رنا العسلي لـ"العرب": أعالج الحالات المجتمعية السلبية بطريقة درامية وشاعرية

الكتابة في أكثر من نوع أدبي تمنح الكاتب مساحة واسعة لتنويع إنجازه وأساليبه، وتفتح أمامه المجال لتجديد ذاته ورؤاه، ولكنها في الآن ذاته تحد صعب، وقليلون هم الكتاب الذين تمكنوا من الإبداع في أنواع أدبية مختلفة. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الكاتبة السورية رنا العسلي التي تتنقل بمهارة بين كتابة الشعر والرواية في حديث حول تجربتها.
رنا العسلي روائية سورية من مدينة حلب، خريجة كلية التربية اختصاص رياض أطفال وهذا الاختصاص جعلها تتمكن من تفاصيل عالم الأطفال في كل رواياتها مع معالجة ظروفهم واحتياجاتهم. تكتب أنواع الآداب العديدة، لكنها ترى نفسها مازالت على الدرجة الأولى تحث خطواتها كي تصعد حتى تخلّد بكتاباتها يوما ما.
عوالم الكتابة
الكتابة بالنسبة إلى العسلي ليست حرفة، هي موهبة نصقلها بالقراءة والقراءة والقراءة، هي كالوحي حين تتسلل إلى مخيلتك يتراقص الجسد فرحاً ويسرع لتفريغ ما لبسك من نور، وورشاتها بالنسبة إليها هي الحياة، فهي لا تقتنع بأن الكتابة تُدرس أو تلقن كأي مادة تعليمية، هي موهبة في التعبير تصقله بالمتابعة والثقافة.
حول قضية الكتابة والإبداع، وكيف تطورت لديها وسبل بروزها عندها، تقول العسلي لـ”العرب”: “أن تكون قادراً على التعبير هو بحد ذاته نعمة للنفس والروح، لا يشعر بها إلا من عجز عن إخراج مكنونه بالحروف وعلى الورق، كنت في صغري أكتب أي شيء يخطر في بالي، وبالتدريج بت أهتم بالمفردات، وكلما قرأت كتابا وسعت مداركك وحروفك ولغتك الأدبية، وهذه نصيحة لكل من يحب لغة التعبير بالقلم، الكثيرون ممن حولنا يعبرون بالغضب، بالصراخ، بالكآبة، إلا صاحب القلم، يعبر بأجمل وأرقى طريقة فيخرج ما فيه كي يتصالح مع ما حوله، وكأن الورق صديقه الوفي، والقلم حارسه الشخصي.”
نسألها كيف تكتب الرواية؟ وما هو تصورها لها؟ فتجيبنا “الرواية تبدأ من فكرة، وعن نفسي تبدأ الرواية معي من موقف، وأسمح لخيالي بالإبحار في أبعاده وأبعاد شخصياتي، وقوة الوصف والتعبير هي التي تجعل الرواية محببة للقارئ، وممتعة ومشوقة، وكلما ترابطت عناصرها ومحتواها شدت القارئ لإكمالها.”
وتضيف “أظن أن الرواية كانت ومازالت من الآداب التي تخلد عبر التاريخ، وكما وصلتنا آداب من سبقونا نتمنى أن نصل بكتاباتنا إلى من سيكون بعدنا.”
تطرقت العسلي في رواياتها إلى مواضيع متعددة، أبرزها الحب والسلام والحرب والأرض، حول كيفية تناول هذه المواضيع بطريقة جذابة للقارئ تقول “بالصدق، بالصراحة، بقوة التعبير، فالرواية التي تبكيني ككاتب وأنا أسطر حروفها هي بالتأكيد ستبكي من يقرأها، وهنا أعلم أني وصلت بصدقي إلى أعماق كل قارئ، وبالتوضيح ووصف المحيط بطريقة جيدة، بحيث لا أعبث بالمعتقدات ولا بالتاريخ، بل أصف ما أستطيع وصفه بكل شفافية وبلا انحياز، على الكاتب أن يكون موضوعيا قابلا لأن يكون داخل كل اتجاه وكل مكان لأنه صاحب رسالة وكلما كانت رسالته صادقة وصل إلى قلوب الناس.”
بدأت العسلي روائية وأصدرت أكثر من رواية، قبل أن تتحول إلى كتابة الشعر، تعلق الكاتبة السورية “بدأت في طفولتي بقصص للأطفال ثم النثر والخواطر البسيطة، ورويدا رويدا وجدت في القصص القصيرة معالجة لكل الأسئلة التي تتداخل في عقلي وانتشلتني الرواية لأصير أعمق وحرة أكثر.”
طقوس الكتابة تختلف من كاتب إلى آخر؛ قد تكون ليلا أو نهارا، و قد تكون موسيقى أو أشربة معيّنة كالشّاي والقهوة، تتحدث العسلي لـ”العرب” عن عاداتها وطقوسها الخاصة قائلة “طقوسي ترتبط بالفكرة فما إن تشع شمعة فكرة في العقل حتى أترك كل ما بين يدي وألتقط قلمي، وإلى الآن أقدس القلم والورقة، وأكتب على مسودات من الورق، نادرا ما أدون النتيجة على جهاز اللابتوب، وإلى الآن أجد الكتاب الورقي سلامي وراحة بالي حين أود أن ألوذ بساعات وحدتي مع كتاب.”
نسألها ما الّذي يُحفّزك على الدّخول إلى محراب الكتابة، حزن بوزن ثقيل، فرح أكبر من جبل، أمْ تأتيك وكفى؟ فتجيبنا “كل الحالات تناسب الدخول إلى محراب الكتابة، فكم من حزن أنتج عظيم الروايات، وكم من فرح انتشى به القراء حين تحول بين أيديهم إلى أحداث جميلة، وكم من فكرة أثبتت نورها حين تحولت إلى حروف، ولا أنكر أن الحزن يحرض القلم أكثر من أي انفعال آخر.”
تجربة خاصة
نتطرق بالحديث مع العسلي إلى روايتها “ويقصيني موت” التي تعتبر إبحارا ضدّ الألم والحزن والثّقافة الذّكورية في مجتمعاتنا، تقول الكاتبة “أحث في كل رواياتي المنطق للظهور وأعالج الحالات المجتمعية السلبية بطريقة درامية وشاعرية أيضاً، ففي ‘ويقصيني موت’ مثلا، عالجت موضوع الإدمان والتبني وصراع الخير والشر والامتنان والخروج من الضعف إلى القوة حين تضيق بك الحياة ولم تعد تتحمل، ما يعني أن طاقاتك تنفد فيجب أن تجد حلا أو تموت، وهذا الصراع يعاني منه الكثير بطريقة أو بأخرى، فعلى رسالتنا أن تؤدي دور النهوض بكل المشاعر والطاقات السلبية إلى خط النجاة.”
رنا العسلي شاعرة السرد الروائي، تسألها “العرب” عن تقييمها لواقع الرواية العربية اليوم وفي سوريا بشكل خاص، وخصوصا ما تعيشه سوريا اليوم من حروب وصراعات، تقول “الحروب أنتجت قصصاً غاية في الروعة، وأجد أن الرواية في ازدهار وتمكّن، فحين أجد الأجيال الجديدة تنكب على القراءة في عصر باتت فيه التكنولوجيا هاجسها الأكبر أعلم أننا بخير، فأمة ناجحة هي أمة تقرأ والقراءة حياة.”
نتطرق إلى الحديث عن الصراع مع اللّغة وتطويعها في كتابة نصوص إبداعيّة عميقة وفي الوقت نفسه قريبة من القارئ، تقول العسلي “صراع الكاتب مع الأفكار وليس مع اللغة والتعبير، ففي عصرنا الحديث صارت كل الأفكار متداولة وعليك البحث عن التجديد والطريقة الأفضل لعرض فكرتك بعيداً عن التكرار، وهذا أمر صار من أشد الصعوبات التي نتعرض لها، وجود التكنولوجيا وضعنا أمام كم هائل من الأفكار وصار من الصعب إخراج ما هو جديد.”
وتختم رنا العسلي حديثها لـ”العرب” قائلة “لدي إلى حد الآن 11 كتابا بين الرواية والنثر والقصص القصيرة، فضلا عن وجود العديد من القصص القصيرة لي مع كتاب في كتب مجمعة فائزة بالعديد من الجوائز الأدبية والنثرية.”
