سباق بين الأندية المصرية حول رفع رواتب لاعبي كرة القدم

بعضهم يتقاضى مبالغ أكثر من لاعبي الدوريات الخمسة الكبرى.
الأحد 2025/04/20
زيزو إلى الغريم التقليدي

أنهى مسؤولو النادي الأهلي كل تفاصيل عقد الجناح الدولي أحمد مصطفى زيزو، بحيث ينضم اللاعب لمدة 4 سنوات قادمة، في صفقة انتقال حر بعد نهاية عقده مع الزمالك. ووضع الأهلي زيزو في الفئة الأولى بحيث يحصل على 25 مليون جنيه سنويا بالإضافة إلى عقد إعلاني مقابل 60 مليون جنيه، بخلاف 80 مليون جنيه أخرى سيحصل عليها دفعة واحدة.

القاهرة - تسبب الصخب الذي رافق انتقال اللاعب أحمد مصطفى سيد زيزو من الزمالك وانضمامه إلى الأهلي قبل أيام في عودة الجدل حول الرواتب المبالغ فيها التي يتقاضاها لاعبو الكرة في مصر، والتي لا تتناسب مع العوائد التي تجنيها الأندية، من عقود الرعاية وفوز بالبطولات، مع تراجع عوائد بيع تذاكر المباريات بسبب تحديد أعداد الجماهير المسموح بحضورها لكل فريق في الملاعب التي تحتضن المباريات، ما دفع بعض الأصوات للمطالبة بتطبيق معايير اللعب المالي النظيف في مصر.

يتضمن عقد زيزو مع الأهلي تقاضيه راتبا سنويا يصل إلى 31 مليون جنيه (حوالي 600 ألف دولار سنويا) مع مبلغ مماثل من أحد رجال الأعمال المحبين للنادي، إلى جانب حوالي 20 مليون جنيه أخرى من عقود الإعلانات التي يوفرها له الأهلي، ويصل إجمالي عقده خلال السنوات الأربعة التي يستغرقها حوالي 320 مليون جنيه (6.4 ملايين دولار) بخلاف مكافآت الفوز.

وينتهي عقد أحمد سيد زيزو مع الزمالك بنهاية الموسم الجاري، مما يجعل له الحق في التفاوض مع أي نادٍ وإتمام الاتفاق معه والانضمام له عقب نهاية عقده الحالي خلال يونيو المقبل. وحصل زيزو على تأشيرة السفر لأميركا بالفعل للمشاركة مع الأهلي في مونديال الأندية الصيف المقبل. ويستعد الأهلي للمشاركة في بطولة كأس العالم للأندية بشكلها الجديد في الولايات المتحدة الأميركية، والمقامة بمشاركة 32 ناديا من أكبر فرق العالم.

وضع مسؤولو الأهلي المصري بندا مثيرا في عقد لاعبه الجديد أحمد سيد “زيزو” نجم الزمالك. وأكدت قناة “أون سبورت” أن الأهلي وضع بنداً للسيطرة على زيزو بالحصول على توقيعه لمدة 5 مواسم وليست 4 كما تردد. وأوضحت أن الموسم الأخير سيتم تفعيله بالاتفاق بين الطرفين وهو ما جاء للاحتفاظ بخدمات اللاعب لفترة أطول.

أوضح إبراهيم القصاص أنه لا توجد جهة رقابية تلزم الأندية بقواعد مالية واضحة، والصفقات يتم عقدها دون شفافية

ويأتي هذا البند للسيطرة على زيزو وعدم الدخول في صدامات، خاصة بتجديد عقده والاحتفاظ بخدماته لفترة أطول تجنباً لما حدث مع الزمالك الذي جدد للاعب 3 مواسم فقط. ولم يتوصل الزمالك لاتفاق مع زيزو لتجديد عقده بسبب الخلاف حول قيمة راتبه السنوي. وكان زيزو قد أرسل إنذاراً رسمياً إلى نادي الزمالك، في الساعات القليلة الماضية، للمطالبة بمستحقاته المالية المتأخرة التي تصل إلى 73 مليون جنيه مصري.

ولا يمثل زيزو استثناء بين لاعبي الدوري من ناحية الراتب رغم ضخامته بالمعايير المصرية، حيث يتقاضى رمضان صبحي لاعب الأهلي السابق حوالي مليوني دولار (حوالي مائة مليون جنيه) في الموسم بعد انتقاله إلى نادي بيراميدز، ويتقاضى معظم لاعبي أندية الدوري الممتاز المصري رواتب لا تقل عادة عن 10 ملايين جنيه (200 ألف دولار)، وتصل إلى 30 مليونا (حوالي 600 ألف دولار) في الموسم.

وتتراوح رواتب اللاعبين الأجانب والعرب المحترفين في الدوري المصري إلى أضعاف ذلك الرقم، حيث يتقاضى التونسي علي معلول ظهير الأهلي الأيسر حوالي مليون ونصف المليون دولار سنويا، ويرتفع هذا الرقم قليلا مع لاعب الأهلي المغربي أشرف بنشرقي ليصل إلى 1.9 مليون دولار في الموسم، ويتقاضى المغربيان وليد الكرتي ومحمد الشيبي لاعبا بيراميدز 1.2 مليون دولار في الموسم الواحد.

يأتي بعد ذلك نادي الزمالك الذي يتقاضى مهاجمه التونسي سيف الجزيري نصف مليون دولار سنويا، كأعلى اللاعبين الأجانب أجرا في الفريق، والمفارقة أن هناك لاعبين في أندية وسط الجدول أو أسفله يتقاضون أرقاما تتراوح بين 500 و700 ألف دولار، مثل الجزائري أحمد قندوسي لاعب سيراميكا كليوباترا وزميله المغربي أحمد بلحاج، فضلا عن لاعبين أجانب آخرين في أندية فاركو ومودرن سبورت والمصري، يتقاضون رواتب تقترب أو تزيد من هذا المعدل.

رواتب مضاعفة

موسم استثنائي

المفارقة أن معظم اللاعبين المحترفين من دول المغرب العربي يتقاضون في مصر رواتب تفوق أضعاف ما كانوا يتقاضونه في أنديتهم الأصلية، كما يقول طارق مصطفى الذي سبق له تدريب فريق الدفاع الحسني في المغرب، مؤكدا أن رواتب اللاعبين في مصر تفوق نظيرتها في المغرب بعشر مرات، ما يجعل العديد من اللاعبين يفضلون الانتقال إلى الدوري المصري بسبب العوائد المالية الكبيرة.

ولا تتجاوز رواتب اللاعبين في أندية الدوري المغربي بمن فيهم المحترفون الأجانب حاجز المليون درهم، أي ما يزيد قليلا عن 105 آلاف دولار سنويا، ويقل كثيرا عن متوسط رواتب اللاعبين الأجانب المحترفين في أندية الوسط والمؤخرة في الدوري المصري، ونفس الحال للاعبين في الدوري التونسي الذين لا تزيد رواتب النجوم بينهم عن مائة ألف دولار سنويا.

المثير للدهشة أن رواتب اللاعبين المحترفين في الدوري المصري لا تتجاوز مثيلاتها في أندية المغرب العربي أو حتى الأندية الأفريقية بكاملها فقط، وتتجاوز في بعض الأحيان رواتب اللاعبين في الدوريات الأوروبية الخمسة الكبرى، فمثلا يتقاضى كونور برادلي ظهير أيمن ليفربول راتبا سنويا يبلغ 520 ألف يورو، ويرتفع المبلغ قليلا الذي يتقاضاه زميله كورتيس جونز ليصل إلى 780 ألفا فقط رغم أنه يلعب مع الفريق الأول منذ سنوات وبات لاعبا دوليا مؤخرا.

تقل هذه الأرقام كثيرا عن رواتب بعض اللاعبين في الدوري المصري، رغم أن ليفربول في المقابل يحصل على إيرادات سنوية كبيرة، حيث بلغت إيرادات النادي عن الموسم الرياضي الماضي (2023-2024) حوالي 773.6 مليون دولار أميركي، وهو ما يفوق عشرات أضعاف ما تجنيه الأندية المصرية مجتمعة.

وفي الدوري الايطالي، جدد جابيا مدافع ميلان الإيطالي عقده مع النادي قبل أسابيع مع مضاعفة راتبه السنوي ليصل إلى مليوني يورو، وفي الدوري الفرنسي تقل الأرقام عن ذلك حيث يتقاضى الدولي الجزائري عيسى ماندي المحترف في فريق ليل مليون يورو سنويا، وهو واحد من أعلى الرواتب في الفريق الذي شارك في دوري أبطال أوروبا الموسم الحالي، وحقق أرباحا صافية تجاوزت 17 مليون يورو العام الماضي.

البحث عن المنافسة

علاقات مربحة
علاقات مربحة

تعود الارتفاعات الخيالية في رواتب اللاعبين المحترفين في الدوري المصري إلى عدة أسباب، كما يقول إبراهيم القصاص مسؤول المسابقات السابق بالاتحاد المصري منها، المنافسة بين الأندية الكبرى ما يدفع أندية القمة مثل الأهلي والزمالك وبيراميدز لاستقطاب أفضل اللاعبين، حتى لو أدى ذلك للدخول في مزايدات على أسعار لاعبين مطلوبين في النادي المنافس، وهذا يؤدي إلى رفع سقف الرواتب بشكل مبالغ فيه.

كما أن دخول أندية مملوكة لشركات كبرى مثل بيراميدز وسيراميكا كليوباترا وزد، تمتلك موارد مالية ضخمة، ساهم في زيادة الرواتب المعروضة للاعبين، فضلا عن غياب التنظيم المالي وعدم وجود قوانين صارمة للعب المالي النظيف مثل المطبقة في أوروبا، تنظم الإنفاق على الرواتب والصفقات ما سمح للأندية بإنفاق مبالغ طائلة دون دراسة جدوى واضحة أو عوائد تتناسب مع الرواتب الكبيرة.

هناك بالفعل فجوة كبيرة بين الإيرادات التي تجنيها الأندية والرواتب التي تدفعها، فالنادي الأهلي هو الأكثر فوزا بالبطولات المحلية والقارية يدفع رواتب سنوية للاعبين تزيد قليلا عن 15 مليون دولار حسب الأرقام المعلنة، وإذا فاز الفريق بكل البطولات المحلية والقارية في الموسم ستصل إيراداته إلى 5.6 ملايين دولار، بما يعني أن خسائر النادي تتجاوز 170 في المئة.

هناك بالفعل فجوة كبيرة بين الإيرادات التي تجنيها الأندية والرواتب التي تدفعها، فالنادي الأهلي هو الأكثر فوزا بالبطولات

وتتجاوز خسائر باقي الأندية المصرية هذا الحاجز، بالنظر إلى عدم قدرة أغلبها على الفوز بالبطولات، فمثلا نادي بيراميدز لم يكسب طوال السنوات الخمسة الأخيرة إلا بطولة وحيدة لكأس مصر تصل مكافأة الفوز بها إلى 350 ألف دولار، ما يعني أن أندية الدوري المصري تلعب “بالخسارة” بحسب التعريف التجاري.

بنظرة تحليلية على بنود قوانين اللعب المالي النظيف، الوصول إلى قناعة بأن تطبيقها في مصر سوف يكون كفيلا بمعاقبة معظم أندية الدوري الممتاز، إن لم يكن كلها، حيث تتضمن البنود ضرورة تحقيق التوازن المالي الذي يفرض على أي ناد ألا ينفق أكثر مما يكسب خلال فترة زمنية محددة (عادة ما تكون 3 سنوات)، ويشمل ذلك الرواتب والانتقالات وأجور الطواقم الفنية، مقابل الإيرادات من بيع التذاكر، حقوق البث، الرعايات، والمبيعات.

وتتضمن حظر تغطية العجز من أموال المالكين، ولا يجوز للملاك ضخ أموال غير مرتبطة بعائدات النادي لتغطية خسائره التشغيلية، إلا في حدود معينة، وهي الاتهامات التي يواجهها نادي مانشستر سيتي مع رابطة الدوري الإنجليزي. ويؤكد إبراهيم القصاص أن القانون يلزم الأندية بالإفصاح والشفافية عبر تقديم تقارير مالية سنوية مدققة، تشمل كافة الإيرادات والنفقات، وتتعرض الأندية التي تخالف القواعد لعقوبات تبدأ من الغرامات المالية، وتتطور إلى الحرمان من التعاقدات أو الإقصاء من البطولات الأوروبية أو تحديد عدد اللاعبين في القوائم.

قواعد مالية غير واضحة

خطوات ناجحة
خطوات ناجحة

أوضح إبراهيم القصاص أنه لا توجد جهة رقابية تُلزم الأندية بقواعد مالية واضحة، والصفقات يتم عقدها دون شفافية، وتضخ بعض الشركات الممولة مبالغ لا علاقة لها بإيرادات الأندية، والنتيجة منافسة غير عادلة وأندية تغرق في الديون أو تتورط في تضخم مصطنع. ولا يحتاج تطبيق القانون في مصر إلى معجزة، وإنما مجرد إرادة حقيقية من اتحاد الكرة ووزارة الرياضة، ويبدأ ذلك بإنشاء لجنة مالية مستقلة داخل اتحاد الكرة، مع منح مهلة انتقالية للأندية مدتها عامان أو ثلاثة أعوام لتوفيق أوضاعها، مع حوافز للأندية الملتزمة، مثل تسهيلات ضريبية أو أولوية في الرعاية.

وتلزم اللجنة كل ناد بتقديم ميزانية سنوية موثقة، وتراجعها بانتظام، مع تحديد سقف للرواتب والصفقات كنسبة من إيرادات النادي (مثلا لا تتجاوز الرواتب 70 في المئة من الميزانية السنوية)، مع إلزام الأندية بالشفافية والإفصاح المالي عبر نشر تقارير مالية مختصرة لجماهير الأندية والمستثمرين، ثم تطبيق العقوبات على الأندية غير الملتزمة. ومقابل الآراء التي تبرر استمرار فوضى الرواتب والإنفاق في الكرة المصرية، بدعوى إن السوق المصري لا يتحمل هذا النوع من الانضباط، تتصاعد التحذيرات من أن استمرار التضخم سوف يؤدي إلى انهيار اقتصادي كروي، وغياب القدرة التنافسية، وتحول الأندية إلى عبء مالي على الدولة والرعاة.

16