زواج الأب أو الأم يدخل الأبناء في دوامة الخوف من المستقبل

يخاف أبناء المطلقين والمطلقات وأبناء الأرامل من دخول الأب أو الأم في علاقة جديدة مع شريك ليس والدهم أو والدتهم، ويخشون صورة زوج الأم وزوجة الأب التي لم تقترن بتجارب جيدة مع أطفال الشريك على مرّ الأجيال، لكن يضطر الأب أو الأم اللذان فقدا شريك الحياة للارتباط مجددا وقد يختاران ذلك كحل يبدو لهما الأفضل لتوازن حياته الأسرية. في المقابل يهلل الأهل غالبا ببداية حياة أسرية جديدة لابنهم أو ابنتهم بعد الطلاق أو وفاة الشريك ويبدو هذا التهليل جليا عندما يتعلق الأمر بالرجل حيث يحثه محيطه الأسري (عدا الأبناء) والاجتماعي على تجديد حياته ويترددون في ذلك حين يتعلق الأمر بالمطلقة أو الأرملة.
تونس ـ يختلف زواج الأرملة أو المطلقة أو الرجل المطلق أو الذي توفيت زوجته عن زواج العازب أو العزباء، وتلعب التجربة السابقة خاصة التي أثمرت أبناء دورا هاما في هذا الاختلاف حيث تبدو الفرحة محتشمة وحفل الزفاف متواضعا في أغلب الأحيان.
وتتنوع ردود الأفعال حيال تجربة الزواج الجديدة التي تأتي بعد انتهاء علاقة سبقتها سواء بالفشل والانفصال أو بوفاة الشريك، ويرى المرحبون بهذا الارتباط أنه خروج من تجربة قاتمة في الحياة الأسرية والاجتماعية وبداية لمرحلة جديدة علها تحمل الأفضل للمقبل عليها.
وعموما يرحب الأهل بخروج ابنهم أو ابنتهم من وضع المنفصل أو الأرمل خصوصا إذا كان لديه أبناء ويرون في ذلك أملا لتجديد حياته والخروج من الوضع النفسي السيء بعد انتهاء علاقته الزوجية ويأملون في أن يكون الشريك الجديد مؤهلا لتقبل وضعه الخاص ولمساعدته وتقاسم المسؤوليات معه.
ويعترض بعض أفراد الأسرة أحيانا على الزواج الثاني للمطلق أو الأرمل للعديد من الأسباب منها ما يتعلق به كشخص ومنها ما يتعلق بتأثره بتجربته الأولى، ومنها فقط لأن المعني امرأة.
ويظل الأبناء الطرف الأكثر رفضا في غالبية الحالات لارتباط والدهم أو والدتهم حيث يسيطر الخوف عليهم من زوج الأم أو زوجة الأب ولا يتوقعون الأفضل منه أو منها بل يرجحون السيناريوهات السيئة الراسخة في الوعي العام ومفادها أن علاقة زوج الأم أو زوجة الأب بأبناء الشريك غالبا ما تميل نحو الخلافات وسوء المعاملة والرغبة في السيطرة على الشريك لإبعاده عن أبنائه حتى من منطلق الغيرة. ويرى المختص في علم النفس ومدرب التنمية البشرية عبدالحميد بن حمادي أن الطلاق يختلف تماما عن وفاة الزوج أو الزوجة وهو “من الأحداث
المؤلمة التي يمكن أن تصاب بها العائلة فشدة تعلّق الأبناء بآبائهم تجعلهم لاشعوريا يرفضون أي بديل لهم لأنه قتل صوري لرمزية أحدهما”، عكس الوفاة التي تكون أمرا خارجا عن إرادة الأرمل أو الأرملة وحدثا فعليا يقلب حياة الأسرة كلها رأسا على عقب.
ويضيف بن حمادي في تصريح لـ”العرب” أن “الأطفال يرون أن زوج الأم أو زوجة الأب شخص غريب سيفتك مكانهم عند أحد الآباء وهذا يثير غيرتهم خاصة إذا كانوا في سن مبكرة ناهيك عن التهديد الذي يحسّ به الأبناء على اعتبار وجود شخص غريب يجعلهم خارج فضاء الأب أو الأم”. هذا بالإضافة إلى “التصورات المستقبلية التي يمكن أن ينسجها الطفل حول هذا النسق العلائقي الجديد وتكون الصور في معظمها سلبية”.
ويشير الأخصائي النفسي بن حمادي إلى أن المجتمعات العربية في معظمها “ذكورية أي ترى أن من حق الرجل أن يتزوج سواء عند طلاقه أو بعد وفاة زوجته بل إنه قد يُدفع دفعا لذلك، أما إذا تعلق الأمر بالمرأة فنظرا لاعتبارها الحاوية والراعية لأبنائها فعادة لا يقبل زواجها بشكل عادي مثلها مثل الرجل”.
ويؤكد مدرب التنمية البشرية أن عدم القبول يكون خاصة من جانب الأبناء لأن “صورة الرجل الغريب الذي سيسكن معهم ومع والدتهم وسيحتل حيزا من وجدانها أمر من شأنه أن يثير غيرتهم وغضبهم. إضافة إلى حضور صورة الأب مع ما أحدثه فقدانه من ألم ما يجعل قبول أحد مكانه أمرا ليس بالسهل”.
وبالرغم من أن العديد من التجارب مع زوج الأم أو زوجة الأب نجحت، إلا أنها تظل قليلة فالفكرة السائدة والصورة الشائعة لم تخلق من فراغ وهي تؤسس ضرورة لعلاقة تتسم بالنفور وخوف الأبناء من الفرد الجديد في العائلة والذي يوضع في مقام المنازع والدخيل منذ البداية، وهو ما يجعل مهمة زوجة الأب وزوج الأم جدّ صعبة.
كما أن العديد من الحكايات والشكاوى تأتي على لسان الأبناء من زوج الأم أو زوجة الأب ونستمع إليها في مجتمعاتنا العربية بشكل يومي، ويكون مفادها أن الشخص الجديد لا يمكن أن يعوّض الأم أو الأب خاصة عاطفيا وهو ما يجعل من ارتباط المطلق والأرمل قرارا صعبا ودقيقا ويحتاج إلى التفكير والدراسة والحوار مع الأبناء والتحضير النفسي قبل الدخول في معترك جديد مع الشريك والأبناء.
الأطفال يرون أن زوج الأم أو زوجة الأب شخص غريب سيفتك مكانهم عند أحد الآباء وهذا يثير غيرتهم خاصة إذا كانوا في سن مبكرة
ومن جانبه يرى الدكتور المختص في علم الاجتماع الطيب الطويلي أنه لطالما كانت نظرة المجتمع الشرقية الذكورية إلى المرأة المطلقة نظرة وصم وتبخيس. وهو ما كان يدفع بالمرأة في وضعيات كثيرة إلى تحمّل العنف الرمزي واللفظي وفي أحيان أخرى العنف المادي والجسدي لكي لا تتحول إلى “مطلقة” بكل ما يحتويه اللفظ من أبعاد سلبية كان المجتمع الشرقي يصم بها المرأة والتي يعتبر فيها المجتمع المرأة هي المتهم الأول والمسؤول الأساسي عن الفشل.
ويتابع في حديث لـ”العرب” أن “هذا الوصم ألا يقتصر على المطلقات بل هو يشمل الأرامل والعانسات وكل امرأة لا تستند إلى ذكر، أو كما يقال في المخيال الشعبي الشرقي ‘ظل الرجل’ ومع تطور المجتمع التونسي وتغير العلاقات داخل الأسرة بخروج المرأة للعمل وتحقيقها لوضع اجتماعي ومادي جديد تغيرت نظرة المجتمع إلى المرأة المطلقة حيث أصبح الوصم أقل بكثير.
وأصبح يـُنظر إلى المرأة على أنها كائن مستقل عن سلطة الذكر وزواجها من عدمه لا يمثل عاملا رئيسيا في نظرة المجتمع لها، بل هناك عوامل أخرى صارت تحدد ذلك مثل وضعيتها المهنية ومقدرتها على توفير المال أو مستواها الثقافي”.
ويعتبر الطويلي أن ارتفاع نسب الطلاق والعنوسة في المجتمع التونسي جعل من المرأة المطلقة لا تمثل استثناء كما كانت في السنوات الماضية، ولم يعد طلاق المرأة أو وفاة زوجها معرّة أو مسبّة لشخصها، فنظرة المجتمع التونسي إليها تطورت وتحررت بشكل كبير، حيث لم تعد المرأة تجد الصعوبات التي كانت تجدها في الماضي لإعادة بناء حياتها وإعادة الزواج.
ولم تعد هناك العراقيل السابقة المفروضة من الفكر المجتمعي التقليدي التي تمنعها من إعادة الزواج بالشكل الذي كان في الماضي.
ويخلص المختص في علم الاجتماع إلى أنه صحيح أن المرأة في حاجة إلى الرجل ولكنها حاجيات عاطفية وأسرية لتكمل عبره بناء أسرتها ولتقيم لأبنائها التنشئة الاجتماعية الصحيحة. كما أن الرجل أيضا في حاجة إلى المرأة وكلاهما مكمل للآخر دون أفضلية أو تمييز لأحدهما على الآخر، ولعل من أهم ميزات تونس ومن أسباب هذا الدفق المجتمعي والسياسي والمدني هو المكانة الاجتماعية للمرأة التونسية ومساواتها بالرجل في مختلف الأصعدة.
ولا ينفي هذا التقدم وجود صعوبات أمام الأرامل والمطلقات وأبنائهن في الاندماج في المجتمع حيث لا تزال النظرة الدونية تعترضهم في حياتهم اليومية وكذلك التمييز ضدهم الذي يظهر ولو بشكل نسبي بحسب البيئات الاجتماعية وبحسب المناطق (الريف أو المدينة) وبحسب الثقافة أيضا.
كما لا ينفي هذا التقدم الفكرة الراسخة عن أن زوج الأم أو زوجة الأب شخصية دخيلة تخيف بوجودها الأبناء وتخلق حواجز بينهم وبين تقبل زواج الأب أو الأم. ويفضل العديد من المطلقين والأرامل عدم الزواج مرة أخرى وتكريس حياتهم لأبنائهم خشية الفشل في التجربة وخوفا على أبنائهم.