رواية كرنفالية يصطدم فيها عالم المال بقسوة الصحراء

يقدم الكاتب السويسري يوناس لوشر (40 عاما) في روايته “ربيع البربر” رحلة استشراقية ساخرة، نقرأها من خلف نوافذ الفنادق الضخمة وسيارات الليموزين التي تحمل أغنياء أوروبا في تونس التي تدور أحداث الرواية في أحد منتجعاتها، لنقرأ نصا ساتيريا عن رؤية طبقة الأغنياء لبلاد الصحراء، وحقيقة تلك الطبقة حين تخسر كل شيّء لتجد نفسها وسط اللا مكان في واحة تشوب جنوبي تونس.
متعة الحكي
تحكي رواية “ربيع البربر”، التي صدرت عام 2013، وصدرت في طبعة عربية هذا العام، عن دار العربي للنشر والتوزيع، ترجمة الباحث علا عادل، قصة رجل الأعمال السويسري برايزنج الذي يزور تونس في رحلة سياحية، وهناك يتعرف على سليم مالوخ رجل العصابات الذي يفقد رأسه إثر انفجار في المصنع الذي يمتلكه تاركا برايزنج مشدوها مع ابنته سعيدة التي تأخذ الأخير إلى المنتجع الذي تديره.
يتجاهل برايزنج حقيقة مالوخ الذي يشغل الأطفال القاصرين في مصنع الفوسفات الخاص به، يتجاوز الصدمة ويذهب إلى منتجع سعيدة ليحضر زفافا إنكليزيا، هناك تبدأ مظاهر طبقة المال الأوروبية بالظهور ورؤيتها للصحراء بوصفها أرضا للغرائب والمغامرات.
تدور الحكاية على لسان برايزنج في أحد البارات وهو يرويها لأحدهم، الأخير يشكك بصحة ما يقوله برايزنج، الذي قد يصل حد الخيال الذي لا يمكن تصديقه، فموت قطيع الجمال وحريق المنتجع ثم الوليمة العجائبية التي يقوم بها النزلاء بعد الانهيار المتخيّل للنظام المالي في بريطانيا، إذ أن قتل جمل وحشوه بالكلاب لشيّه يجعل الحكاية تقارب الساتير، السخرية اللاذعة حد البذاءة في ظل انهيار “المنظومة” التي تحدد مكانة ونفوذ أولئك الأوروبيين.
يوناس لوشر يقدم في روايته رحلة استشراقية ساخرة، نقرأها من خلف نوافذ الفنادق الضخمة وسيارات الليموزين
السخرية والغروتيسك والجنس التي تحويها الرواية تجعلها أقرب لرحلة كرنفالية، يصطدم فيها عالم المال والرأسمالية بعوالم الصحراء وقسوتها والتي تصل بالسياح حد الجنون وخصوصا بعد حفل العرس المحرج واختفاء ثرواتهم، وعجزهم عن دفع أجرة المنتجع لينتهي بهم الأمر يمشون في الصحراء كأيام “السبي البابلي”، حسب تعبير الكاتب.
طبقات العنف
تحمل الرواية عنفا على عدة مستويات مرتبطا بتاريخ كل شخصية وما شهدته في حياتها وسهولة انزلاقها وراء نزواتها مهما كانت نتائجها، فقوة المال يعكسها العنف وهذا مرتبط بطبيعة المؤسسات العابرة للقارات التي يقومون عليها، فرجل الأعمال برايزنج وبالرغم من سلطته الصورية وكونه يستلم الأموال فقط، نراه لا يتحرك أمام مشهد عمالة الأطفال في أحد مصانعه، أو أمام مشهد سحل سعيدة أمامه.
من جهة أخرى نقرأ في “ربيع البربر” وحشية النيوليبرالية من أعين القائمين عليها، ولحظة جنونهم حينما فقدوا كل شيء، حينما أرادوا التهام كل ما حولهم وإشعال حريق بطقوس بدائية حتى لو كان فيه موتهم، أما حقيقة ما حدث مع برايزنج فتبقى رهن المخيلة، أمن الممكن أن يكون كل ما يقوله من وحي أفكاره أم أنه فعلا شهد ما شهد بل وكان حاضرا حين اندلعت أول ثورات الربيع العربي في تونس والتي يحمل العنوان إشارة إليها؟
|
صور ساخرة
الشخصيات التي تحويها الرواية هي نتاج تكثيف للصور النمطية التي نراها تعكس الغرور الإنكليزي والدعابة المثقفة للإنكليزي والحياد السويسري، في الجانب الآخر نرى الإحالات إلى الأدب المغاربي كمحمد شكري وغيره، وكأن كل ما يقدمه الكاتب مصدره ما هو عالمي لا محلي، كل ما هو متداول في الغرب لا ما هو محلي أصيل، لا ننكر بذلك تجربة شكري المذكورة أو غيره لكن الرواية تتعامل مع الصورة الحاضرة في الغرب لا ما تنتجه المنطقة، فحتى المنتجع هو تكثيف مكاني للمتخيل الاستشراقي بواحاته ونخيله وأثاثه الفاخر الذي يعكس مادياً هذه الأفكار الغربية عن الشرق.
اللغة الرشيقة للرواية تجعل السرد خاليا من الثرثرة والمجانية، فهي على لسان راو يقول ما هو مثير ويكشف الأحداث القادمة، فالتشويق هو العنصر الفعّال في دفع الحبكة، كما يمكن اعتبار الرواية محاكاة ساخرة لروايات الرحلات المرتبطة بالاستعمار، ليظهر فيها الغربي صاحب المال أخرق، بل ومدفوعا بسطحية تجاه المغامرة، متجاهلا ما تكتسحه ثروته من حياوات، ويتضح هذا في الرواية ضمن حادثة قطيع الجمال الذي دهسته حافلة السياح، صاحب الجمال خسر كل شيء، ويقول برايزنج إن ما خسره صاحب الجمال يعادل ما يكسبه هو ليوم واحد، لكنه وكما يصفه الكاتب نفسه، سويسري جدا، يقف على الحياد، لا يتصرف بل يراقب كالمشلول.
ويختم الكاتب السويسري لوشر روايته بقوله “عدم الفعل هو موضوع هذا الكتاب، إنه أحد الأعراض المرضية لعصرنا”.