رد تركيا على العقوبات الأميركية: مهادنة بايدن

متابعون يرون أن تركيا لا تملك الردّ على العقوبات الأميركية، وأن الترويج الإعلامي لذلك لا يعدو أن يكون شعارات موجهة للاستهلاك الداخلي.
الأربعاء 2020/12/16
إغلاق إنجرليك ... مساومة فقدت زخمها

دخلت العلاقات التركية الأميركية المتوترة أصلا منعطفا حاسما مع فرض إدارة الرئيس دونالد ترامب عقوبات على مجمع الصناعات الدفاعية التركية وهي عقوبات نجح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تعطيل إقرارها مرارا. ومع اقتراب تولي جو بايدن مقاليد السلطة في يناير المقبل تتجه العلاقات إلى أن تسوء أكثر إذا ما اختارت أنقرة التصعيد بدل التهدئة.

إسطنبول – تحدثت تقارير صحافية تركية الثلاثاء عن سيناريوهات ردّ أنقرة على العقوبات الأميركية التي فرضت على قطاع الصناعات الدفاعية التركية، حيث يظهر سيناريو مطالبة واشنطن بمغادرة قاعدة إنجرليك الجوية كإحدى الأوراق الهامة في يدّ الحكومة التركية التي عادة ما تلوح بذلك كلما تأزمت علاقتها مع الولايات المتحدة، لكن تخطيط واشنطن منذ فترة لنقل قاعدتها في تركيا إلى اليونان يجعل هذه الورقة غير ذي جدوى.

وعوّلت تركيا خلال خلافاتها مع الولايات المتحدة في عدة ملفات على توظيف ملف قاعدة إنجرليك لتحقيق مكاسب سياسية وتلافي عقوبات يطالب بها الكونغرس ويعطلها الرئيس دونالد ترامب لأسباب تتعلق بعضها بخارطة النفوذ الاستراتيجي في الشرق الأوسط وفق مراقبين، إلا أن وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض يحمل معالم مواجهة للأجندات التركية في ظل التحضيرات لتجريدها من أوراق المساومة.

وهذه ليست المرة الأولى التي تهدد فيها أنقرة بإغلاق قاعدة إنجرليك، الأمر الذي يدفع البعض من الخبراء إلى الحديث عن ضرورة الحد من اعتماد القوات الجوية الأميركية على هذه القاعدة، خاصة وأن للبنتاغون بدائل جاهزة وقواعد عسكرية أخرى في المنطقة.

وقال ستيفن كوك، من مجلس العلاقات الخارجية، “لست أقول إن علينا قطع علاقاتنا مع تركيا، لكن.. العنصر الذي يميل الأتراك إلى التلويح به أكثر من سواه، الوصول إلى قاعدة إنجرليك، بدأ يفقد أهميته شيئا فشيئا”.

وكانت صحيفة التايمز البريطانية قالت في سبتمبر2019 إن الولايات المتحدة تخطط لنقل قاعدة إنجرليك من تركيا، إلى جزيرة كيت اليونانية بغرض تعزيز وجودها العسكري في شرق البحر المتوسط.

ويتم تشغيل قاعدة إنجرليك الجوية بشكل مشترك من قبل القوات الجوية الأميركية والتركية على مدى عقود، وهي قاعدة مهمة للعمليات الأميركية في كل من سوريا والعراق. وتعد القاعدة أيضًا مقرا لنشر أسلحة نووية تكتيكية.

ويقول أولريش كون من معهد بحوث السلم والسياسة الأمنية بجامعة هامبورغ “لا أتصور أن تركيا ستنفذ تهديداتها، فأنقرة ستخاطر بعضويتها في حلف شمال الأطلسي”، مضيفا “التهديد يبدو لي أكثر كمناورة داخلية، لأن أردوغان يواجه حاليا ضغوطا داخل البلاد فهو يرغب في استعراض العضلات في وجه الأميركيين، لأن ذلك يعجب الناخبين”.

ويؤكد محللون أن أنقرة تدرك جيدا أنها الخاسر الحقيقي من إغلاق القاعدة، خاصة أن واشنطن تبحث منذ مدة عن بدائل لتركيا، فضلا عن وجود قاعدة القيارة في العراق.

ستيفن كوك: الوصول إلى قاعدة إنجرليك، بدأ يفقد أهميته شيئا فشيئا
ستيفن كوك: الوصول إلى قاعدة إنجرليك، بدأ يفقد أهميته شيئا فشيئا

ويبقى سلوك ألمانيا نموذجا لدى واشنطن، حين عملت على إعادة تموضع قواتها من إنجرليك إلى قاعدة الأزرق بالأردن في يونيو 2017، عقب رفض أنقرة السماح لبرلمانيين ألمان بزيارة جنود بلادهم في القاعدة.

ويرى متابعون أن تركيا لا تملك الردّ على العقوبات الأميركية وأن الترويج الإعلامي لذلك لا يعدو أن يكون شعارات موجهة للاستهلاك الداخلي.

ويشير هؤلاء إلى أن مهادنة الرئيس الأميركي المنتخب، الذي وصف نظيره التركي رجب طيب أردوغان بالدكتاتور، قد تدفع إلى مراجعة العقوبات في إطار تسوية ما بدل المضي قدما في تشديدها لتطال القطاع الاقتصادي التركي المترنح.

وبدا بايدن حازما منذ حملته الانتخابية في التصدي للأجندات التركية على عدة جبهات وهو الأمر الذي تلافاه ترامب طيلة فترة ولايته قبل أن تفرض واشنطن الاثنين، عقوبات على الصناعات الدفاعية التركية، يقول مراقبون إن تأثيرها محدود.

ويصنف هؤلاء العقوبات، غير القاسية، التي فرضت على تركيا ضمن سياسة جس النبض ورسالة أميركية تختبر مسارات الحكومة التركية المستقبلية ومدى استعدادها للاستجابة للمخاوف الأميركية الاستراتيجية.

وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية الاثنين أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على صناعات الدفاع التركية بسبب شراء أنقرة منظومة الدفاع الجوي الروسية أس.400.

وبموجب قانون أقره الكونغرس في العام 2017 بشبه إجماع، بهدف “مواجهة خصوم أميركا من خلال العقوبات”، حظرت واشنطن منح أي تصاريح تصدير أسلحة للإدارة الحكومية التركية لشراء الأسلحة.

وينص القرار أيضا على فرض عقوبات على رئيس هذه الإدارة إسماعيل دمير وعلى مسؤولين آخرين في الوكالة الحكومية التركية.

وحصلت أنقرة على منظومة الدفاع الجوي العام الماضي، وسط تحذيرات متكررة من الولايات المتحدة أن هذه الخطوة قد يترتب عليها فرض عقوبات.

وتقول واشنطن إنه من خلال إبرام صفقة شراء منظومة أس.400 مع روسيا، فإن تركيا تهدد أمن التكنولوجيا العسكرية الأميركية وتوفر المال لصناعة الدفاع الروسية.

وتم تجميد مشاركة تركيا، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، في برنامج الطائرة المقاتلة الأميركية أف.35، ولم يتم السماح لها بشراء طائرات متطورة من الولايات المتحدة.

ونددت تركيا بما اعتبرته عقوبات “غير منصفة” التي فرضتها الولايات المتحدة على الإدارة الحكومية التركية لشراء الأسلحة.

وقالت وزارة الخارجية التركية “ندعو الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في هذا القرار غير المنصف.. ونكرر استعدادنا للبحث في القضية عبر الحوار والدبلوماسية، انسجاما مع روح التحالف”.

5