رمضان: دراما بوجهين

الحديث في وجهه الرئيسي يتركز حول الخضر والغلال واللحوم والأسعار في بلد مثل تونس ينفق ناسه في رمضان أضعافا مضاعفة من إنفاقهم في شهر عادي.
الجمعة 2023/03/17
رمضان يزيد منسوب "الشهاوي"

قبل أقل من أسبوع من شهر رمضان تغير خطاب الناس وحديثهم. طبعا زاد منسوب النصائح والأدعية على مواقع التواصل الاجتماعي. لكن هذا ليس سوى فاصل صغير من اهتمام الناس برمضان.

يتركز الحديث في وجهه الرئيسي حول الخضر والغلال واللحوم والأسعار في بلد مثل تونس ينفق ناسه في رمضان أضعافا مضاعفة من إنفاقهم في شهر عادي.

وبدل أن يكون الصيام فرصة للتقشف، فإن العكس هو ما يحصل، حيث تبدأ الأسر في تحضير مستلزمات رمضان قبل أن يدخل، ومع أيامه الأولى يرتفع منسوب الإنفاق إلى أعلاه. ويفسّر الناس هذا الإنفاق السخي، الذي يتجاوز طاقتهم الشرائية، بتفسير تونسي خاص؛ حيث يقولون إن رمضان يزيد منسوب "الشهاوي"، والمقصود الشهية لكل شيء تراه العين لحظة الصيام، ولذلك حين ترسل المرأة زوجها إلى السوق يشتري كل ما تراه العين من مالح وحلو وغلال، وبعد الأذان لا تستهلك العائلة إلا النزر القليل مما أنفقت عليه الكثير من المال.

ويتكرر الأمر ليتحول إلى ما يشبه الدراما، حيث يشتري الناس كل يوم ما يفوق قدرتهم الشرائية ثم يلقون به في حاوية الفضلات، في حركة يومية متجددة مثل قصة أسطورة سيزيف، وتستوي في ذلك العائلات الفقيرة والمتوسطة والغنية.

والمفارقة أن بعض هؤلاء الذين ينفقون بلا حد تجدهم ينصحون غيرهم بالاعتدال في الإنفاق، ومنهم من يقدم درسا تلفزيونيا يوميا بمناسبة رمضان، ومن ضمنهم خطيب الجمعة، والبعض ممن ينشرون فيديوهات دينية بمناسبة رمضان تكرر نفسها كل عام من دون تأثير.

وفيما يسمع الناس النصائح الدينية بشأن الاعتدال في الإنفاق ويضعونها جانبا، فإنهم يتابعون بحماس وحرص برامج الطبخ التي تملأ الفضائيات صباح مساء وتستمر في عرض نصائحها وأطباقها وحيلها إلى وقت قريب من الأذان، لتجد ربات البيوت يقضين اليوم في التنقل من قناة إلى أخرى ومن شريط فيدو إلى آخر على مواقع التواصل لتحصيل "دبارة" اليوم.

هذا وجه أول من دراما رمضان، ويتعلق بالأطباق و"الشهاوي". أما الوجه الثاني الذي يهتم به الناس فهو المسلسلات المحلية، والتي تقوم بحملة إعلانية كبيرة على مختلف الشاشات، ويتراكم عرضها مباشرة في فترة الإفطار وحتى صلاة العشاء، فتجد المتفرج ينتقل من "سيتكوم" إلى آخر ومن مسلسل إلى آخر من دون أن يشاهد أيا منها بشكل كامل.

يتابع الناس ما يعرض بحماس، ومن بعد تسمع الانتقادات من كل مكان، فهذا يقول إنها مسلسلات لا تصلح للعائلة، والآخر يقول إنها لم تعد مثل "مسلسلات زمان" تمثيلا حقيقيا بل أصبحت مجرد تجميع لنكت بلا روح ولا قيمة أغلبها مسروق من تيك توك، وأنها تؤثر على الأطفال وتقدم نماذج سيئة.

تتعدد الانتقادات، لكن نسب المتابعة عالية لكل البرامج التي تعرض بعد الإفطار، فمن يشاهدها إذا كانت لا تعجب كل الناس وتتلقى الكثير من الانتقادات.

18