زواج حفيد الخليفة

لدي صديق قرر الزواج بفتاة من بلد عربي. سبق وأن عاش سنوات في البلد ثم ارتحل إلى أوروبا وحصل على جنسية أوروبية، ثم عاد إليه حنينه القديم لذلك البلد العربي ووجد من يراها مناسبة له. كل ما فيه شرقي، شكلا وسلوكا وطريقة تفكير. لهجته توحي وكأنه ترك بلده الأم بالأمس. اسمه عربي أصيل ولقبه لا يحمل أدنى شك في أنه عربي مسلم بنسب عريق.
من ضمن الإجراءات المطلوبة في بلد العروس أن يثبت أنه مسلم. استجلب الوثائق الأصلية من بلده الأم وعرضها على الجهات المعنية بعد أن تم تصديقها من الوزارات المعنية والسفارات. البيروقراطية في بلد العروس جادلت وأخذت وردت وأخرت. لا تريد أن تقتنع بأنه مسلم. وكان واحدا من الحلول المطروحة أن يذهب إلى المؤسسة الدينية الرسمية في ذلك البلد لتنسب له شيخا يقوم بإشهار إسلامه أمامه ثم يستحصل على ورقة تؤيد أنه مسلم لكي يتم الزواج.
أين المشكلة في كل هذا؟ يذهب ويقوم بالإجراء الشكلي ونحل الإشكال.
المشكلة أن صديقي هذا حفيد لأكثر من خمسين خليفة للمسلمين، في بغداد وفي القاهرة. أسرته سادت لمئات السنين، وكان الملايين من المسلمين عبر القرون يدعون لرأس الأسرة، الخليفة، بطول العمر وصلاح الحال وأن يوفقه الله في رعاية شؤون المسلمين. لو تغير مسار التاريخ في لحظة من لحظات المفارقات، لكنا ندعو له في مساجدنا اليوم. كيف يقف اليوم أمام شيخ جامع ويشهر إسلامه؟ ربما على شيخ الجامع أن يدعو له.
الزواج مؤسسة مدنية تحكمها الأعراف الاجتماعية. المسلمون المؤسسون كانوا بالمطلق من أبوين ليسا مسلمين. بعضهم تزوج قبل الإسلام وبعضهم الآخر في بداياته، وقد تم إضفاء البعد الديني على مراسم الزواج لمنح مؤسسة الأسرة، وهي المؤسسة الحياتية الأهم، دعما نفسيا أكبر يضمن بقاءها ويحصّنها. وإلى حد قبل قرن من الزمان أنت مسلم لأنك تقول إنك مسلم، ولن تحمل أوراقا ثبوتية لإسلامك. ما كانت هناك أوراق ثبوتية أو هوية أحوال شخصية لدى مئات الملايين من المسلمين. لكنهم كانوا يتزوجون على النية وعلى العرف ووفقا لما يرتضيه طرفا الزيجة وأهلهما.
هناك الملايين من المسلمين ممن حصلوا على جوازات سفر غربية بحكم الهجرة. إنهم يحملون الجوازات في جيوبهم، لكنهم يحملون الإيمان في قلوبهم. من لديه شك، فلْيُجرِ إحصاء عن عدد المسلمين المهاجرين من الذين قرروا تغيير ديانتهم. سيجد أنها أرقام لا تذكر، بل العكس هو الصحيح.
ينتظر العربي المهاجر معاملة أفضل وتعقيدات أقل عندما يقرر العودة إلى بلده أو بلد عربي آخر ليتزوج ويؤسس أسرة. بعض المرونة مطلوب يا دولنا ويا مشايخنا.