رهان جزائري على حراك شعبي لحسم مصير الاستحقاق الرئاسي

ترقب للتحركات في الشارع الجزائري ضد الولاية الرئاسية الخامسة للرئيس بوتفليقة والتنديد بمخطط الموالاة للاستيلاء على السلطة.
الأحد 2019/02/17
ترشح بوتفليقة يقسم الجزائريين

الجزائر - تتجه حالة الاستقطاب السياسي في الجزائر بين السلطة والمعارضة حول الانتخابات الرئاسية القادمة، إلى الخروج من أيدي القوى السياسية والناشطين في الحقل السياسي، إلى ساحة الشارع الجزائري، في ظل حالة إفلاس غير معلنة لدى الطرفين، فلا السلطة بإمكانها إقناع الرأي العام بخيار الولاية الخامسة، ولا المعارضة استطاعت تقديم البديل الناجع.

وأقر الحقوقي والناشط السياسي مصطفى بوشاشي، بأن الطبقة السياسية في الجزائر والمعارضة على وجه التحديد، باتت ملزمة بتقفي نبض الشارع الجزائري، قبل أن تصير على الهامش، فإنتاج المواقف وردود الفعل لم يعد بنفس السرعة المفترضة، وقد تجد النخب السياسية نفسها مفعولا بها وليست فاعلا أو مؤثرا في مجريات الأحداث.

ورغم الجدل الصاخب في البلاد حول الاستحقاق الرئاسي المقرر في أبريل القادم، تستمر حالة الغموض والخوف على مستقبل البلاد، أمام هشاشة البدائل والخيارات المطروحة على الجزائريين، فإن لم تقتنع أذرع السلطة بترشيحها للرئيس بوتفليقة مجددا، فإن المعارضة هي الأخرى دخلت بشكل فوضوي، الأمر الذي يعصف بمواقعها ومصداقيتها.

وفيما انطلقت المسيرات والمظاهرات الرافضة للعهدة الخامسة، والمنددة بالمحيط السياسي والمالي، فإن فريق الموالاة لا يزال في أزمة تمرير مشروعه، كما بقيت المعارضة تتناكف في ما بينها، حول كيفية التعاطي مع الاستحقاق القادم.

وتحولت حالة الذهول والغضب اللافتة في شبكات التواصل الاجتماعي، إلى ممارسات ميدانية في شكل احتجاجات ومسيرات رافضة للعهدة الخامسة، ومستنكرة لدور الموالاة في القفز على إرادة الجزائريين وفرض رأيها بالقوة على الجميع، ففي مدن جزائرية مختلفة، انتفض الشارع للتعبير على موقفه، ولم ينتظر ما سيستقر عليه هذا الطرف أو ذاك.

ويبدو أن المأزق الداخلي الذي تتخبط فيه البلاد قبل شهرين من الانتخابات الرئاسية، لا يمكن أن يعالج إلا بهبة شعبية تحسم في مصير الاستحقاق ومصير البلاد، ويعترف الجميع أن القطيعة المترسبة بين الشارع والطبقة السياسية، وصلت إلى حقيقة الجهل بما يفكر فيه الشارع الجزائري، والعجز عن استشراف رد فعله.

ويراهن الجميع في السلطة والمعارضة، على أن الحسم الشعبي هو الذي سينهي حالة الاستقطاب، فأحزاب السلطة تعتقد أن خيار الولاية الخامسة هو صوت شعبي، أما المعارضة فهي منقسمة بين مرشحين يتطلعون إلى زحف شعبي يوصلهم إلى قصر الرئاسة، بينما يأمل مقاطعون لهذه الانتخابات في فضيحة تطال الاستحقاق القادم.

وتبقى أعرق مراكز ومدارس الإحصائيات وسبر الآراء، مشدوهة أمام الحالة الجزائرية، نظرا لصعوبة استنتاج موقف معين أو استنتاج إحصاء سياسي، كما جرت عليه العادة حتى في الديمقراطيات المبتدئة، وباستثناء المنخرطين والمستفيدين من الوضع القائم، فإن ملايين الجزائريين يبقون خارج التوقعات وخارج دائرة الاستشراف السياسي.

الدعوات غير المسبوقة في شبكات التواصل الاجتماعي، التي تحض قوات الأمن والجيش على عدم الاصطدام مع الشعب، مؤشرات على اختراق حواجز نفسية وتصعيد في الخطاب، يمهد الطريق لتغيير شعبي سلمي

ويرى في هذا الشأن، الأكاديمي والضابط السابق في جهاز الاستخبارات شفيق مصباح، بأن تقاليد الاستحقاقات الانتخابية في الجزائر، أفضت إلى مجتمعين اثنين، واحد افتراضي والآخر حقيقي، فالأول هو الأقلية المشكَّلة من الفئات المستفيدة من الوضع القائم وأصحاب المصالح الضيقة، الذين يتفاعلون مع المواعيد السياسية، وأما الثاني فهو الأغلبية التي فقدت الأمل في جدوى الانتخابات، وتعبر عن موقفها بطريقتها الخاصة، وهو ما يعرف بالأغلبية الصامتة.

وتعد الدعوات غير المسبوقة في شبكات التواصل الاجتماعي، التي تحض قوات الأمن والجيش على عدم الاصطدام مع الشعب أو الانخراط في القمع والدفاع عن السلطة، مؤشرات على اختراق حواجز نفسية وهي تصعيد في خطاب غير مألوف، يمهد الطريق لتغيير شعبي بطرق سلمية، لا مجال فيها للتخريب أو العنف.

ويتطلع المراقبون والمتابعون للشأن الجزائري، إلى ما ستفضي إليه الدعوات الواسعة على شبكات التواصل الاجتماعي، للخروج إلى الشارع في الـ22 من الشهر الجاري، للتظاهر ضد العهدة الخامسة، والتنديد بمخطط الموالاة للاستيلاء على السلطة، باسم رئيس غائب عن المشهد حتى في ذروة الحراك الرئاسي.

وتترصد الطبقة السياسية نبض الشارع وتطورات الوضع خلال الأيام المقبلة لبلورة مواقفها، حيث لا يزال حزب طلائع الحريات مترددا بشأن ترشيح علي بن فليس، فضلا عن حزب العمال اليساري، المتردد هو الآخر في مسألة ترشيح لويزة حنون، في حين يبقى الغموض يلف مبادرة رئيس فصيل إخواني للملمة شتات المعارضة.

وإن ربطت مصادر مسؤولة، المسألة بالتدابير والنقاش الداخلي، فإن الغموض القائم والخوف من المرور في الهامش، يلقي بظلاله على مواقف الكثير من المرشحين والأحزاب السياسية، بسبب العجز عن مواكبة حراك الشارع، حيث لم يعد بمقدور الفاعلين في المشهد المحلي توقع ما سيقرره الشعب في ما يتعلق بمصير الانتخابات القادمة.

2