رواية سعودية عن لعنة الجنون والحياة المهدورة

تبدأ رواية "عقل سيّئ السمعة"، للكاتبة زينب حفني، قبل بضع ساعات من عيد ميلاد “وجدان” الثالث والثلاثين لنقرأ مونولوجا عن الوحدة التي تعيشها إثر المآسي التي مرت بها في الماضي، فأمها “جميلة” مصابة بمرض ثنائي القطبية وعاشت ويلات المرض الذي غيّر حياتها وحياة ابنتها بالكامل، إذ شهدت وجدان خيانة أمها لأبيها، ومحاولات انتحار جميلة، بالإضافة إلى محاولة القتل التي تعرضت لها وجدان من قبل والدتها حين كانت صغيرة.
تكتشف وجدان في النهاية أنها مصابة بذات المرض الذي أودى بحياة والدتها جميلة التي تفرد لها حفني فصلا يتناول طفولتها ومرضها وعلاقتها مع زوجها حامد والد وجدان، الذي نقرأ عن حياته في فصل آخر بحيث ترتسم ملامح الحياة المتوترّة بينهما من وجهتي نظر كل منهما، مرة بأعين المريضة المضطربة وأخرى بأعين الزوج العاقل المتفاني.
الجنون قدرا
تعود المأساة للحضور، فالحب الذي من المفترض أن ينقذ جميلة فشل في ذلك، والآن يعود ليخذل وجدان التي يتركها كِلا زوجيها بسبب مرضها، فالأخير ضياء، يهجرها بسبب حملها لرفضه أن يكون له ولد مجنون، ما يدفع بوجدان إلى إجهاضه.
في النهاية، تنتحر وجدان في طقس رومانسي جنائزي بعد أن تترك لزوجها ضياء رسالة انتحار، تحوي حوارا افتراضيا مع الروائية الإنكليزية “فيرجينا وولف” التي انتحرت أيضا لأنها كانت مصابة بذات المرض.
تدين الرواية الجنون البيولوجي/ الإكلينيكي، ليبدو وكأنه لا مناص من خذلان العقل، لتبدأ السلالة كلها والمصابة بلوثة الجنون بالانهيار تباعا، وكأن آلية المأساة يعاد إنتاجها بسبب التوصيف الطبي، فالمرض الذي تتعدّد أسماؤه في الرواية (الجنون/ الاكتئاب/ ثنائية القطبية) لا يمكن الفرار منه.
فضاءات متناقضة
ترسم الرواية ملامح الفضاء الذكوري وعلاقات الشخصيات معه، التي تبدو أنها ترحل -ذكورا وإناثا- عن المجتمع المحافظ إلى الخارج من أجل أن تحيا بالصورة التي تهواها، وتعبّر دون أيّ حدود أو قيود، فالمجتمع لا يمارس طغيانه على المرضى فقط بل حتى على الأصحاء، فزوجا وجدان يوسف في البداية ثم ضياء، كلاهما يقعان في هيامها ثم يفرّان منها بسبب مرضها، لتبقى صورة الأب راسخة بوصفه الحضن المنيع والحنون للطفلة وجدان ولأمها المضطربة.
الرواية تدين الجنون البيولوجي ليبدو وكأنه لا مناص من خذلان العقل، لتبدأ السلالة المصابة بلوثة الجنون بالانهيار تباعا
فالتعلق بالأب واضح بوصفه النسق الرومانسي الذي يمكن اعتباره الصورة المضادة للبيئة الذكورية القاسية التي تمارس سطوتها على النساء، لكن ما يلاحظ هو أن الجميع أغنياء، جميعهم قادرون على السفر حول العالم، كلهم لا يبالون ويعيشون حياة الترف التي هي أيضا تفشل في وجه الحقيقة البيولوجية والتصنيف المؤسساتي للجنون.
يزداد عمق الصورة الرومانسية المرتبطة بالمأساة في الفصول الأخيرة، حيث تستحضر الراوية صوت فيرجينا وولف لتدور محاورة وهمية بينهما، وذلك في الرسالة الأخيرة التي تكتبها وجدان إلى زوجها ضياء الذي هجرها، ليبدو وكأن الهلوسات قد استحكمت في دماغها، بالرغم من أن هذه التقنية تخدم السرد بصورة ما، إلا أنها لا تبدو متماسكة بوصفها محاولة لتفعيل التناص بين شخصيتين على وشك الانهيار، وتتشاركان في المأساة بالرغم من اختلاف الحقبة الزمنية بينهما.
الراوية وجدان نفسها تعترف بأنها قرأت عن فيرجينا وولف بالصدفة وأنها تتمنى أن تكون كاتبة، هنا لا تتضح التقنية السردية، هل كانت الرواية بأكملها عبارة عن محاولة وجدان للتحول إلى كاتبة أم أن آخر فصل “رسالة الانتحار” والفصل الأول ليسا إلا سردا عن الآن وهنا؟ هذا التساؤل يجعل الفصول التي تتناول حياة كل من جميلة وحامد تخضع لسؤال تقني، لِمَ استخدمت أصوات الشخصيات عوضا عن صوت وجدان التي تستدعي ذاكرتها ؟
الرواية تقدم مأساة رومانسية، وبالرغم من الطريق المغلق الذي ترسمه، إلا أنها تخلق الوهم بأن الحب لا بدّ أن ينتصر حتى وإن كان في الأحلام، كما أنها لا تجعل من الجنون وسيلة لمحاكمة العقل ذاته والتصنيفات التي يخضع لها.