رواتب التقاعد لا توفر عيشا كريما للأسر التونسية

انعكست الأزمة التي تعيشها الصناديق الاجتماعية في تونس منذ أكثر من عشرين سنة على نظام الرواتب، وهددت استمرارية إسداء الصناديق لمنافع الضمان الاجتماعي لفائدة منظوريها. وقد ساهمت هذه الوضعية الصعبة، زيادة على ضعف الرواتب الممنوحة خصوصا في القطاع الخاص، في ضعف رواتب التقاعد مما أثر سلبا على طبيعة عيش الأسر التونسية.
تونس ـ شهدت تونس على غرار عدّة بلدان تحولات ديموغرافية اتسمت ببروز ظاهرة الشيخوخة السكانية والعائدة إلى عاملين أساسيين، وهما ارتفاع مؤمّل الحياة عند الولادة وانخفاض الخصوبة، والذي انجرّ عنه ضغط مالي على نظام التقاعد الممول وفق مبدأ التكافل بين الأجيال.
كما أدى ارتفاع مدة الانتفاع بالراتب من 13 سنة في التسعينات إلى 20 سنة حاليا، وبالتالي تطور فترة الانتفاع به إلى التقليص من حجمه، وهو ما جعل العديد من الأسر التونسية تشتكي من ضعف رواتب عائليها بما لا يمكنها من العيش الكريم.
وأكد عبدالجبار الغربي متقاعد كان يشتغل بشركة بالقطاع الخاص، أنه بالكاد يستطيع تأمين لقمة العيش لعائلته. وقال لـ”العرب”، إنه “أمام ارتفاع أسعار كل المستلزمات الضرورية يبقى الراتب غير قادر على سدّ كل الاحتياجات”. وأضاف أن لديه ولدين يدرسان بالجامعة وهو ما أثقل كاهله وزاد من نفقاته.
بدوره أشار أحمد قطاطة أستاذ تعليم ثانوي متقاعد، إلى أن راتبه ليس متدنيا في المجمل لكنه لا يمكنه من عيش مرموق يلبي رغبات أبنائه.
وقال قطاطة “إذا قسمت راتبي بين متطلبات البيت والعائلة من أكل وشرب ولباس ودواء، وبين المناسبات العائلية وما تتطلبه من نفقات خاصة، إضافة إلى النفقات الخاصة بفصل الصيف، فإن الراتب لن يبقى منه شيء”.
ويعيش المتقاعدون في تونس ظروفا صعبة دفعتهم إلى تنظيم وقفات احتجاجية في أكثر من مناسبة للمطالبة بتحسين رواتبهم وتمكينهم من مستحقات متخلدة لدى الصناديق الاجتماعية.
وكانت الجامعة العامة للمتقاعدين التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، قد أطلقت العام الفارط دعوات إلى تنظيم تجمعات نقابية أمام مقرات السيادة في جميع أنحاء الجمهورية.
وقال المنصف الراجحي كاتب عام نقابة المتقاعدين، “إن التحركات تهدف إلى المطالبة بمستحقات المتقاعدين المتخلدة لدى الصناديق الاجتماعية منذ 2017 بالنسبة إلى القطاع الخاص، ومنذ 2018 بالنسبة إلى القطاع العام وحماية مصالح المتقاعدين في القوانين الجديدة”.
أوضاع متقاعدي القطاع الخاص تدهورت أمام الارتفاع المشط للأسعار وحجب الزيادة في الرواتب، ما انعكس سلبا على وضعية الأسر
وكانت الجامعة العامة قد أصدرت بيانا طالبت فيه بتحسين رواتب متقاعدي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لتدارك عدم الزيادة في الرواتب المتعلقة بسنة 2017، منددة بسياسة اللامبالاة التي تنتهجها الحكومة تجاه مطالب المتقاعدين.
وأشارت في ذات البيان، إلى تدهور أوضاع متقاعدي القطاع الخاص خصوصا أمام الارتفاع المشط للأسعار وحجب الزيادة في الأجر الأدنى المضمون لسنة 2017.
ويفتقد المتقاعدون في تونس إلى أساليب ناجعة تجعلهم ناجحين في إدارة حياتهم بعد التقاعد، حيث ينشغلون بالوظيفة، ويرتكبون أخطاء قد تمنعهم من مواصلة الإنتاجية والحياة بشكل إيجابي.
وقالت مريم الحمادي مديرة إدارة كبار المواطنين في هيئة تنمية المجتمع في دبي، أثناء إعدادها لبرنامج التخطيط للمستقبل، الهادف إلى تدريب الموظفين الحكوميين على إدارة حياتهم بعد التقاعد، “إن البرنامج كشف عن وقوع العديد من الموظفين في ممارسات خاطئة، من أهمها عدم اعتمادهم الطرق المثلى في الإنفاق خلال فترة العمل، ووجود مصدر ثابت وسخي للدخل، وكذلك عدم التخطيط للنشاط المهني المناسب بعد التوقف عن العمل الوظيفي، بالإضافة إلى تجاهل بعض الموظفين لضرورة وجود زوجة في حياتهم، وتكوين أسرة، واعتقادهم بأن العمل هو الشيء الوحيد المهم في حياتهم”.
وأضافت الحمادي أن تلك الممارسات يظهر أثرها السلبي لاحقا في حياة الفرد الصحية والنفسية، حيث تعطل إمكانية تفكيره السليم خلال فترة ما بعد التقاعد، وتحجب تفكيره في إيجاد الطرق، التي من خلالها يمكن أن يستثمر فيها وقته بما يعود بالنفع عليه وعلى المجتمع.
وأشارت الحمادي إلى أنه غالبا ما تتكرر هذه الأخطاء في حياة النسبة الأكبر من الموظفين، وإلى أن معظم الموظفين يهملون بناء حياة عائلية محاطة بشبكة من العلاقات الاجتماعية، بسبب تركيزهم فقط على النشاط الاجتماعي ضمن علاقات العمل.
وأكدت أن البعض قد لا يفكر أيضا في اختيار زوجة، مبينة أن ذلك ينتج عنه لاحقا انكفاء المتقاعد على نفسه، وعدم تواصله مع أفراد المجتمع خارج المنزل، وبقاؤه وحيدا، ويؤدي ذلك إلى تدهور حالته، ويجعله إنسانا بحاجة إلى رعاية اجتماعية وصحية.
بدورهم أكد علماء الاجتماع أن الموظف يكتفي بعطائه ضمن نشاطه الوظيفي، ولا يعوّد نفسه على الإنتاج في مجالات أخرى، مشيرين إلى أنه حين يتقاعد يتملكه الإحساس بعدم الثقة في النفس، ويسيطر على تفكيره أنه رجل مسن ويفقد إيمانه بقدرته على العطاء، ويواصل التحدث إلى نفسه بأنه إنسان من غير فائدة ولا يستطيع العمل مثل الشباب، ما يجعله يمتنع عن ممارسة أي نشاط.
وقال علماء الاجتماع أن من بين الممارسات الخاطئة، محاولة المتقاعد لسدّ فراغه بأنشطة لا تلبي حاجته النفسية والفكرية، مثل إدمان التسوّق وارتياد أسواق الخضراوات والأسماك، بدلا من الانشغال بأنشطة رياضية واجتماعية مفيدة، كان قد اعتاد القيام بها خلال حياته الوظيفية.
وأضافوا أن الموظف يعتمد خلال فترة العمل على زملاء العمل في ملء حياته الاجتماعية، ويهمل زملاء وأصدقاء الطفولة من الجيران وزملاء الدراسة والأهل، ولا يقدر قيمة العلاقات الاجتماعية إلا بعد أن يفقدها، فيجد نفسه دون أصدقاء يجلس معهم ويحاورهم.
كما أشار خبراء الاقتصاد إلى أن من أهم الأخطاء التي يرتكبها الموظف أيضا عدم تحضيره خلال فترة عمله لمصدر آخر للدخل، يدعم راتبه الشهري ويعينه بعد التقاعد، وذلك يشعره بالعجز والتفكير المستمر بأن أسرته لم تعد بحاجة إليه، بسبب انخفاض دخله عما كان عليه.
كما أن عدم إدارة بعض الموظفين للمصروفات بالشكل الصحيح أثناء فترة العمل الوظيفي، والإنفاق بطريقة مدروسة، يؤدي إلى مبالغتهم بعد انقطاعهم عن العمل في تقليص المصروفات نتيجة الخوف والقلق بسبب انخفاض دخلهم الشهري إلى مستويات غير مسبوقة بعد التقاعد، وذلك بدلا من التفكير في العمل لتعويض النقص الذي طرأ على مواردهم المالية.
ومن بين الدول التي يمكن أن يحظى فيها المتقاعدون بحياة مرفهة هي إندونيسيا، كوستاريكا، إيطاليا، كولومبيا، والبرتغال. ووفقا لقناة سي.أن.بي.سي الأميركية، يمكن لزوجين أن يعيشا حياة جيدة ومستقرة في إيطاليا الثرية بالتاريخ والثقافة بميزانية شهرية تبلغ 1524 دولارا.