحكومة في استمرار تحول الأزهر إلى سلطة موازية في المسائل المرتبطة بالنواحي الاجتماعية، وتوظيف الفتوى لتحقيق المزيد من النفوذ والتغلغل في ظل تدخل علماء المؤسسة الدينية في الشؤون السياسية والثقافية والاقتصادية وحتى الفنية.

ويؤكد تمسك السلطة بسحب البساط من تحت أقدام الأزهر في شأن الفتوى أن النظام نفد صبره من جمود أفكار المؤسسة الدينية بشأن تجديد الخطاب الديني، وخوفها من اختيار مفتي البلاد بنفس العقلية ما يؤثر سلبا على تكريس الانغلاق في المجتمع.

الحكومة المصرية لا ترغب في استمرار تحول الأزهر إلى سلطة موازية في المسائل المرتبطة بالنواحي الاجتماعية

ويعتقد هؤلاء أن تحرك الحكومة لاختيار مفتي البلاد أكثر انفتاحا من شأنه تعويض الإخفاق الحاصل في الأزهر، لأن قادة هذه المؤسسة لم يحققوا تقدما ملموسا منذ تطرق السيسي لحتمية تنقيح التراث ونشر الفكر المتسامح كمدخل لمحاصرة التشدد.

وتدرك دوائر سياسية في مصر أن تحجيم صلاحيات الأزهر يبدأ من تقليم أظافر هيئة كبار العلماء والحد من اختصاصاتها الواسعة التي حصلت عليها في توقيتات سابقة كانت تعيش البلاد خلالها حالة من غياب الاستقرار الأمني والسياسي.

وتشكل هيئة كبار العلماء رأس الحربة في علاقة الأزهر بالدولة، وتحجيم دورها في اختيار المفتي، وهو منصب بالغ الحيوية والرمزية، يعني منح أدوار مضاعفة لدار الإفتاء ووزارة الأوقاف على حساب الأزهر، حيث يكونان ذراعين للحكومة.

ويشير مراقبون إلى أن إبعاد تسمية المفتي عن كبار علماء الأزهر يوحي بأن استراتيجية إعادة التوازن بين المؤسسة والحكومة تقوم على هدم مراكز القوى داخل الأزهر بعيدا عن رأس المؤسسة لتجنب الدخول في صدام مع شريحة مجتمعية يمثل لها الشيخ أحمد الطيب رمزا دينيا ومعنويا مهما.

وتنطوي المواجهة مع هيئة كبار العلماء على مواجهة ضمنية للتيار السلفي، وأنهم لن يستطيعوا السيطرة على الفتوى الرسمية بحكم أن الكثير من أعضاء الهيئة لديهم رؤية تتناغم مع أفكار السلفية بعدم الاقتراب من التراث ومعارضة التجديد.

وقال سعيد صادق لـ”العرب” إن “طغيان الأهواء السلفية والإخوانية على قادة الأزهر ورفض المؤسسة القيام بعملية رشيدة لتطهير نفسها أعادا تحريك معركة الحكومة مع الأزهر لتحجيم دوره، لإدراك السلطة الأهمية التي تنطوي عليها الفتوى كسلاح سياسي، فإما أن تكون تحت سلطتها أو تكتوي بنيرانها”.

وتمثل الفتوى للحكومة المصرية خصوصية كبيرة لحاجة بعض القرارات والسياسات العامة إلى دعم ديني يقود إلى إضفاء شرعية عليها، لكن التجارب السابقة بين السيسي والأزهر أثبتت تمسّك كبار العلماء بأفكار الماضي من دون اكتراث بتغير الأحوال، وضرورة مساندة الرأي الشرعي لمسار الإصلاح الاجتماعي، وظهر ذلك في معارضة الأزهر لرفض الاعتراف بالطلاق الشفهي وغيره من القضايا المهمة.

اقرأ أيضا: أروقة الأزهر تخرج من جدرانه لزيادة نفوذه أم لمواجهة المتطرفين

13