روائية أردنية تدعو النساء إلى مقاومة رِدّة وسائل التواصل

أمل الحارثي: الكتابة عن المعاناة وحدها لا تأتي بنتائج.
السبت 2024/08/17
أتمنى أن أكتب إلى آخر لحظة في حياتي

الكتابة تتطلب قارئا باستمرار، لا يوجد أدب بلا قراء، فالأدب يتحقق من خلال قارئه بالضرورة، وبالتالي فإن النصوص الأدبية تحمل في أغلبها رسائل إلى قرائها سواء جمالية أو فكرية أو نفسية أو معرفية وغيرها، بينما يبقى الأدب المغرق في الذاتية بعيدا عن الاهتمام. “العرب” التقت الكاتبة الأردنية أمل الحارثي التي تؤمن بأن الأدب رسالة، وكان لنا معها هذا الحوار.

عندما نلتقي بكاتبة وروائية، نجد أنفسنا أمام نافذة مفتوحة على عوالم متعددة، مليئة بالشخصيات والأفكار والقصص التي تعكس تجارب الحياة الإنسانية. تتيح لنا هذه الفرصة التعرف على ما وراء الكلمات والصفحات، حيث نكتشف دوافع الإبداع، والصراعات الداخلية، والرسائل التي ترغب في إيصالها من خلال كتاباتها.

في هذا الحوار نسعى إلى الغوص في عقل وروح الكاتبة المبدعة أمل الحارثي، لنفهم كيف تشكلت أفكارها، وما الذي يلهمها للاستمرار في سرد القصص التي تأسرنا. نتحدث عن البدايات والتحديات، عن النجاحات والخيبات، وعن دور الأدب في معالجة قضايا المجتمع وملامسة مشاعر القارئ.

رسالة الكتابة

قصص ألم موجعة

أمل الحارثي كاتبة أردنية بدأت الكتابة رغبة في التغيير، كانت تعتمد الكتابة كوسيلة لإيصال أفكارها إلى الناس، ثم أصبحت الكتابة الغاية والوسيلة معا، وتعتبر نفسها كاتبة، سواء كتبت مقالة أم رواية، وكذلك تعتبر نفسها كاتبة رأي وفكر، رأس مالها فكرها الذي تعبّر عنه سواء في مقالاتها أو كتبها.

تسألها “العرب” بداية هل وصل رأيها إلى العالم من خلال مقالاتها الكثيرة المنشورة في صحف ومنصات عربية وكذلك في كتاب “حكايا النساء” ورواية “من قاع البئر”، قصص ألم موجعة، وحكايات نجاح باهرة وملهمة، تأثرت بها ولم تتمالك دموعها أمامها. تجيبنا “وصلت إلى قطاع كبير من السيدات وهذا يسعدني، لكنها للأسف لم تؤدّ إلى النتائج التي أطمح لها، فالمرأة مازالت تقتل بسبب اتهامات السمعة حتى هذه اللحظة، وهناك تراجع في القوانين المتعلقة بالنساء في الدول العربية، قبل أيام قرأت عن معركة حقوقية لمنع تمرير قرار يتيح زواج القاصرات من عمر 9 سنوات في إحدى الدول العربية، الطريق طويل وشاق”.

وحول إيمانها بأهمية دور المرأة في المجتمع، وإلى أين وصلت في هذا المحور الهام، تقول الحارثي “في الواقع هناك خطوات جادة تحققت لكن للأسف نحن اليوم نواجه حالة ردة على الأفكار الواعية كلها، لعدة أسباب أهمها وسائل التواصل الاجتماعي التي أدت إلى نشر أفكار تسليع الإنسان رجلا كان أو امرأة، فجأة أصبح الإنسان هو السلعة التي تسوق عبر الفضاء الإلكتروني وانتشرت فيديوهات تقدس المال وتعتبره دليل النجاح الوحيد”.

وتضيف “كما تأثر الشباب بهذه الحملات وأصبح شغلهم الشاغل العثور على وسائل سهلة لجني المال، تأثرت الفتاة وظهر لها أن أسهل طرق الحصول على المال هو الارتباط بشخص ثري، اليوم لهذا السبب لا تلتفت الفتيات إلى صوت العقل الذي يدعوهن

إلى العمل والاستقلالية، بل تجذبهن الأصوات التي تدعوهن إلى عالم الرفاهية بأسرع وأسهل الطرق، لذلك أجد أننا أمام تحد جديد يتطلب تغييرا في الاتجاه والوسائل والخطاب ويشمل الحديث مع الجنسين”.

وتسأل “العرب” الحارثي إلى أي مدى تعكس كتبها مثل “حكايا النساء” و”من قاع البئر”، بالإضافة إلى مقالاتها، هموم المرأة العربية؟ لتجيبنا “أعتقد أنها تعكس هموم المجتمع كله إلى درجة كبيرة، أنا ابنة هذا المجتمع، عشت فيه وبه تأثرت، ودفعت أثمان مراضاته كغيري من أفراده، لكني بعد أن توجهت للكتابة أدركت أن الكتابة عن المعاناة وحدها لا تأتي بنتائج بل يجب تحليل أسبابها والعودة إلى جذورها، عندما نحلل الأسباب نصل إلى فهم أشمل، وننظر للقضايا نظرة شاملة تساعدنا (نحن الكتاب والقراء معا) على إيجاد حلول منطقية”.

وتضيف “الرواية بنيت على دمج قصتين حقيقيتين معا، اعتمدت فيها على التأرجح بين الماضي والحاضر، بطريقة تشويقية تشد القارئ، استخدمت أسلوب الكتابة السهل الممتنع الذي اشتهرت به منذ بداياتي، كأسلوب جاذب يشجع على القراءة بانسيابية بعيدا عن استخدام الزخارف اللغوية والألغاز. عندما تكتب للتأثير يجب أن تستهدف قطاعا كبيرا من الجمهور وليس فئة محددة، وهذا ما أفعله”.

صوت الإنسان

مأخوذة من أحداث حقيقية
مأخوذة من أحداث حقيقية

عن انتشار رواية “من قاع البئر” بشكل كبير إعلاميا وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وحتى في الصحافة المكتوبة، تقول الكاتبة الأردنية “انتشار الرواية كان جيدا وهذا أمر أسعدني، الأسباب ربما تعود إلى الحبكة والغموض وطريقة السرد، بالإضافة إلى كونها مأخوذة من أحداث حقيقية وهذا بحد ذاته أمر جاذب، معرفة أن الأحداث حدثت بالفعل تثير اهتمام القارئ ورغبته في معرفة النهاية”.

وتتابع “ردود الأفعال سرتني وأدركت على الأقل أنني استطعت إيصال صوت الضحايا إلى العالم، وتحليل مشاكل المجتمع والنبش في جذورها، قارئ ‘من قاع البئر’ يدرك أن كل أبطال الرواية ضحايا بشكل أو بآخر حتى المجرمين أنفسهم، وهذا المنظور مهم إذا أردنا معالجة مشكلاتنا المجتمعية المتراكمة والخروج من دائرة الجهل والعنف”.

وعن الحضور الأدبي النسائي في المشهد القصصي والروائي العربي تقول الحارثي “الحضور النسائي جيد لكنه مازال متمثلا في النوادي الأدبية ونوادي القراءة، أتمنى أن تصبح القراءة عادة فردية للرجال والنساء، ولهذا كان هدفي منذ بدأت الكتابة والتحرير في ملتقى المرأة العربية، وهي مجلة أدبية إلكترونية شاركت في تأسيسها قبل عشر سنوات، تشجيع النساء، كل النساء، العاملات وربات البيوت، على القراءة؛ لما للقراءة من فوائد سنجني ثمارها أفرادا ومجتمعات”.

وحول مشروعها الفكري تشير إلى أنه على الصعيد الشخصي تتمنى أن تكتب إلى آخر لحظة في حياتها، مضيفة “الكاتب يترك أثرا وهذا أعظم ما في الكتابة، أتمنى أن يتعاظم رصيدي من الكتب، والأهم أن تقرأ هذه الكتب وتنشر، وتخلق حالة من التساؤل والتفكير تؤدي إلى تغيير”.

وعن رسالتها إلى شباب اليوم تختم أمل الحارثي حديثها لـ”العرب” قائلة “أنتم تعيشون في زمن صعب، زمن فوضى فكرية واجتماعية، لن تخرجكم منها سوى القراءة، الفيديوهات السريعة التي تمنحكم أرباع وأنصاف الحقائق تهدم أكثر مما تبني، الحكمة تأتي بالتجربة والقراءة والسفر، والتحليل المبني على المعرفة، لا تسلموا عقولكم لقطيع مهما كان، ليكن سعيكم نحو الاستقلالية الفكرية”.

12