روثكو ورحلاته الروحية

كان روثكو يشك في أن حواره الغامض مع روحه المعذبة قد صار مفهوما بحيث يجري تداوله باعتباره لغة سائدة بين المريدين المأخوذين بسحره.
الاثنين 2021/03/22
مارك روثكو رسام الأشياء التي لا تُرى

لوحات الأميركي مارك روثكو (1903 – 1960) تسكن المتاحف الآن وتُباع إن عرضت في المزادات بعشرات الملايين من الدولارات. ولأن روثكو ظاهرة فريدة من نوعها في تاريخ الفن فلا أحد يجرؤ على السؤال عمّا يعنيه في لوحاته، وإن سأل فهناك المئات من الإجابات التي يتميّز معظمها بالغموض.

غير أن موته منتحرا في إمكانه أن يفتح الباب للاستفهام عن حياته المربكة. هناك تناقض مرير بين ما يشعر المرء به من سعادة وهو يرى لوحات روثكو وبين حالة اليأس التي دفعت رسام تلك اللوحات إلى الانتحار “لقد انتهت الأسباب التي تدفع بالمرء إلى الاستمرار في مزاولة الحياة” كما لو أن الحياة مهنة، يقرّر المرء اعتزالها متى يشاء.

تلك صورة كئيبة تركها الرجل القادم من لتوانيا مهاجرا ولم ينسجم مع المزاج الأميركي القائم على الاستهلاك السريع. لم تكن أعماله التي تم تصنيفها ضمن تيار التجريدية التعبيرية والتي صارت واجهة لأميركا في بداية غزوها العالم لتعبّر عن رغبة في الغزو والذهاب بعيدا عن المرسم، هناك حيث تطوف روح الرسام.

ولكنها وقد تم تسويقها في العالم في سياق دعاية سياسية جذبت إليها الأنظار ووجد نقاد الفن فيها ما يشير إلى تحوّل خطير في سبل الرؤية. ذلك لم يقنع روثكو ولم يخرجه من دائرة حزنه القديم. كان روثكو يشك في أن حواره الغامض مع روحه المعذبة قد صار مفهوما بحيث يجري تداوله باعتباره لغة سائدة بين المريدين المأخوذين بسحره.

لقد أجهضت السياسة فكرته عن رحلاته الروحية التي قال عنها الكثير من الكلام الذي تحوّل إلى مقولات ذهبية لا تزال تجري على ألسنة الفنانين المهمومين بأسرار تلك الرحلات. هل كان روثكو يحدث كائنات تقيم في عالم غير مرئي؟ لم يكن هناك شيء يُرى ليُرسم.

غير أن ذلك العالم غير المرئي الذي رسمه روثكو يظل كامنا ومقيما بعمق في لوحاته ذات الألوان الصافية. لا يمكن للمرء حين يراها إلاّ أن يحبها. لن يسأل نفسه “لمَ أحببتها؟” بل سيبحث عن المواقع التي تنبعث منها أسباب ذلك الحب.

16