"رقعة الملوك" تعلّم الأطفال ألا يكونوا بيادق في الحياة

ممارسة الطفل للعبة الشطرنج تساعده على النبوغ والتفوق.
الأحد 2020/12/13
كش ملك

تعرف لعبة الشطرنج بأنها من أكثر الألعاب التي تتطلب قدرات عقلية كبيرة، وهو ما يجعل الخبراء يدعون إلى إدراجها في المناهج الدراسية، لما لها من فوائد كبيرة تولد لدى الأطفال نوعا من العادة الذهنية التي تحرر عقولهم من القيود المعتادة، وتساعدهم على التفكير بطريقة خلاقة أو “خارج الصندوق”، وهي دروس لا تقدر بثمن وتستمر مدى الحياة.

اتجهت العديد من المدارس حول العالم إلى إدراج لعبة الشطرنج ضمن المناهج المدرسية، نظرا إلى الفوائد المتعددة التي تنطوي عليها هذه الرياضة الذهنية، ودورها الفعال في إيقاظ القدرات الفكرية والذهنية للأطفال ومساعدتهم على تطوير تفكيرهم المنطقي.

وثمة أدلة علمية تؤكد أنه كلما بدأ الطفل بممارسة مثل هذه الأنشطة الذهنية في مراحل مبكرة من عمره كان ذلك أفضل لوظائف المخ مع تقدمه في العمر.

وأشارت مجموعة من الدراسات إلى أن الشطرنج يساعد متوسطي الذكاء على تحسين الأداء الأكاديمي وحل المشاكل اليومية، ومع مضي الوقت، يولّد لديهم نوعا من العادة الذهنية التي تحرر عقولهم من القيود المعتادة، وتساعدهم على التفكير بطريقة خلاقة أو “خارج الصندوق”.

وبدأ علماء النفس في التركيز على الشطرنج كنموذج للبحث المعرفي منذ النصف الثاني من القرن العشرين.

ومن أبرز رواد الأبحاث التي أجريت في أربعينات وستينات القرن الماضي، عالم النفس الهولندي ومعلم الشطرنج أدريان دي غروت الذي درس طريقة تفكير لاعبي الشطرنج.

وأهم النتائج التي خلص إليها هي القدرة المذهلة لذاكرة اللاعبين المحترفين على تذكر مواقع جميع القطع بنظرة سريعة وخاطفة.

وفي عام 1973 أظهر الدكتور ألبرت فرانك، بعد تدريس حوالي 92 طالبا تتراوح أعمارهم بين 16 و18 سنة في جمهورية الكونغو الديمقراطية لعبة الشطرنج، كيف أنها زادت لديهم من مستوى الذكاء والإبداع والتخطيط السريع والاستدلال والرؤية المكانية وفهم الهندسة.

وقدمت الأبحاث الحديثة نتائج أكثر دقة عن مدى أهمية الألعاب الذهنية في دعم المهارات الحركية الدقيقة والنمو المعرفي واللغوي والمهارات الحسابية المبكرة، مقارنة بالألعاب التكنولوجية باهظة الثمن.

ودفعت هذه الأبحاث الكثير من الدول مثل روسيا وتركيا وأرمينيا والأرجنتين وكندا إلى إدراج رياضة الشطرنج في برامجها المدرسية.

وفي أرمينيا على سبيل المثال تعتبر لعبة الشطرنج من الألعاب الشعبية جدا، ويتم تعليمها للأطفال اعتبارا من سن السادسة كمادة بحد ذاتها في المنهج المدرسي لساعتين في الأسبوع؛ بهدف تعزيز التطور الفكري للأطفال وجعل تفكيرهم أكثر مرونة.

وتعتبر روسيا أيضا من أكثر البلدان إنتاجا لأبطال الشطرنج في العالم، حيث يكون البدء في تعلم أساسيات هذه اللعبة من سن الثلاث سنوات ويبدأ الأطفال في تحقيق نتائج واعدة أثناء مراحل مبكرة من أعمارهم.

ويعتبر الطفل العبقري الروسي ميشا أوسيبوف الذي يبلغ عمره حاليا نحو 7 سنوات من أشهر الأبطال الصغار بالعالم في الشطرنج، وقد بدأ في تعلم فنون هذه اللعبة وهو في سن الثالثة، ليصبح بذلك بارعا فيها في الرابعة من عمره، ونازل كبار معلمي الشطرنج وأكثرهم مهارة على مستوى روسيا والعالم، من أناتولي كاربوف وسيرجي كارياكين الروسيين، إلى أبرزهم يفغيني فاسيوكوف الذي لعب أوسيبوف ضده في يوليو عام 2017، وكان حينها لا يزال في الرابعة من عمره.

وأثبت أوسيبوف أنه خصم قوي رغم فوز كبير الأساتذة في تلك المباراة.

أما في الدول العربية فتنتشر نوادي ومهرجانات الشطرنج في معظم الدول العربية إلا أن تجربة إدخال هذه اللعبة الفكرية إلى مناهج الدراسة؛ لم تطبق بعد رغم أنها ليست مجرد هدر للوقت.

وشدد حسن يعقوبي (حكم ولاعب في بطولة فرنسا للشطرنج) أن الألعاب الإلكترونية ووسائل الاتصال الاجتماعي، رغم أهميتها في الحياة العصرية إلا أنها كانت سببا في إجهاد عقول الأطفال حتى وصل الكثيرون منهم إلى نقطة العجز عن الاستيعاب وتبلّد النشاط الذهني وفتور الانتباه وعدم القدرة على الانتباه، وهذا ما يجعل رياضة الشطرنج الذهنية أشبه بالوصفة السحرية التي من شأنها أن تصنع العباقرة إذا ما تمّ الأخذ بعين الاعتبار الفوائد الجمّة التي تحققها للصغار والكبار.

لعبة تشبع الفكر
لعبة تشبع الفكر

وقال يعقوبي لـ”العرب”، “الشطرنج وسيلة رائعة لتعليم الأطفال القدرة على التركيز والتخطيط والمثابرة والمنافسة العادلة، والكثير من الفوائد التي لا تقدّر بثمن ما دفع أكثر من 30 دولة إلى إدراج الشطرنج في المناهج المدرسية”.

وأضاف “النظام التعليمي في روسيا هو أول من اعتمد الشطرنج كمادة تدرس في المدارس، لكن بعد ذلك انتبهت الكثير من الدول إلى هذه الفكرة فتم إدماج اللعبة في المناهج ومن بين هذه الدول فرنسا، حيث أقدّم حاليا دروسا في هذا المجال بالمدارس الفرنسية التي تسعى إلى استقطاب الكفاءات والمختصين لتعليم الأطفال أساسيات لعبة الشطرنج التي تنمّي الذهن ولها دور مهم لتعزيز القدرة على الابتكار في مختلف الأعمار”.

وأكد أن الأطفال عندما يكونون على أتم الاستعداد من الناحية الذهنية، ستكون لديهم قدرة أكبر على التركيز في الدراسة، منوها إلى أهمية الجانب الذهني والنفسي الذي يمنح استعدادهم بشكل أفضل لخوض المزيد من التحديات والمغامرات في الحياة.

ولفت يعقوبي إلى أن التصميم على إحراز النصر يجعل الأطفال يخوضون تحدّيا ذهنيا على رقعة الشطرنج حتى يستطيعون اقتناص الفرص المناسبة والتغلب على منافسيهم، ويرتبط هذا التحدي بتعزيز قدراتهم الذهنية العالية التي تُساعدهم بدورها على تطبيق مهاراتهم الفكرية التي اكتسبوها أثناء التدريب والممارسة لهذه اللعبة، في تعلم مواد مثل اللغة والرياضيات، كما يساهم ذلك أيضا في تحسين العلاقات الشخصية بزملائهم من التلاميذ ويعزز الاحترام والتعايش السلمي لديهم.

وعلى مرّ التاريخ، ساعدت الألعاب الذهنية البشر على البقاء عند المرور بأزمات، حيث تعمل مثل هذه الأنشطة الفكرية على التفريغ النفسي ومجابهة القلق والضغط وتحسن الصحة النفسية والعقلية.

وفي الوقت الذي أدّى فيه تفشي جائحة فايروس كورونا في العالم إلى انحسار أنشطة الألعاب والرياضات، أظهرت رياضة الشطرنج مرونة ملحوظة وقدرة على التكيف مع الأزمات.

وفي الأشهر القليلة الماضية، أفادت التقارير بتضاعف الاهتمام العامّ بالشطرنج، حيث اجتمع عدد من اللاعبين أكثر من أي وقت مضى للمشاركة في فعاليات لرياضة الشطرنج عُقدت على المنصات الإلكترونية عبر الإنترنت، وفق ما أكدت الأمم المتحدة.

حسن يعقوبي: الشطرنج وسيلة رائعة لتعليم الأطفال القدرة على التركيز والتخطيط

وتقول الأمم المتحدة إن الشطرنج من أكثر الألعاب عراقة وتشبعا بالفكر والثقافة، حيث إنه مزيج من الرياضة والفكر العلمي والعناصر الفنية. وهو أيضا نشاط شامل للجميع وميسور الكلفة يمكن أن يمارسه الجميع في أي مكان، دون اعتبار لحواجز اللغة أو العمر أو نوع الجنس أو القدرة البدنية أو المركز الاجتماعي.

كما أن الشطرنج لعبة عالمية تشجع على النزاهة والإدماج والاحترام المتبادل، إذ تلاحظ الأمم المتحدة في هذا الصدد أنه يمكن أن يسهم في تهيئة جو من التسامح والتفاهم بين الشعوب والأمم.

وتشير الأمم المتحدة إلى أن لعبة الشطرنج تتيح فرصا مهمة في ما يتعلق بتنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030 وكذلك أهداف التنمية المستدامة، بما في ذلك في مجال تعزيز التعليم، وتحقيق المساواة بين الجنسين، وتمكين النساء والفتيات، وتعزيز الإدماج والتسامح والتفاهم والاحترام.

واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بشكل رسمي يوم 20 يوليو بوصفه اليوم العالمي للشطرنج وللاحتفال بتاريخ إنشاء الاتحاد الدولي للشطرنج في باريس عام 1924.

وترى الباحثة جانيت أيِر المختصة في الجهاز العصبي لدى الأطفال بجامعة نيوكاسل البريطانية، إن الألعاب المحفزة للعقل تتمتع بأهمية كبرى في مساعدة العقل على إيجاد طريقه بأسلوب سليم أثناء فترة الطفولة عندما يكون لديه القدرة على تغيير بنيته.

وأضافت أيِر “هناك دليل قوي على أن العقل يكون أكثر طواعية في المراحل المبكرة من النمو، فهو يتمتع بعوامل وراثية تمنحه بعض القواعد التي تساعده على ترميز الرسائل. ولكنه في مراحل مختلفة من العمر يستجيب لأوامر بيئية، ويستخدم خبراته المتراكمة لتشكيل بنيته للمستقبل”.

ولاحظت الباحثة أن “الألعاب الفكرية تعزز من قدرات الأطفال على التعلّم، ومن الأهمية بمكان قضاء بعض الوقت في مشاركتهم اللعب عندما يكون العقل غاية في الطواعية لأنهم في تلك المرحلة يرغبون في أن يقوموا بعمل أشياء جديدة، ما يجعلهم يتعلمون أكثر”.

21