سباق المهرجين في أوكرانيا

الأزمة الأوكرانية في واحد من أوجهها هي أزمة زعامات، على الأقل في الجزء الغربي منها. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعرف ماذا يريد. خطّط طويلا للوصول إلى الوضع الحالي. الغرب، في جزئه العسكري الناتو، ما زال يعيش شبق الانتصار في الحرب الباردة ويستمر في التمدد نحو الشرق. بوتين يقول الآن قف.
في الستينات والسبعينات مرّ على الولايات المتحدة رؤساء معطوبون سياسيا، حتى وإن كانوا سياسيين مخضرمين. أحسّت الولايات المتحدة أنها تخسر الحرب الباردة بسبب رؤساء توالوا عليها إما بعد اغتيال رئيس مهم (جونسون ورث كينيدي) أو متسبب بفضيحة (نيكسون وتسريب ووترغيت) أو الانتهاء برئيس يحسسك أنه يتحرك بمثاليات رئيس فريق كشافة (كارتر). طالما المنظومة السياسية عاجزة عن الإتيان برئيس، لماذا لا نستعين بممثل يقوم بدور الرئيس. جاء رونالد ريغان، الممثل السابق، ولعب دورا حيويا في إعادة بعث الأمة الأميركية، ولم يترك الرئاسة إلا وقد ربحت واشنطن الحرب الباردة، وجنى جورج بوش مجد النصر.
ريغان كان أيضا سياسيا مؤدلجا وعميلا لمكتب التحقيقات الفيدرالية. لكنه كان في صميمه ممثلا. بعد سنة من توليه الرئاسة، نسي الأميركيون أنهم أمام ممثل، وصاروا ينظرون إليه، خصوصا من خلال طاقم الإدارة المحيط به، بأنه الرئيس الذي كانت أميركا تنتظره. كاريزما الزعامة توحّد الأمم.
العقدان الأخيران كانا عقدي تهشيم الزعامات. قبل أسابيع ودعت أنجيلا ميركل المستشارية الألمانية لتكون آخر من يمكن إطلاق مسمّى زعيم غربي عليها. يجب أن ننظر إلى من يدير الأزمة الأوكرانية مع روسيا الآن.
لا أعرف هل من المجدي البدء من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أم الانتهاء به كتجسيد للإساءة حتى إلى مبدأ الاستعانة بممثل للقيام بدور الرئيس. الرجل ممثل كوميدي. مهرج بالمعنى الحرفي للكلمة. أهم إنجازاته السياسية قبل الوصول إلى كرسي الرئاسة هو تجسيد دور الرئيس الأوكراني في مسلسل تلفزيوني. المسلسل فيه من الطرافة الكثير، لأنه تحوّل إلى حقيقة. في المسلسل، يفوز مدرّس بالرئاسة بعد انتشار فيديو له على الإنترنت. في الحقيقة، فاز زيلينسكي بطريقة لا تختلف كثيرا، حيث كانت حملته حصريا على السوشيال ميديا. أبهذا المهرج تواجه أوكرانيا كل عقد روسيا وبوتين؟
مهرج آخر اسمه بوريس جونسون. يعرفه البريطانيون الآن جيدا. يعشق الأزمات لأنه لا يعرف تقديم الحلول. أوكرانيا بالنسبة إليه فرصة للخروج من تداعيات كورونا ومن كوارث بريكست. من قائمة علاجه للأزمة الأوكرانية، إرسال ألف جندي غير مسلح إلى كييف، والتلويح بقائمة عقوبات على رجال أعمال روس. ألف جندي غير مسلح في مواجهة 200 ألف جندي روسي، وعقوبات على رجال أعمال، في الوقت الذي يمسك فيه بوتين بصمّام الغاز في جهاز التدفئة الغازي في بيتي وبيت جونسون. تهريج حقيقي.
إيمانويل ماكرون لم يتمكن من زحزحة موقف حزب الله في لبنان، هل بوسعه أن يذهب إلى موسكو ويغيّر موقف بوتين؟ في عالم قاس، لا وجود للرومانسية السياسية، خصوصا بلمحاتها الفرنسية. لا تستطيع باريس التفاهم مع حليف طبيعي في مالي لاعتبارات تبدو عاطفية أكثر منها استراتيجية. العالم يحارب متشددين دمويين في الساحل، وماكرون حائر بخارطة الطريق للديمقراطية في مالي. زعيم حالم.
من الصعب معرفة موقف المستشار الألماني الجديد أولاف شولتس. لكن ألمانيا بلد بارد جدا يحتاج الدفء من غاز روسيا، وأيّ مناورة بالعقوبات ثمنها عقوبات على الشركات الألمانية التي استثمرت كثيرا في روسيا. زعيم وليد ولا يزال في القماط.
وآخرهم أسوأهم: جو بايدن. يتحرك بسرعة ليجسد حال الضياع الأميركي بعد فوضى دونالد ترامب. لا يستحق الكثير من التعليق. الأكيد أنه آخر من يوضع في قائمة الزعماء القادة.