روسيا تستنزف الخزان الجهادي لتركيا في إدلب

دمشق - يواصل الجيش السوري تقدّمه على الأرض ويقترب تدريجيا من تحقيق هدفه باستعادة الطريق الدولي المعروف بـ“أم 4” الذي يمرّ عبر ريفي إدلب وحلب. ويكتسي هذا الطريق أهمية استثنائية لجهة أنه يمتد من معبر اليعربية الحدودي مع العراق، وحتى اللاذقية المطلّة على البحر المتوسط.
ويقول متابعون للشأن السوري إن مسألة استرداد هذا الطريق الحيوي، وإن يشكّل أولوية لدى دمشق وموسكو إلا أنه يندرج في سياق معركة كبرى عنوانها استعادة كامل محافظة إدلب ومحيطها، ولعل التصريحات الروسية الأخيرة تكرّس حقيقة هذه النوايا.
وعلى ضوء الإصرار الروسي السوري في الذهاب بعيدا في معركة إدلب، فإن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة هو ما مصير الآلاف من المقاتلين والذي يقول البعض إنّ عددهم يتجاوز الـ60 ألفا معظمهم ينضوون تحت لواء “هيئة تحرير الشام” التي تقودها جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا).
وكان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قد شدد في تصريحات الأسبوع الجاري على أن بلاده لن تتهاون مع الإرهابيين في إدلب، وقال لافروف إن “المقاتلين من الجماعات المسلحة في حاجة إلى التوقف عن الاتصال بالإرهابيين بأي شكل من الأشكال، ويجب أن يستسلم الإرهابيون، لأنه لا يمكن أن يكون هناك رحمة معهم”.
تصريحات لافروف استفزت الجانب التركي الذي سارع للرد عبر الرئيس رجب طيب أردوغان قائلا إن “صبر أنقرة بدأ ينفد” وأن على النظام السوري وحليفته موسكو وقف العمليات في المنطقة، تلا ذلك اتصال هاتفي بين رئيسي الأركان التركي يشار غولار والروسي فاليري غيراسيموف.
ويعتقد كثيرون أن الموقف التركي المتوتر يعود لقلق أنقرة من أن تتجاوز عملية إدلب السيطرة على الطريق الدولي، وأن تفقد أنقرة خزانا جهاديا تراهن عليه في عملياتها التوسعية بالمنطقة العربية وعلى رأسها ليبيا.
وكانت موسكو وباريس اتهمتا في وقت سابق من هذا الأسبوع تركيا باستئناف نقل الجهاديين من إدلب إلى ليبيا، رغم وجود اتفاق تم التوصل إليه في اجتماع دولي عُقد ببرلين بشأن الملف الليبي يقضي بوقف إرسال مرتزقة إلى هذا البلد لما لذلك من تداعيات كارثية على مستوى تأجيج الصراع.
ويقول محللون إن روسيا إلى جانب حرصها على أهمية استعادة الحكومة السورية لمحافظة إدلب فإنها تأخذ بعين الاعتبار استنزاف الخزان الجهادي لتركيا، باعتباره يشكّل تهديدا وجوديا ليس فقط على مصالحها في المنطقة العربية، حيث يقف الجانبان على طرفي نقيض (سوريا وليبيا مثالا)، بل وأيضا على أمنها القومي حيث لطالما نشطت أنقرة في ساحتها خلفية.
ويتركّز التصعيد الروسي السوري حاليا في ريفي إدلب الجنوبي وحلب الغربي، ونجح الجانبان في السيطرة الخميس على 5 قرى جديدة مقتربين من مدينة سراقب الاستراتيجية حيث تقع بالقرب من تقاطع للطريقين أم 4 وأم 5 الذي لا يقلّ أهمية لجهة أنه يمتد من محافظة حلب وإلى حدود معبر التنف الحدودي مع الأردن.
وكان الجيش السوري استعاد الأربعاء السيطرة على مدينة معرة النعمان، ثاني أكبر مدن إدلب والواقعة بدورها على الطريق أم 4.
ويمرّ هذا الطريق الدولي من ثلاث مدن رئيسية في إدلب، خان شيخون التي سيطرت عليها القوات الحكومية خلال صيف 2019، ومعرة النعمان، ثم مدينة سراقب شمالاً التي لا تزال خارجة عن سيطرتها.
وتضع الحكومة مدينة سراقب نُصب أعينها. وتدور حاليا اشتباكات عنيفة جنوب المدينة، وقد بات الجيش السوري على بعد خمسة كيلومترات منها، وفق المرصد، الذي أشار أيضا إلى استمرار المعارك غرب حلب، حيث حقق الجيش أيضا تقدّما ملحوظا.
وخلال أسبوع فقط، سيطرت القوات الحكومية على أكثر من 30 قرية وبلدة ومدينة في جنوب إدلب وغرب حلب.
وحذّر المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري في إفادة صحافية الخميس من أن نحو 700 ألف نازح في شمال غرب سوريا “يتحركون حاليا باتجاه الحدود التركية وهو ما سيثير أزمة دولية”.
ومنذ سيطرة الفصائل الجهادية والمقاتلة على كامل المحافظة في العام 2015، تصعّد القوات السورية بدعم روسي قصفها للمحافظة أو تشنّ هجمات برية تحقق فيها تقدماً وتنتهي عادة بالتوصّل إلى اتفاقات هدنة ترعاها روسيا وتركيا، كان آخرها اتفاق جرى الإعلان عنه في التاسع من الشهر الحالي لكنه لم يدم سوى عدة أيام.
ويقول خبراء عسكريون إن النظام وروسيا قد يضطران نتيجة الضغوط إلى تخفيف وتيرة التصعيد ولكن ذلك لن يتم إلا بعد السيطرة على الطريقين أم 4 وأم 5، وهذا في حال تحقق سيعني ليس فقط عودة شريان حيوي لدمشق بل وأيضا حصر الجماعات الجهادية في رقعة جغرافية بما يسهّل القضاء عليهم، إذا لم تتحرك راعيتهم تركيا وتبرم اتفاقيات جديدة مع الجانب الروسي.
وكانت تركيا وروسيا أبرمتا في 2018 اتفاقا لخفض التصعيد في إدلب ومحيطها بيد أن أنقرة أخلّت بالتزاماتها في ما يتعلق بفصل الجهاديين وهم يشكّلون الغالبية عن المقاتلين “المعتدلين”.