رواية "كندا" للأميركي ريتشارد فورد في نسخة عربية جديدة

عمان – تكتسب رواية “كندا” للكاتب الأميركي ريتشارد فورد، الحاصلة على ثلاث جوائز عالمية، أهميتها من عوامل عديدة، منها طريقة الكاتب في استخدام اللغة وبناء الشخصيات والأساليب السردية المبتكرة وغير المسبوقة. إنه سحر السرد بامتياز كما يتجلى في أسلوب فورد.
في هذه الرواية التي ألفها أهم روائي أميركي معاصر نقرأ قصة مأساة عائلية مدمرة يرويها فتى في الخامسة عشرة بطريقة ساحرة تشدك من السطر الأول إلى الأخير.
محطّماً من المصيبة الناجمة عن سرقة والديه واعتقالهما، يصارع ديل، بطل الرواية، تحت سماء سهول كندا المترامية كي يبني نفسه من جديد، ولكن بحثه عن الراحة والسلام يقوده إلى اصطدام مروّع وإجراميّ مع رملنغر، ليتغير مصيره جذريا.
ويلفت الناقد محمد إسماعيل إلى أن “كندا” هي إحدى روايات ريتشارد فورد الأخيرة، وليس العمل، الذي استغرقت كتابته نحو عقدين من الزمن عاطلاً من الجوائز، إذ اقتنص جائزة “بولتزير برايز”، والكاتب هناك يصنفه النقاد واحداً من أعظم الكتاب في الأدب الأميركي المعاصر، ويعتبرونه وريث مبدع “العجوز والبحر” إرنست هيمنغواي.

قارئ الرواية سيحس وكأنه يمر بوتيرة مؤلمة ومفصلة، وأيضا كأنه يشاهد حطام قطار وهو يتابع حياة البطل
العام 1960، هو الزمن المحوري في الرواية والذي يشهد على حدث سيغير حياة أسرة مكونة من زوجين مختلفين وولدين، أب بأوصاف جسدية وسمات شخصية مغايرة تماماً لما عليه الأم، ومع ذلك التقيا وتزوجا، ربما انتهاكاً للحدود، وتمرداً “مدمراً للذات”. فالأب كان بمثابة “وكيل الموت الصافر الهابط من السماوات” خلال عمله في الجيش الأميركي، بينما الأم شاعرة ذات قيم مجيدة، لها صفات مغايرة، تعاني اغتراباً ورغبة في العزلة وعدم التكيف مع أحد، فهما على حد تعبير الرواية “لم يكونا مخلوقين لبعضهما”.
ويذكر إسماعيل أنه بحيادية يؤثر كثيرون وصفها بـ”الواقعية القذرة”، تسجل الرواية كل شيء، ترسم بتقشف محسوب طبيعة الحياة في تلك المرحلة، شكل الشوارع في كل مدينة انتقلت إليها، الحملة الرئاسية التي كانت تجري حينها، تسرد كيف سرّح الأب من سلاح الجو بعد احتيال لتوريد لحوم البقر المسروقة للقاعدة التي كان يعمل فيها، وما كتبته الأم في دفتر يومياتها تحت “سجل جريمة ارتكبها شخص ضعيف”، وحال الأب المتعثر مالياً والمهدد بقتل أسرته إن لم يردّ ديناً لمجموعة من الهنود الذين تورط معهم في صفقات مشبوهة، وكيف قلب الابن كل شيء.
رواية “كندا” مُتقنة وتستند إلى رؤية ساحرة، مذهلة وعميقة، وهي عن حدود تُنْتَهك وبراءة تُفقد، ومصالحة تتم، وعن الروابط الأسرية الغامضة. الرواية مكتوبةٌ بنثر مقتصد، شاعريّ وعميق، ولهذا من المتوقّع أن تصبح واحدة من الكلاسيكيات العالمية.
قارئ الرواية سيحس وكأنه يمر بوتيرة مؤلمة ومفصلة، كأنه وهو يتابع حياة البطل المنهارة يشاهد حطام قطار في حركة بطيئة.
لا تروي “كندا”، الصادرة عن دار خطوط وظلال الأردنية في ترجمة جديدة قام بها الشاعر أسامة إسبر، قصة فحسب، بل ترويها ضمن سياق وداخل ثقافة ما، بالتالي إن غوص الرواية نقدياً في هذه الثقافة من خلال الإطار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي تتحرك فيه الشخصيات يعد عاملاً جوهرياً في أهمية رواية ما وقدرتها على التأثير.
إن الرواية، بهذا المعنى، قراءة في مصير شخصياتها وللثقافة الأميركية التي أنتجتها، ولا تتوقف عند حدود مأساة بطلها.
وكما يقول الناقد والروائي الأميركي أندريه دوبوس إن هذه الرواية “حكاية عما يحدث حين نتجاوز خطوطاً معينة ولا نستطيع العودة أبداً. إنها فحْصٌ للقوة العلاجية للذاكرة المصقولة، وعمل أدبيٌّ متقنٌ لأحد أروع كتّابنا الذي هو أحد قمم هذا النوع الأدبي”.
ويذكر أن ريتشارد فورد ولد عام 1944، وهو روائي أميركي وكاتب قصة شهير نال العديد من الجوائز العالمية وترجمت كتبه إلى مختلف اللغات. حصل على إجازة جامعية من جامعة ميشيغان. وبعد تخرجه علّم في إحدى الثانويات وتطوع في المارينز ولكنه سُرّح بعد أن أصيب بالتهاب في الكبد. ورغم إصابته بعسر قراءة إلا أنه أعلن أن ذلك ساعده كقارئ حيث أجبره على التعامل مع الكتب بطريقة معمّقة.
