رزق "البيليك"

في مقابل القائمة من الخدمات التي على الدولة أن توفرها، ودون مزية ولا شكر، فإن المواطن يقابلها بعداء غريب، فهو يكره كل ما ينتمي إلى الدولة.
الخميس 2022/03/24
استهتار في ظل غياب الرقابة الحكومية

رزق “البيليك” مصطلح تونسي مفاده الاستهانة بالملك العمومي وتطور ليصبح مرادفا للتهاون واستهداف المنشآت العامة بالتخريب والتلف.

استعدت هذا المصطلح، وأنا أشاهد حادث اصطدام قطارين في محيط العاصمة تونس، وحادثا آخرا لانقلاب قطار في طريقه من العاصمة إلى المناطق الداخلية، ومشهد الإضرابات الذي يعم البلاد في هذا الأسبوع، ويشمل قطاعات حيوية من بينها قطاع الكهرباء، وانقطاع الماء على محافظات تونس الكبرى.

هناك معادلة مثيرة للاستغراب في علاقة التونسيين بالدولة، فهم يعتمدون عليها بشكل أساسي كجهة مهمتها الأساسية توفير فرص العمل القار لهم وتحسين الخدمات في التعليم والصحة والمحليات، والتدخل لدى المنتجين للضغط على الأسعار، وضخ الأموال لدعم السلع التي تأتي من الخارج.

وفي مقابل هذه القائمة من الخدمات التي على الدولة أن توفرها، ودون مزية ولا شكر، فإن المواطن يقابلها بعداء غريب، فهو يكره كل ما ينتمي إلى الدولة، ولا يفوّت أيّ فرصة لتخريب المنشآت التي تعود ملكيتها إليها مثل القطارات، وقاعات الانتظار في المحطات، وملاعب الكرة.

لكن الأكثر إثارة أن الموظف الذي يطالب الدولة باستمرار بزيادة راتبه وتمكينه من علاوات بسبب ودون سبب، يشتغل بالحد الأدنى ويرى في المسألة أمرا عاديا ويجد فتاوى تبيح له هذا التهاون، ويرى في نفسه ضحية تقصير الدولة.

◙ هناك معادلة مثيرة للاستغراب في علاقة التونسيين بالدولة، فهم يعتمدون عليها بشكل أساسي كجهة مهمتها الأساسية توفير فرص العمل القار لهم وتحسين الخدمات في التعليم والصحة والمحليات

وتقول بعض الدراسات إن الموظف الحكومي في تونس يشتغل بمعدل ثماني دقائق في اليوم، وإن الحكومات المتعاقبة فشلت في تصويب هذا الوضع، وعلى العكس فقد ازداد الأمر سوءا بعد الثورة بتوظيف عشرات الآلاف من الموظفين الجدد دون أن تكون الوزارات والإدارة في حاجة إليهم.

وبالتوازي مع هذه الوظائف الزائدة عن اللزوم، نشطت النقابات كأقصى ما يكون، وكثرت الإضرابات والاعتصامات وتقلصت الرغبة في العمل لدى الموظف، وبات الكثيرون يعملون مكرهين، ويردون الفعل بشكل سلبي من خلال تعريض الأجهزة التي يعملون بها إلى التلف.

ونشطت قضايا السرقة التي يقوم بها الموظفون وكبار المسؤولين، وما شجعهم على ذلك غياب الرقابة الحكومية، فضلا عن احتمائهم بالنقابات التي باتت تنتصر لمنتسبيها بشكل آلي سواء أكانوا ظالمين أو مظلومين.

وبلغت درجة الإهمال المهني حد التسبب في الاصطدام بين القطارين في محيط العاصمة يوم الاثنين، وهو ما انتهت إليه التحقيقات الأولية، وأشار إليه الرئيس قيس سعيد حين قال إن الحادث جدَّ نتيجة خطأ بشري وإن من لم يقم بواجبه سيتحمّل مسؤوليته.

القطيعة بين الدولة والمواطن آخذة في التوسع، وثقافة رزق البيليك تنخر المؤسسات من الداخل وتعيق فرص إعادة إحياء الدولة، والأمر لن يتوقف طالما استمرت هذه الدولة في لعب دور الأب الحامي الذي يوفر لأبنائه كل ما يريدون ويعيق اعتمادهم على النفس.

20