سؤال أوضح من الإجابة

بخطوة توصف بأنها هروب إلى الأمام، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحلّ مجلس الحرب بعد مرور أسبوع على استقالة بيني غانتس وآيزنكوت منه، تلك الاستقالة التي تركت حيزا شاغرا في مجلس الحرب، مما دفع وزير الأمن القومي سوبر ستار التطرف إيتمار بن غفير إلى الاستماتة ليشغل هذا الحيز الشاغر، وهروبا منه ومن إرهاصات دخوله، وتحررا من مطالبه المتطرفة عالية السقف، وليقبض أكثر على زمام الأمور ومواطن صناعة القرار، حلّ نتنياهو مجلس الحرب.
يبدو أن الشخصيات القيادية البارزة وصاحبة التأثير في الحكومة والمجتمع الإسرائيلي تتراوح بين قائد متشدد وقائد أقلّ تشددا بدرجة فقط، ولعل عقد المقارنة بين نتنياهو وبن غفير كمن يقارن بين الضبع والذئب، من أكثر وحشية وافتراسا.
فإيتمار بن غفير يبذل قصارى جهده للتدخل في مسارات الحرب في غزّة وجنوب لبنان وهو يطالب بكل وضوح بعودة المستوطنات للقطاع الكسير، ولن تكون هذه العودة آمنة قبل تسخير الأسباب اللازمة لنكبة فلسطينية ثانية، أساسها الترحيل الطوعي أو القسري، لا يهتم كثيرا بن غفير وأشباهه بالطريقة التي ستطبّق، ولكن يهمّهم أولا وأخيرا النتيجة التي هي تفريغ قطاع غزّة من كلّ مواطنيه ومن كلّ مناحي الحياة ومظاهرها، استعدادا لإقامة المستوطنات.
◄ عشرات الآلاف من الإسرائيليين يتظاهرون ضد حكومة بنيامين نتنياهو مطالبين بإجراء انتخابات مبكرة وإبرام صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس
ولنتحدث بواقعية أكثر وبعيدا عن الشّعارات السّرابية، فللأسف الشديد تمّت تهيئة كافة العوامل لضمان عملية ترانسفير ناجحة، تتم على شكل دفعات متتالية، بهدوء أو بصخب.
لو تجاوزنا أعداد الشهداء والجرحى والأسرى والمخفيين ومن تحت الأنقاض، وألقينا نظرة عامة على قطعة أرض خاوية على عروشها، بلا أبنية صالحة للسكن الآدمي وبلا مؤسسات صحية أو تعليمية أو ثقافية أو تجارية أو دور عبادة أو خدمات أساسية كالماء والكهرباء وحتى بلا شبكة صرف صحي، ويقبع تحت الدمار والخراب الكثير من الموت المفاجئ المتمثل بالقذائف التي لم تنفجر بعد، لوجدنا الإجابة الجليّة التي ستكشف عنّا بهتان أضاليل النصر وشعارات التحرير التي أودت لهكذا خاتمة مهلكة.
فهل نجحت إسرائيل في تحقيق أهدافها، نعم أم لا؟
وحتى لو اتجهنا لنناقش بتعقل مسارات الحرب، لعرفنا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يطيل أمدها وفقا لمصالحه الشخصية فقط لا غير، وهذا ليس بتحليل سياسي بل هو حقيقة يعرفها الصغير قبل الكبير، ولكن لا تكمن الورطة هنا، بل الطامة الكبرى أن ليس هناك أي عوامل ضغط قوية تحرر غزّة من قبضة نتنياهو، بل هو حاليا قد هيمن أكثر من قبل بعدما حلّ مجلس الحرب وقطع الطريق على وزير الأمن القومي بن غفير لدخوله.
وفي هذه الأثناء يتظاهر عشرات الآلاف من الإسرائيليين ضد حكومة بنيامين نتنياهو مطالبين بإجراء انتخابات مبكرة وإبرام صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس.
وفي الجانب الآخر، هناك عشرات الآلاف من الفلسطينيين يتضورون جوعا، بعد موت العشرات من الشبان والأطفال جوعا بسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل بما تحويه من يمين متطرف ويمين وسطي وقوميين وعلمانيين وخليط متجانس أو غير متجانس من أصقاع الكرة الأرضية، هدفهم واحد منذ أكثر من ثلاثة قرون؛ “أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض”.