رياح التغيير في السودان تزيح الغبار عن الإنتاج السينمائي

فيلم "ستموت في العشرين" مرشح لجوائز الأوسكار.
الاثنين 2020/12/28
خوف من مصير متوقع

وصلت نسائم الحرية إلى الفن والفنانين السودانيين بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، وجاء فيلم “ستموت في العشرين'” كأول ثمرة لهذا التغيير، ونال الفيلم الذي أخرجه أمجد أبوالعلاء إشادة من طرف النقاد بعد أن تم عرضه في مهرجان البندقية ونال جائزة أسد المستقبل لأفضل فيلم أول.

سامي مجدي

القاهرة - بعد مرور ما يقرب من عامين على الإطاحة بالرئيس عمر البشير، يتخذ السودان خطوات للانضمام إلى المجتمع الدولي الذي كان منبوذًا منه لفترة طويلة، إحدى هذه الخطوات، هي إحياء صناعة السينما.

ولأول مرة في تاريخه، يتقدم السودان لجوائز الأوسكار من خلال فيلم “ستموت في العشرين” من إنتاج مجموعة من الشركات الأوروبية والمصرية، ولكن مع مخرج وممثلين سودانيين، وسينافس الفيلم في فئة أفضل فيلم روائي طويل دولي.

تدور القصة حول شاب تم التنبؤ بوفاته في عمر الـ20 عاما بعد ولادته بفترة قصيرة، مما يلقي بظلاله على سنوات نشأته، ويوازي الأعباء الملقاة على عاتق جيل من شباب السودان.

واستنادا إلى قصة قصيرة للروائي السوداني حمور زيادة، يقول النقاد، إنها تثبت أن المشهد الثقافي للبلاد يستيقظ من جديد بعد عقود من القمع والركود.

تم إنتاج الفيلم وسط مظاهرات حاشدة ضد البشير الذي أطاح به الجيش في أبريل 2019 بعد أن حكم البلاد قرابة 30 عاما. وقال المخرج أمجد أبوالعلاء، “لقد كانت مغامرة.. كانت هناك احتجاجات في الشوارع تحولت إلى ثورة مع بداية التصوير”.

اندلعت انتفاضة السودان في أواخر عام 2018، ومع تضخم أعداد المتظاهرين في الشوارع، والكثير منهم من الشباب، تدخل الجيش وأطاح بالرئيس الإسلامي التوجه.

"ستموت في العشرين" لقي إشادات من طرف النقاد الذين اعتبروه فيلما حقيقيا يجعل الجمهور يشعر بكل تفاصيله
"ستموت في العشرين" لقي إشادات من طرف النقاد الذين اعتبروه فيلما حقيقيا يجعل الجمهور يشعر بكل تفاصيله

ومنذ ذلك الحين، شرعت البلاد في تنفيذ عملية انتقال هش إلى الديمقراطية، منهية سنوات من الحكم الثيوقراطي الذي حد من الحريات بصفة عامة وحرية الفن و الفنانين بصفة خاصة.

وتم الإعلان عن تقديم الفيلم في نوفمبر الماضي من قبل وزارة الثقافة في البلاد، قبل شهر من الذكرى الثانية لبدء الانتفاضة.

والفيلم يتبع في أحداثه رواية كتبها زيادة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين تؤرخ لحياة طفل في الستينات في قرية نائية تقع بين نهري النيل الأزرق والأبيض. ويسترشد السكان إلى حد كبير بالمعتقدات والتقاليد الصوفية القديمة، وهي نزعة صوفية في الإسلام.

ويبدأ الفيلم عندما تأخذ أم، اسمها سكينة، ابنها حديث الولادة إلى حفل صوفي في ضريح قريب كنوع من أنواع التبرك.

وعندما يبارك شيخ الطفل، يقوم رجل يرتدي ملابس تقليدية برقصة تأملية، يتوقف فجأة بعد 20 لفة، ويسقط على الأرض – وهذا نذير شؤم في التقاليد السودانية.

تناشد الأم الخائفة على مصير وليدها الشيخ أن يقدم تفسيرا، لكنه يقول، “أمر الله حتمي”. وفي هذه المرحلة، يفهم الجمهور، أن هذه نبوءة تتنبأ بموت الطفل في سن العشرين.

يشعر الأب بالذهول والإحباط، ويترك زوجته وابنه الذي يدعى مزمل لمواجهة مصيرهما وحدهما.

يكبر مزمل تحت العين الساهرة لوالدته شديدة الحماية، التي ترتدي الأسود تحسبا لوفاته المبكرة، تطارده تلك الحادثة أو النبوءة، حتى الأطفال الآخرين يسمونه “ابن الموت”.

وعلى الرغم من ذلك، يثبت مزمل، أنه فتى فضوليا مليئا بالحياة. وظهر بعد أن سمحت له والدته بالذهاب لدراسة القرآن، ونال هناك الإشادة على حفظه وتلاوته للآيات، ثم تأتي نقطة تحول.

يعود المصور السينمائي سليمان إلى القرية بعد سنوات من العمل في الخارج ليتعرف على مزمل، الذي يعمل الآن كمساعد لصاحب متجر القرية، ويقوم بتوصيل المشروبات الكحولية إلى سليمان، وهو أمر من المحرمات الاجتماعية.

سليمان، الذي يعيش مع عاهرة، يفتح أعين مزمل على العالم الخارجي بعد أن تطورت علاقتهما وتتالت لقاءاتهما.

ومن خلال مناقشاتهما، بدأ يشك في النبوءة التي حكمت حياته بالشؤم حتى الآن ومزقت عائلته.

ومع بلوغه التاسعة عشرة من عمره، يأخذ مزمل قراره بأن يعيش ويستمتع بحياته، حتى مع اقتراب موعد الموت الذي تنبأ به الشيخ في الزاوية.

الفيلم يعري التقاليد البالية
الفيلم يعري التقاليد البالية

حصل الفيلم على آراء إيجابية من النقاد الدوليين، بعد أن تم عرضه لأول مرة في القسم الموازي لمهرجان البندقية السينمائي الدولي لعام 2019، “فينيس دايز”.

وفاز بجائزة أسد المستقبل لأفضل فيلم أول، وهو أول فيلم سوداني يحقق هذا الإنجاز. ومنذ ذلك الحين، فاز بما لا يقل عن عشرين جائزة في مهرجانات الأفلام في جميع أنحاء العالم.

يقول المخرج أبوالعلاء، إن فريقه تصدى للعقبات في صناعة الفيلم، التي أطلقتها نفس البيئة المحافظة التي تصورها. ويلقي باللوم على البيئة التي خلقها البشير، الذي وصل إلى السلطة في انقلاب عسكري مدعوم من الإسلاميين في عام 1989. وتحت حكمه، كانت الحريات الشخصية محدودة مما قلّص من حرية الفن في نظر الكثيرين.

وقال أبوالعلاء، إن أحد التحديات الرئيسية، هو أن السكان المحليين في موقع التصوير الأولي اعترضوا على وجودهم. واضطر الطاقم إلى مغادرة المكان، لكنهم ثابروا على إتمام التصوير.

وأضاف، “كنا مؤمنين بأنه يجب إتمام هذا الفيلم تحت أي ظرف من الظروف”. وقال أيضا، إنه كان محظوظًا لأن فترة إنتاج الفيلم تزامنت مع لحظة التحول الثقافي للانتفاضة.

ولقي الفيلم إشادات من داخل المنطقة العربية، حيث كتب الناقد السينمائي المصري طارق الشناوي، “إنه فيلم حقيقي ومحلي للغاية يجعل الجمهور يشعر بكل تفاصيله أينما كان وأيا كان”.

والفيلم هو الثامن فقط الذي يتم إنتاجه داخل السودان، يقول أبوالعلاء، إن اختياره يظهر أن السودان لديه قصص لا حصر لها، لكنها لا تزال غير موثقة سينمائيا.

وقال أبوالعلاء، “لم تكن هناك صناعة أفلام في السودان، فقط هناك محاولات فردية، لأن حكام السودان لم يكونوا – شيوعيين أو إسلاميين – مهتمين بالسينما، لكنهم كانوا مهتمين فقط بوجود فنانين إلى جانبهم”.

والآن يأمل أبوالعلاء أن يتمتع هو وجميع صانعي الأفلام الآخرين بحرية مشاركة قصص السودان مع العالم.

15