زوجات يتسلحن بفتاوى دينية لتحدي أزواجهن

التصقت صفة “التسلط” دائما بالرجل، وربما كانت سببا في تمرّد الزوجة على الحياة، لكن السنوات الأخيرة شهدت انقلاب الحال وأصبحت شكاوى أغلبية الأزواج تتلخص في أن زوجاتهم متسلطات ومغرمات بالسيطرة.
السبت 2016/05/14
الفتاوى سبب في اختلال نظام الأسر العربية

المشكلة القائمة بأن دكتاتورية المرأة وتسلطها كانا تنفيذا لتوصيات وبروتوكولات أمها أو أختها أو تقليدا لإحدى زميلاتها، ومن الممكن تشكيكها في ما تفعله فيلين عقلها عندما تشعر أن هذا سيدمر أسرتها.

أما الآن فهي تستمد سلطويتها من آراء وفتاوى يطلقها فقهاء الدين وأصبح لسان حالها ينطق دائما بأن “الشيخ قال هذا”.

أطلت علينا منذ أيام فتوى لفقيه إسلامي شهير بأن مقولة “عدم جواز خروج الزوجة من المنزل إلا بإذن زوجها، يجب أن تُطبق على الرجل بالمثل”.

تزامنا مع الفتوى توافقت جمعيات نسائية مع فقهاء دين وشريعة في أهمية المطالبة بتشريع يمنع الرجل من السفر دون موافقة زوجته.

اعتبر كثيرون تلك الآراء سلبا لقوامة يتميز بها الرجل في مقابل صناعة امرأة متسلطة بـ“شرعية” تجعلها في تنافس دائم مع زوجها وكأنه خصم. دعاوى الفقهاء لم تكن الأولى من نوعها، بل سبقتها أخرى كانت كالشرارة التي أذكت تمرّد المرأة على زوجها، فوجدناها تتخلى عن القيام بواجباتها تحت ذريعة أن “الشرع لا يلزم المرأة بالقيام بالأعمال المنزلية”، وهناك من بررن عنفهن تجاه الأزواج بأن الشيخ قال “الزوجة من حقها ضرب الزوج إذا ضربها”.

تصاعدت ظاهرة تسلط المرأة مقارنة بالماضي، وأخرجت أسوأ ما فيها؛ حب السيطرة والتسلط في كل صغيرة وكبيرة، بعد أن كانت لا تستطيع مواجهة زوجها وتحدّيه.في المقابل تأججت مشاعر السخط لدى الرجل ردا على تصرفات زوجته، وتحوّل تسلطه إلى تمرّد علني في المحاكم. في الآونة الأخيرة توجه العديد من الأزواج إلى جهات حقوقية بعد أن فقدوا الأمل في الحياة مع سيدات متسلطات. التقت “العرب” عددا من الرجال اتهموا برامج شيوخ الفضائيات بأنها السبب في اختلال نظام الأسر العربية، بعد أن أعطوا المهمة المنوطة بعاتق الرجل للمرأة “فترجلت”، وأوضحوا بسخرية مريرة أنه لم يتبق إلا إعطاء مهام المرأة للرجل لكي يتأنث.

مصطفى حسين أربعيني العمر ويعمل محاسبا بإحدى الشركات، قال لـ“العرب” إن زوجته مغرمة بمتابعة وسائل الإعلام وتطبق ما تشاهده بحذافيره، تحمّل في البداية امتناع زوجته عن القيام بالأعمال المنزلية عملا بفتوى سمعتها من التلفزيون، ثم تجرأت ومدت يدها عليه طبقا أيضا لفتوى.

طالب المحاسب المكلوم من يطلقون تلك الآراء أن يتقوا الله في الرجال، فقد هدموا منازل كثيرة بفتاواهم وحوّلوا المرأة الوديعة إلى نسر جارح، من دون وعي.

الأمر لم يقف عند الطلاق، فقد رصدت “العرب” قيام رجال بإنشاء أكثر من 18 جمعية في مصر منذ عام 2010 حتى الآن، للدفاع عن حقوقهم المهدورة من قبل النساء، منها “معا ضد عنف السيدات” و“آدم قادم”، و“حركة ثورة رجال مصر” و“لا للسيدات”.

إحصائيات رسمية لمحاكم الأسرة المصرية ومكاتب تسوية النزاعات، ذكرت أن عدد الدعاوى التي تقدم بها الرجال للنجاة من سلطة زوجاتهم وصل إلى أكثر من 4500 حالة أمام محاكم الأسرة في النصف الأول من عام 2015، والأمر وصل إلى تسجيل عدد من المحاضر بأقسام الشرطة إلى نحو 12 ألف لأزواج اشتكوا من الاعتداء ماديا ومعنويا عليهم من قبل زوجاتهم. وأكدت دراسة جديدة للمجلس القومي للمرأة أن أكثر من نصف الرجال المتزوجين في مصر معرضون للضرب من زوجاتهم.

عدد الدعاوى التي تقدم بها الرجال للنجاة من سلطة زوجاتهم وصل إلى أكثر من 4500 حالة

نساء كثيرات سألتهن “العرب” عن الاتهامات الموجهة من الرجال لوسائل الإعلام وفتاوى الشيوخ بأنها السبب في تسلطهن، فقلن ربما ساهمت الفتاوى في الخروج من بوتقة تسلط الزوج بشكل شرعي بعد أن كانت ضمائرهن تعتقد أن هذا مخالف لشرع الله. لكن السبب الرئيسي هو نفضهن لغبار الجهل والعوز، ولم تعد ترضيهن سوى علاقة ندية مبنية على التشاور والتناصح والتراضي، كحق أساسي لهن، وليس تنازلا من الزوج وتفضلا منه.

وأكدت سحر عبدالباقي، باحثة بمركز الدراسات والبحوث الاجتماعية، أن بعض آراء الفقهاء أدت إلى تعريض الأسرة العربية لهزات اجتماعية عنيفة خلال السنوات الأخيرة.وأوضحت لـ“العرب” أن ظاهرها إنصاف المرأة لكن باطنها “خراب بيوت” ودسّ لأفكار ومفاهيم مسمومة في عقول النساء العربيات عبر وسائل صُممت خصيصا لتدمير الأسرة.

ووجدت من خلال دراسة أعدّتها أن أحد أسباب تسلط المرأة على زوجها مشاهدة برامج تحرض على تحطيم قوامة الرجل وتدعوها إلى التمرّد، كما ساعد في تأليب الزوجات على أزواجهن الفهم الخاطئ للرجال لمعنى “القوامة” والتطبيق السيء لها.

تساءلت الباحثة عن النتيجة المنتظرة من رجل يكره أن تسأله الزوجة عن مواعيد ذهابه وإيابه، ويعتبر ذلك مهانة لرجولته، وما ردّ فعله إذا علم أنه لن يخرج أو يسافر إلا بموافقة منها؟ تحفظت شيماء إسماعيل الباحثة بكلية الدراسات الإسلامية بالقاهرة، على إبداء رأيها في تلك الفتاوى، مؤكدة صعوبة القطع برأي محدد في هذه القضايا الجدلية لأنها اجتهاد فردي قابل للصواب أو الخطأ. وقالت إن المرأة العاقلة لن تستجيب لتلك الدعوات إلا إذا واجهت صعوبات في حياتها الزوجية، وتعرضت لضغوط من قبل الزوج أو افتقدت مشاعر العطف والحنان ما يدفعها إلى التمرد. العلاقة الزوجية تكامل وتعاون، ولكل من الطرفين ما يناسب ما فطره الله عليه وليست علاقة تصارع وتناحر، ففكرة المرأة السوبر المتسلطة على جنس الرجال والاستراتيجيات الفاشلة للتحكم في الزوج دعاية سخيفة أشاعتها وسائل الإعلام.

حامد عبدالواحد أستاذ الطب النفسي، أكد لـ“العرب” أن تلك الآراء زادت من سلطوية المرأة، فالمعروف أن حواء إذا مارست وظيفة ليست وظيفتها “تتطرف فيها وتتعنت”، لافتا إلى أن هناك حالات مرضية تُعرض عليه في الفترة الأخيرة نتيجة لتطبيق تلك الفتاوى.

وأوضح لـ“العرب” أنه رصد في الزوجات المتسلطات تحوّل أصواتهن بشكل دائم إلى الارتفاع والصياح، وأصبحن يعتدن بآرائهن ولا يُقمن وزنا لأي رأي ولو كان صائبا، ويقوى هذا الأمر معهن تدريجيا لكي يصير الأزواج ألعوبة بأيديهن لا يفعلون شيئا إلا بأمر وإذن منهن، والنتيجة في النهاية يصبحن مريضات نفسانيا يتمردن عمّا صنعته أيديهن.

21