زوجة الأب.. نماذج إيجابية تختفي وسط قناعات نمطية مقيتة

تمتلك زوجة الأب صورة ممقوتة في الأذهان بشكل عام، فدائماً ما تظهر في صورة سلبية شديدة القسوة، خاصة في تعاملها مع أبناء زوجها، وافتعال المشاكل حتى تستأثر بزوجها بعيداً عن أبنائه، وهو ما رسخته العادات والتقاليد والأمثال الشعبية والدراما التلفزيونية، إلا أن تلك الصورة السلبية لها وجه آخر، يتمثّل في الجانب الإيجابي لزوجة الأب، من حيث قدراتها على القيام بدور الأم البديلة، وتوفير الحب والرعاية للأبناء، وممارسة دور بنّاء في نجاح الأسرة واستمرارها.
الأربعاء 2015/12/16
زوجة الأب تلقى صعوبة في التواصل مع أبناء زوجها

تتداول جميع المجتمعات بما فيها المجتمع العربي، قصصاً عديدة عن زوجة الأب وحكايات لا تخلو من مظاهر القسوة والكراهية، باعتبارها امرأة بلا قلب مجردة من الإنسانية والعاطفة والحنان، ولا يقف وضع زوجة الأب عند هذا الحد بل هناك من يعتقد أنها تعمل جاهدة على توجيه الأب ضد أبنائه، وافتعال المشاكل ووضع الحواجز لإبعاد الأبناء عن حاضنة زوجها.

على الجانب الآخر عادة ما تلقى زوجة الأب صعوبة في التواصل مع أبناء زوجها نظرا لدورها الصعب في الأسرة، فبناء علاقة وطيدة بين الزوجة الجديدة والأبناء هو من أصعب التحديات التي يمكن أن تواجه أيَّ أسرة بعد وفاة الأم أو طلاقها، وهو ما يتطلّب من الزوج الكثير من الجهد والتضحية لإقناع الزوجة الجديدة بتقبّل أبنائه وتلبيته برعايتهم، وإقناع الأبناء باستيعاب والدتهم الجديدة.

وقد أشارت دراسة أعدّتها جامعة برينستون في الولايات المتحدة، إلى أن الأطفال الذين تربيهم زوجات آبائهم هم عامة عرضة لقلّة الرعاية الصحية الجيدة، والتأخر في التعليم، وانخفاض المصاريف التي تنفق على تغذيتهم، مقارنة بالأطفال الذين تربيهم أمهاتهم البيولوجيات، ما يدعم الروايات والقصص القديمة التي تعطي الصورة السلبية عن زوجات الآباء.

إلا أن هناك دراسة أخرى أجرتها عالمة النفس بجامعة تورونتو الكندية كاتارينا غرينه، توصّلت إلى أن نسبة قد تتجاوز 40 بالمئة من زوجات الآباء، تحاول مع شريك حياتها إرضاء أطفاله ورعايتهم، فغالباً ما تحاول زوجة الأب أن تتعاون مع شريك حياتها كي لا تقصر في دورها الاجتماعي، وأوضح الباحثون أنه إذا ما حاولت الزوجة الجديدة التنافس على مكانة الأم البيولوجية فإن محاولتها سوف تبوء بالفشل، لأن الرابط النفسي والمعنوي للأم البيولوجية كبير جداً، فليس بإمكان زوجة الأب أن تعوض دور الأم، ولكن بإمكانها أن تكون صديقة لأطفال زوجها وأن تسعى إلى رعايتهم وإرشادهم.

بناء علاقة وطيدة بين الزوجة الجديدة والأبناء هو من أصعب التحديات التي تواجه الأسرة بعد وفاة الأم أو طلاقها

ومن جانبه أوضح الدكتور محمد عبدالله، أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة حلوان في مصر قائلا: تأخذ العلاقة بين زوجة الأب وأبناء الزوج شكلاً متوتراً قبل بدئها، اعتماداً على الخلفية التي يكونها الأطفال عادة حول زوجة الأب أو زوج الأم، والتي تصور كلا منهما بأنه قاسٍ، شديد الكراهية لأبناء الطرف الآخر الذي ارتبط به، وعلى الجانب الآخر فإن زوجة الأب تنطلق أيضاً من خلفية نفسية أن هؤلاء الأبناء هم منافسون لها ولأبنائها المقبلين ، ويشكّلون خطراً على علاقتها بزوجها، مما يجعلها مستنفرة وبحالة من العدائية والحساسية تجاههم، وهو ما تعتبره نوعاً من الدفاع عن النفس.

وأضاف عبدالله: غالباً ما تأخذ الإشكالية النفسية لطبيعة العلاقة بين زوجة الأب والأبناء، شكلاً درامياً غير مبرر في أكثر الأحيان، لافتاً إلى أن طبيعة العلاقة بين الزوجة والأبناء ودرجة المودة أو الكره فيها تتأثر بأمرين، الأول: هو وجود أم الأبناء على قيد الحياة، لأنها قد تقوم بدور المحرض على كره زوجة الأب، كذلك فإن الأبناء لا يقبلون بسهولة تخلي الأب عن الأم، وحلول أخرى مكانها في حياتهم، والثاني: كيفية تعامل الزوجة الجديدة مع الأبناء، وقدرتها على استيعابهم وحبهم ورعايتهم.

بينما ترى الدكتورة صفاء عبد الرحمن، استشاري الطب النفسي، أن الصورة السلبية لزوجة الأب توارثها المجتمع نتاج ثقافته وتقاليده، فدائماً يظهرها بمظهر المرأة القاسية الشريرة، التي جاءت لخطف الأب وتعذيب الأبناء وتشريدهم، رغم أن هناك أمهات أشد قسوة من زوجة الأب، ولكن المجتمع يقف دائما ضد زوجة الأب، لافتة إلى أن الحنان أو القسوة في الشخصية يرجعان بشكل أكبر إلى طبيعة هذه الشخصية، وليس إلى دورها وصلة القرابة، مشيرة إلى أنه على الزوج أن يحسن اختيار الزوجة الثانية، خاصة مع وجود أبناء في حاجة إلى أم بديلة تعوضهم حنان الأم المفقود، مع ضرورة التعامل مع هذا الوضع الجديد بوعي وجدية ومحاولة خلق نمط يربط ويقوي بين أفراد هذه الأسرة الجديدة.

وتتابع: زوجة الأب عليها واجبات لتربية أطفال زوجها، وكذلك أيضاً لها حقوق في تربيتهم، ولا يجب أن يُفهم أي شيء تفرضه على أنه بمثابة قانون خاص في المنزل، واستيلاء على كل ما تركته الأم، مؤكدة أن هناك الكثير من الصور الإيجابية لزوجة الأب، والتي كانت بمثابة الأم للأبناء ترعاهم وتقوّم سلوكهم.

و يؤكد الدكتور صبري عبد الرؤوف، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن المرأة التي تقبل أن تكون زوجة أب يجب أن تكون واعية، وتمتلك قدراً من الشجاعة والذكاء والحكمة، حيث أنها مطالبة بأن تعيد التوازن للأسرة التي فقدت مصدر الحنان، حتى تجعلها تتقبل وجودها، ولا شك أن نجاحها في ذلك، سيحقق للأسرة بجميع أفرادها السعادة والاستقرار، لافتاً إلى أن الأب أيضاً له الدور الأكبر في حفظ التوازن النفسي للأسرة بكاملها، فعليه أن لا يتجه بكل اهتمامه إلى زوجته الجديدة ويهمل أبناءه، لأن سعادته الحقيقية في سعادة كل أفراد الأسرة بالحب والتفاهم والعدل في المعاملة بين زوجته وأبنائه، وعلى الزوجة أيضاً مساعدة زوجها في أداء دوره، من تفهم لمشاعر الأطفال، وعدم التدخّل في أسلوب التربية الذي يتبعه الأب معهم، ويجب أن تعرف أن الحب والتسامح أساسان سليمان لأسرة سعيدة مهما كانت الروابط بين أفرادها.

الصورة السلبية لزوجة الأب توارثها المجتمع نتاج ثقافته وتقاليده، فدائماً يظهرها بمظهر المرأة القاسية الشريرة، التي جاءت لخطف الأب وتعذيب الأبناء وتشريدهم

ويوضح عبد الرؤوف، أنه إذا أحسنت الزوجة معاملة أبناء زوجها بتربيتهم التربية الصالحة والعناية بهم، فلا شك أن هؤلاء الأبناء ستكون عليهم واجبات عظيمة نحوها، مؤكداً أن لزوجة الأب حرمة تماثل حرمة الأم، لذلك لها واجب الاحترام من جانب الأبناء، وحق البر والصلة حتى بعد وفاة الأب.

وفي سياق متصل، تشير الدكتورة بسمة جمال، المتخصصة في الإرشاد الأسري، إلى أن بعض الآباء لا يتزوجون إلا لتوفير شخص جديد في حياة عائلاتهم يحلّ ولو جزئيا محل الأم الغائبة، موضحة أنه في العديد من الحالات يكون الزواج الثاني للرجل بدافع حبه لعائلته وليس بدافع الأنانية، ومن ثم فإن أي امرأة تتقبل أن تكون زوجة لأب أرمل أو مطلق لابد لها أن تتفهم طبيعة هذا الدور وما يتطلبه من إرادة قوية وصبر، في محاولة للتقرب من الأبناء، مهما أظهروا لها من عداء ونفور، كونها بهذه الطريقة سوف تكسب ثقتهم ومحبتهم.

وأكدت جمال أن الأب يلعب دوراً أساسياً في تسهيل انخراط زوجته الجديدة في العائلة، بداية من حسن اختياره للإنسانة المناسبة التي تقدر أن تلعب دور الأم البديلة، وتتحلى بالنضج والحكمة، هذا إلى جانب تهيئة الأبناء لتقبّل الوضع الجديد، من خلال كسر حاجز الخوف والشك في نفوسهم، مشيرة إلى أنه في بادئ الأمر يتقبّل الأبناء الزوجة على مضضٍ كفرد جديد في العائلة، ولكنهم لا يلبثوا أن يعتادوا عليها ويمنحونها ثقتهم شيئاً فشيئا، فتغدو بالنسبة إليهم الرفيقة والراعية والأم القريبة.

21