رهانات حماس الإقليمية وراء قطيعة بينها والسعودية

اصطفاف حركة حماس إلى النظام الإيراني يبعث رسالة سلبية إلى الرياض ويزيد من تكريس عزلة الحركة في محيطها العربي.
الجمعة 2020/01/17
نحن في زمن الاصطفافات

العلاقة بين السعودية وحماس تشهد أزمة غير مسبوقة لم تعد الحركة قادرة على إخفائها، أو حتى احتوائها، في ظل رهانات الحركة الفلسطينية على محاور معادية بشكل معلن وصريح للرياض، ووسط اعتقاد سائد بأن زمن غض الطرف من قبل المملكة عن مواقف حماس ونشاطاتهاانتهى.

غزة – تحدثت حركة حماس للمرة الأولى الخميس عن قطيعة بينها وبين المملكة العربية السعودية، غامزة إلى أن السبب في ذلك يعود إلى موقف المملكة من ارتباطات الحركة ببعض القوى الإقليمية، في إشارة إلى إيران وتركيا.

وبدأ رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، منذ 8 ديسمبر الماضي جولة خارجية هي الأولى من نوعها منذ انتخابه في مايو 2017 رئيسا للحركة خلفا لخالد مشعل. وشملت الجولة حتى الآن عدة دول بينها إيران وتركيا وقطر وماليزيا، ومن المنتظر أن تستمر لأشهر في غياب مؤشرات عن إمكانية أن يقوم هنية والوفد المرافق له خلالها بزيارة إلى السعودية.

وأثار غياب الرياض عن أجندة جولة هنية سيلا من التساؤلات بالنظر إلى ثقل المملكة على المستويين الروحي والسياسي، وهو ما ردّ عليه القيادي في حركة حماس خليل الحية بأن اعتبر السعودية هي من قرّرت القطيعة مع الحركة.

وقال الحية في حوار نشر على موقع الحركة الرسمي الخميس “للأسف هناك حالة من الفتور، وربما القطيعة فرضها الإخوة في السعودية، وهذا شأنهم، لكن نحن معنيون بعلاقة مع الرياض على قاعدة احتضان القضية الفلسطينية ودعمها، وعلى قاعدة إبقاء العلاقات مع جميع الدول”.

وشدد الحية على “أن حركة حماس لا تقبل أن يُفرض عليها إقامة علاقة مع دولة مقابل مقاطعة الدولة الأخرى، وهو ما لم يقبله الشعب الفلسطيني أيضًا على مدار التاريخ”.

وتملك حماس ارتباطات وثيقة بمحورين في المنطقة، المحور الإيراني أو ما يسمى بـ”محور الممانعة” والمحور القطري التركي والذي يعدّ تنظيم الإخوان المسلمين -المنبثقة عنه الحركة الفلسطينية- جزءا أصيلا منه، وكلا المحورين يكنّان عداء شديدا للمملكة العربية السعودية التي تتزعم ما يطلق عليه بـ”محور الاعتدال”.

وتثير ارتباطات حماس بهذين المحورين هواجس المملكة وحالة من انعدام الثقة المزمن بين الجانبين، وتعتبر الرياض أن المتغيّرات الطارئة على المنطقة والتي باتت تهدد بالمزيد من الفوضى في سياق صراع النفوذ الجاري لا مكان فيها للمواقف والسلوكيات الرمادية، واللعب على التوازنات على غرار ما تقوم به حماس.

العلاقة بين حماس والسعودية والتي اتسمت بالتذبذب في العقدين الأخيرين مرشحة للتوتر أكثر فأكثر

وكان هنية أحد أبرز المشاركين في تشييع اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس الجناح الخارجي للحرس الثوري ومهندس عمليات التوسع الإيراني في المنطقة، والذي قتل في غارة جوية أميركية في 3 يناير مع نائب رئيس “هيئة الحشد الشعبي” العراقي أبومهدي المهندس قرب مطار بغداد الدولي.

وبرّر خليل الحية في حواره مشاركة هنية بالتشييع في طهران بأن “سليماني كان محور ارتكاز الدعم الإيراني للمقاومة الفلسطينية وكتائب القسام، ولذلك كان من الواجب علينا التعزية برجل صادقناه عقودًا من الزمان مدّنا خلالها بالعون والسلاح، خاصة أنه كان في دائرة الاستهداف الإسرائيلي واغتالته الإدارة الأميركية الظالمة”.

واعتبر القيادي في حماس أن “إيران داعمة للمقاومة بلا حدود، ومؤيدة للحق الفلسطيني، وسليماني كان رجلا يحبّ فلسطين، ويعتقد بوجوب تحريرها من الاحتلال”، نافيا أن تكون زيارة هنية لطهران تستهدف دولة أخرى، في إشارة موجهة إلى السعودية.

وفي السابق كانت الرياض تغض الطرف عن حركة حماس وعلاقاتها المثيرة للجدل مع إيران أو تركيا وكانت تجد لها مبررات من قبيل حساسية الوضع الفلسطيني القابع تحت الاحتلال، وحاجة مكوّناته وفصائله للانفتاح على الجميع بيد أن سياسات الحركة منذ قدوم خالد مشعل على رأس مكتبها السياسي وسيطرة الحركة بالقوة على قطاع غزة في العام 2007، ضاربة عرض الحائط باتفاق مكة (المتعلق بحل أزمة الانقسام بين حركتيْ فتح وحماس) جعل الرياض تعيد النظر في موقفها.

وازداد الأمر سوءا مع ركوب حماس في العام 2011 موجة الدفاع عن ما سمي بالربيع العربي في تماه مع الموقفيْن القطري والتركي على وجه الخصوص اللذين حاولا استثمار تلك الموجة لزعزعة استقرار الدول الوازنة في المنطقة، على أمل تزعم القاطرة الإقليمية.

وعلى خلاف السلطة الفلسطينية التي اتسم موقفها بالحياد عمّا حدث ناقضت حركة حماس نفسها لتنخرط بقوة في الأحداث حتى العام 2013، قبل أن تتدارك لجهة استشعارها بفداحة ما ارتكبته وهي التي لطالما تحدثت عن رفضها المطلق التدخل في شؤون “الدول الشقيقة”.

ويقول محللون إن العلاقة بين حماس والسعودية التي اتسمت بالتذبذب في العقدين الأخيرين مرشحة للتوتر أكثر فأكثر، خاصة وأنه رغم ما تدعيه حماس من تقية وما تزعمه من حياد بيد أنها في صلب مشروع مُعاد للرياض.

وبرز ذلك بشكل جلي في مشاركة الحركة الفاعلة في قمة كوالالمبور التي انعقدت ما بين 18 و21 ديسمبر الماضي في العاصمة الماليزية والتي كانت محاولة من قبل تركيا لسحب زعامة العالم الإسلامي من السعودية، وضرب منظمة التعاون الإسلامي التي تتخذ من جدة مقرا لها.

وعن المشاركة في قمة كوالالمبور زعم الحية أنها تمثّل نواة لوحدة إسلامية كبيرة تصبّ في خدمة القضية الفلسطينية. وأعرب عن ترحيب حماس بهذه الوحدة وكل معنى من معاني الوحدة القائمة إما على بعد فكري أو ثقافي وإما تنموي.

Thumbnail

وأردف “نحن نشجع ونؤيد أي تجمع إسلامي أو عربي أو أممي يمكن أن يشكّل وحدة لمكونات الأمة، ويصب في النهاية في مصلحة الشعب الفلسطيني”.

وعلى ضوء هذا الاصطفاف الواضح لحماس مع المحوريْن التركي والإيراني اللذين يملكان أجندة تستهدف دول المنطقة بغرض التوسع فمن غير المستبعد أن تقدم المملكة العربية السعودية على إعلان حماس حركة إرهابية.

وكانت السلطات السعودية قد شنّت قبل أشهر حملة على عناصر حماس داخل المملكة متورطة في جمع تبرّعات للحركة التي وصفت تلك الحملة في أبريل الماضي بـ”الغربية والمستهجنة”.

وقالت حماس في بيان حينها “إن جهاز مباحث أمن الدولة السعودية، يعتقل منذ 5 شهور القيادي محمد الخضري ونجله”، لافتة إلى أن المذكور كان مسؤولا عن إدارة “العلاقة مع المملكة على مدى عقدين من الزمان، كما تقلّد مواقع قيادية عليا في الحركة”.

وأضافت الحركة أن اعتقال الخضري يأتي “ضمن حملة طالت العديد من أبناء الشعب الفلسطيني المقيمين في السعودية”. وطالبت في بيانها، السلطات السعودية بالإفراج عن الخضري ونجله والمعتقلين الفلسطينيين.

وسبق وأن وصف وزير الخارجية السعودي السابق عادل الجبير أمام لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي في بروكسل، في فبراير 2018 حركة حماس بـ”المتطرفة”.

وطالب الجبير المجتمع الدولي حينها بالضغط على قطر لوقف تمويلها للحركة بما يسمح للحكومة الفلسطينية من استعادة السيطرة على قطاع غزة.

2